صدر للأديب والأكاديمي المغربي عبدالرحيم جيران عن دار النهضة العربية في بيروت ديوانه الأول بعنوان "سيرة شرفة". ويصل عدد صفحاته إلى الثمانين. وزانت غلافه لوحة جميلة للفنانة التشكيلية اللبنانية المتميزة جنان الخليل. ويعد هذا الديوان أول خطوة للأديب نحو الإعلان عن هويته الشعرية الأولى إلى جانب هويته النقدية والسردية، والتي ظلت في الظل لمدة تزيد على الأربعين عاما. فهو بإصداره هذا الديوان يضع حدا لرهبته من الشعر، ولعزوفه عن نشر قصائده مجموعة بين دفتي ديوان. ويعد هذا الإصدار الشعري تجربة متفردة في الكتابة الشعرية، وذات أسلوب خاص في نحت القصيدة. وهو عبارة عن قصيدة نهرية واحدة ممتدة، وتكتسي طابعا سرديا لا تخطئه العين، فهو نوع الدفق الذي بين لحظتين: لحظة انفتاح الشرفة التي تطل منها سيدته المميزة التي تستخدم في هيئة رمز يكثف دلالات متعددة، ولحظة طلب الأنا الشعرية من هذه السيدة إغلاق الشرفة. وليست السيدة/ المرأة إلا مدينة الدار البيضاء بكل ما تحيل إليه من تاريخ، ومن حلم، ومن زمن. إنها ليست مكانا إلا بالقدر الذي تدل فيه على تجربة إنسانية يتداخل فيها الخاص والعام وتقوم طريقة بناء القصيدة على أسلوب الحوار بين الشاعر والسيدة/ المرأة، والذي يتخذه الشاعر وسيلة يمارس بوساطتها نقد كل شيء، بما في ذلك الذات، والأحلام التي راودت جيلا، والواقع الحالي في ترديه، وتنكره للقيم الأصيلة. ولم يكن ذلك ليتحقق هدف الشاعر هذا دون تمرده على القصيدة نفسها، ومعاييرها؛ حيث يرغمها على أن تتقبل إمكانات الأساليب المختلفة، وعلى محاورة نصوص فلسفية وروائية وثقافية متنوعة. إن القصيدة في هذا الديوان تتشكل في حضن المعرفة لغةً، وصورا، ومعاني. وتعتمد القصيدة في بناء موضوعها الجمالي على الترميز، وبخاصة استعمال بعض الأسماء، فآدم رمز للذات، ولكل إنسان حالم في هذا العالم، والجنة رمز للدار البيضاء، والأعلى رمز للأنا الأعلى بوصفه دالا على الروادع، بل يعمل الشاعر في كثير من الأحايين على تفريغ الرموز من دلالاتها المتعارف عليها ليكسبها أبعادا أخرى جديدة. كما يشتغل هذا الترميز على الأرقام، والتصدير المقتضب في مقدمة الديوان يشير على نحو إيحائي إلى اللعب هذا الأمر. كما أن الديوان يكرر تجربة الأديب عبدالرحيم جيران في اللعب بالعناوين على مستوى كتابة الرواية. فهناك العنوان المركزي "سيرة شرفة" الذي يوجد على الغلاف، وهناك العنوان المخفي "عمى الإبرة" الذي يوضع على حافة الكتاب. ولا شك أن هذا الصنيع يصيب القارئ بالحيرة، ويدفعه إلى فك مفاتيح الدلالة وفق القبض على التعالق بين العنوانين، بل إلى ترجيح صلاحية أحدهما في ضوء قراءة المتن الشعري.