العام الدراسي الجديد| وزير التعليم ومحافظ القليوبية يتفقدان المدارس ويؤكدان: "الطالب أولويتنا"    بالصور.. توزيع شيكولاتة وبالونات بأول أيام العام الدراسي الجديد في بورسعيد    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم الأحد    أسعار اللحوم اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025    أسعار المستلزمات المدرسية 2025: الكراسات واللانش بوكس الأكثر شراء    رئيس الوزراء يغادر إلى نيويورك لترؤس وفد مصر في مؤتمر حل الدولتين    صفارات الإنذار تدوي في أسدود ومستوطنات غلاف غزة    31 شهيدا حصيلة تفجيرات في قطاع غزة اليوم    القناة 12 الإسرائيلية: اعتراض صاروخين في أسدود أطلقا من غزة    موعد مباراة برشلونة وخيتافي والقناة الناقلة    الكرة الذهبية 2025.. لماذا يُترقّب محمد صلاح ودور ديمبلي؟    وزير التعليم يتفقد مدارس القليوبية ويعلن بدء تدريس مادة البرمجة للصف الأول الثانوي    بعد قليل.. محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب خالد يوسف    محافظ أسيوط يقود حملة موسعة لإزالة الإشغالات المخالفة بميدان القناطر    عبير عادل تتصدر جوجل بعد اعترافها : بشتغل سائق أوبر ومفيش أي عمل فنى جالي من 7 سنين    رئيس الوزراء يتوجه إلى نيويورك لتمثيل مصر في مؤتمر حل الدولتين    ارتفاعات في أسعار الخضروات بأسواق المنيا اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025    بالعمة والقفطان.. انتظام المعاهد الأزهرية في أول يوم دراسي بالقليوبية    ياسر ريان: حسام غالي "أخل بمبادئ الأهلي".. ولن يكون له دور الفترة المقبلة    اليوم.. وزارة الأوقاف تطلق مبادرة «صحح مفاهيمك».. ومحافظون: «مشروع وطني متكامل»    بالبلالين والأغاني، استقبال طلاب المدارس في أول أيام الدراسة بالدقهلية (فيديو وصور)    مواعيد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025: كل ما تحتاج معرفته    كسوف الشمس 2025 في السماء اليوم.. تفاصيل أطول حدث فلكي يستمر أكثر من 4 ساعات    وزارة الداخلية تكشف ملابسات فيديو يزعم طلب فرد شرطة بمطار القاهرة مبلغا ماليا من راكب صيني    ترامب مطالبا بمقاضاة خصومه: حاكموني مرتين ووجهوا ضدي 5 لوائح اتهام    لهذا السبب.. مي كمال الدين تتصدر تريند "جوجل"    فايزة أحمد، صوت لامس قلوب الأمهات رغم محنتها الأسرية وصدفة وراء شهرتها في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 21-9-2025 في محافظة قنا    «الصحة» تُطلق الدبلوم المهني لسلامة المرضى وإدارة مخاطر الرعاية الصحية    طريقة أسهل وأسرع نوتيلا اقتصادية وصحية للمدارس    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 21 سبتمبر 2025    التمريض الركيزة الأساسية لنجاح المنظومة الصحية بالأقصر    50 دولارا للرأس، قائد ميليشيا في غزة يعلن عن مكافأة لاغتيال عناصر حماس وإلقاء جثثهم للكلاب    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب.. تعرف على طريقة أداء صلاة الكسوف    إصابة عدة أشخاص إثر إطلاق نار في نيو هامبشاير الأمريكية    مصدر من الزمالك ل في الجول: غياب بانزا عن المباريات لقرار فني من فيريرا    رسميا.. الأهلي يطالب اتحاد الكورة بالتحقيق مع طارق مجدي حكم الفيديو في مباراة سيراميكا بعد الأخطاء المعتمدة