أسعار النفط تهبط عند التسوية.. وبرنت يسجل 69.34 دولار للبرميل    ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على شركاء روسيا التجاريين    عمرو ناصر: أعد جماهير الزمالك بأن أكون عند حسن ظنهم.. وأحلم بالتتويج بكل البطولات    وكيله ل في الجول: لويس إدوارد قريب من العودة إلى الدوري المصري    تراجع مؤشرات بورصة الدار البيضاء في ختام تعاملات اليوم    خطة متكاملة لرفع كفاءة محطات الصرف بالفيوم وتدريب العاملين على الطوارئ    «محمد هانى».. نموذج مبشر    مصر والأصدقاء الأفارقة    الولايات المتحدة تعرض السيطرة على الممر الأكثر جدلا في العالم ل 100 عام    وزيرة النقل البريطانية تعرب عن مواساتها للمتضررين جراء حادث تحطم طائرة    كلية الهندسة جامعة القاهرة.. خريطة الأقسام وبرامج الساعات المعتمدة    وزير التموين يكرم صاحب أفضل فكرة بتتبع السلع الغذائية    مودرن سبورت يعلن عن خامس صفقات الموسم الجديد    مادويكي يخضع للفحص الطبي في أرسنال    ضبط سيارة محملة ب 5.5 طن أسمدة زراعية مدعمة محظورة التداول أثناء تهريبها و بيعها في السوق السوداء بمركز أرمنت    متحدث الوزراء: حصر 7500 عقار آيل للسقوط بالإسكندرية    صحة الإسماعيلية: غلق 6 مراكز إدمان والطب النفسي دون ترخيص    تامر حسني لمحمد منير: غنائي مع "الكينج" جائزة لمشواري الفني    "جبالي" يهنئ الدكتورة جيهان زكى بعد منحها وسام "جوقة الشرف" من الرئيس الفرنسي    جنات تعود بألبوم ألوم على مين وتطرح أغانيه تدريجيا خلال يوليو الجاري    «ممنوع عنه الزيارات».. آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    في أول تعاون.. «المملكة» يجمع مصطفي شعبان وهيفاء وهبي    معرض كتاب الإسكندرية يناقش الفروق بين الصحافة والإبداع في ندوة مميزة    كيفية تطهر ووضوء مريض القسطرة؟.. عضو مركز الأزهرتجيب    ما حكم صلاة المرأة في الأماكن العامة أو مكان العمل؟ أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يوضح أركان وشروط صحة الصلاة وأنواع الطهارة (فيديو)    قنا: 150 فريقا طبيا يطلقون 100 يوم صحة لتحسين الخدمات والرعاية المجانية للمواطنين    احذرها.. عادة صيفية شائعة قد تضر قلبك دون أن تدري    كاميرات المراقبة... "عين لا تكذب ولا تنام" وسلاح الأمن في مواجهة الجريمة    ضبط صاحب محل دفع كلبًا نحو شخص بهدف الشهرة على "السوشيال"    تقبيل يد الوزير!    النيابة تحيل 20 متهمًا في قضية منصة «FBC» إلى الجنايات الاقتصادية    بأرواحهم وقلوبهم.. مواليد هذه الأبراج الستة يعشقون بلا حدود    الصحة الفلسطينية: اعتقال 360 من الكوادر الطبية منذ بداية حرب الإبادة على غزة    حماس: نتنياهو يتفنن في إفشال جولات التفاوض ولا يريد التوصل لاتفاق    خالد الجندي: محبة الله أساس الإيمان وسر السعادة في المساجد    تقارير: النصر لن ينسحب من السوبر السعودي    أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بأسوان بعد التظلمات (صور)    رئيس الوزراء يشيد بمبادرة لإدخال الإسكندرية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل.. ويؤكد: نجاحها سيمكننا من تكرارها بمحافظات أخرى    أكاديميون إسرائيليون: المدينة الإنسانية برفح جريمة حرب    وزارة النقل تنفي صلة الفريق كامل الوزير بتسجيل صوتي مزيف يروج لشائعات حول البنية التحتية    «قناة السويس» تبحث التعاون مع كوت ديفوار لتطوير ميناء أبيدجان    ندوات للسلامة المهنية وتدريب العاملين على الوقاية من الحوادث بالأسكندرية    «الوطنية للتدريب» تواصل تنفيذ برنامج «المرأة تقود في المحافظات المصرية»    طهران: قواتنا مستعدة لتوجيه الرد المزلزل إذا كرر الأعداء ارتكاب الخطأ    «الأوقاف» تُطلق الأسبوع الثقافي ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    تحولات الوعي الجمالي.. افتتاح أولى جلسات المحور الفكري ل المهرجان القومي للمسرح (صور)    ضبط قضايا اتجار في العملات ب«السوق السوداء» بقيمة 7 ملايين جنيه    رئيس الوزراء يبدأ جولة تفقدية لعدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية    توزيع 977 جهاز توليد الأكسجين على مرضى التليفات الرئوية «منزلي»    موعد صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بعد تطبيق الزيادة الأخيرة (احسب معاشك)    «نيابة الغردقة» تُصرح بدفن جثة لاعب «الفلاي بورد» ونقله لدفنه ببلدته بالمنوفية    ماذا قال رئيس مجلس الدولة لوزير الأوقاف خلال زيارته؟    الخطيب يتفاوض مع بتروجت لضم حامد حمدان.. ومدرب الزمالك السابق يعلق: داخل عشان يبوظ    الأهلي يبدأ اتخاذ إجراءات قانونية ضد مصطفى يونس بحضور الخطيب (تفاصيل)    تفاصيل زيارة المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب في دمياط لمتابعة تنفيذ برنامج "المرأة تقود"    مستشار الرئيس للصحة: الالتهاب السحائي نادر الحدوث بمصر    12 صورة لضرب لويس إنريكي لاعب تشيلسي بعد المباراة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوار الخراط.. أن تسير عكس التيار لتغيّر واقعًا بالحروف
نشر في نقطة ضوء يوم 02 - 12 - 2015

ربما يرفض إدوار الخراط، الذي رحل عن عالمنا صباح 1 ديسمبر 2015 عن عمر يناهز 89 عاما، وهو في خطواته الأولى إلى عالم الأبدية، أن تُستهل الكتابة عنه بطريقة تقليدية، فنقول إنه ولد في 16 من مارس عام 1926 بمدينة الإسكندرية..ثم حصل على ليسانس الحقوق عام 1946، وتنقل في عدة وظائف حتى انتهى به الأمر كاتبا للقصة والمقال النقدي، ومن ثم الرواية. فهذه كلها بدايات تقليدية يرفضها الخراط، الذي قرر أن يكون غير تقليدي، يضرب بكل تقليد عرض الحائط، ويسير وحيدا باحثا عن جديد.
إن من يقول إن إدوار الخراط جاء مفارقا عن زمانه لا يجاوز الحقيقة، فقد جاء جاء الخراط برغبة يمكن وصفها ب"الراديكالية" في التغيير، فهو يحمل فوق كتفه معولا ويشرع في هدم أبنية راسخة، من الصلابة بمكان بحث يخشى أحدهم أن يقترب منها، لا أن يفكر في المساس بها، وأول هذه الأبنية العتيدة كان "الواقعية الاجتماعية" التي أسس لها صاحب نوبل نجيب محفوظ منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، تلك المرحلة التي تعد نقطة تحول في الرواية العربية، والتي صارت بعد ذلك منهاجا للقادم من أجيال.
لكن الخراط يرفض ذلك كله، ويأبى أن يكتب تحت مظلة المجتمع، بل أن ينبش في أحشاء المجتمع، مستخرجا النفس البشرية، واضعا إياها تحت المجهر، في محاولة لالتقط صورة شخصية لها، تظهر فيها كائنة بذاتها، باعتبارها وحدة قائمة، لا باعتبارها جزءا من كل وهو المجتمع.
وهنا يظهر مصطلحه الشهير "ما وراء الواقع"، ورغم أن الخراط يرى أنه لم يحلله تحليلا عميقا، فإنه يقدم فيه إجابة شافية، فيصفه بأنه "الكتابات التي لا تنتمي بشكل آلي إلى مفهوم الواقع، حتى لو أدرجنا في هذا المفهوم عالم الحلم والخيال والشطح والفانتازيا".
هذه الكلمات، على قلتها، كانت قادرة على توضيح الآليات التي شكلت العمود الفقري لهذه الكتابة المغايرة للسائد، والمفارقة المعتاد؛ ففيما يخص الحلم، وهو الذي يقودنا بالضرورة إلى مصطلح الحساسية الجديدة، مثلا تأتي هذه الكتابة بوظيفة جديدة للحلم، تختلف عن وظيفته في الكتابة الواقعية، أو الكتابة التي كانت سائدة بوجه عام؛ ففي حين يأتي الحلم على الهامش الكتابات المعتادة، شيئا غريبا، كما يصفه الخراط، فإنه يأتي في كتابات ما وراء الواقع مكونا أساسيا، يعكس مخزون العقل الباطن، ويستنطق اللاشعور، في محاولة لتنويم الشخصية مغنطيسيا، إن جاز هذا التعبير، لإجبارها على أن تصرح بحقيقة مكنونها دون أية مواربة، ودون أي تجميل، ودون أية اعتبارات "اجتماعية".
أما عن الفانتازيا فحدث ولا حرج، فرحلة سطحية في كتابات الخراط، تكتفي بالعناوين، يمكنها أن تستشف ذلك، فمثلا "رامة والتنين"، هذا العنوان "الفانتازي"، الذي يقتلعك بمجرد قراءته من الواقع.النفس البشرية ودواخلها إذن هي مراده، الذي سيتخذ إليه كل السبل، حتى أغربها، أو أبعدها عن العقلانية.
وفي الطريق ذاته يبرز لنا مصطلح "الحساسية الجديدة"، وهو أكثر المصطلحات التي ارتبطت باسم الخراط، والذي هو مناقض بشكل أو بآخر مصطلح "الحساسية التقليدية".
ولا يمكن بأي حال من الأحوال تعريف المصطلح الأول، ما لم نعرف المصطلح الثاني، الذي يرى الخراط أنه يعني أن العالم كان مفهوما عند الكتاب، يمكن محاكاته بل وتغييره، ولذلك كانت تقنيات الكتابة عقلانية، تعتمد على طريق واضح ومحدد، وهو التمهيد، ثم الحبكة التي تتوسطها عقدة، حتى ننتهي بحل هذه العقدة.
لكن بعد هزيمة عام 1967 انقلبت المفاهيم وصار العالم، حسب الخراط، غير مفهوم، لا يمكن أن تسير معه تلك السيرة التقليدية، ولا يمكن محاكاته كما يقول الخراط "بدا أن العالم بالنسبة إلى فئة من الكتاب والشعراء والقصاصين غير معقول وغير مفهوم، ولا يمكن تبريره، وبالتالي تحطمت تصورات المحاكاة، فلم يعد الفن محاكاة للواقع ولا حتى واقعا موازيا للواقع، بل أصبح قائما برأسه، أصبح عالما آخر من ابتداع القاص أو الروائي أو الشاعر".
ثم يأتي مصطلح "الكتابة عبر النوعية"، الذي يمكن وصفه بأنه كان حلما لإدوار الخراط، يرى أنه يحتاج إلى جهد كبير، ومقدرة بارعة حتى يتحقق، ويعني المصطلح إنتاج نص يستوعب منجزات الأنواع المكرسة مثل الشعر والمسرح والرواية والقصة، هذا المزج الذي يرى الخراط أنه لا ينبغي أن يكون تجاورا، أو "نشازا"، إنما يعني استعيابا كاملا، وهو ما قد يخرج بنوع جديد خارج الرواية نفسها.
ومن هنا تأتي محاولات الخراط لتطبيق هذه الكتابة عبر النوعية في عدة نصوص، ك"اختراقات الهوى.. نزوات روائية"، و"ترابها زعفران.. نصوص سكندرية"، هذه المحاولات التي أراد فيها الخراط أن يجعل القارئ يتشكك في مصداقية انتماء هذه النصوص إلى نوع بعينه، وهو الرواية، وأن يشير، كما يقول الخراط، إلى مدى كون الرواية طيعة قابلة للتشكيل والامتزاج بغيرها من الألوان الأدبية، وأن تتماهى به بحيث يصعب فصلها، أو تمييزهما تمييزا قاطعا ومحددا.
كان الخراط يبحث عن متلق جديد، يختلف عن المتلقي التقليدي المعتاد، الذي يأخذ المنتج الأدبي بعد أن انتهى كاتبه من إنتاجه، ونفض منه يديه، وليس على القاري سوى أن يتناوله كما هو، في حين يتجاوز المتلقي الذي ينشده الخراط كونه متلقيا، إنما هو يشارك في إنتاج النص وبنائه مع الكاتب نفسه، ما يفترض أن يمتلك حاسة نقدية، ومقدرة على تناول النص خطوة بخطوة بعين ناقدة، تنفذ إلى ما وراء السطح، بحيث يستطيع أن يتجاوب مع الكاتب في "شطحاته"، ولا يبقى الكاتب ملزما بتفسير وتحليل كل ما يكتب، إنما يستطيع القارئ أن يشاركه غموضه، وأن ينفذ إلى ما وراء الكلمات.
ربما لم ير الخراط النتيجة المرجوة من عمله، وهذا إنما يرجع إلى سبب واحد، وهو أن الخراط أراد التغيير جملة واحدة، والتغيير، كما علمنا التاريخ لا يأتي في قفزة واحدة، إنما يأتي كبناء يسبقه هدم يتطلب زمنا، لكن أنى للخراط أن يقبل بذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.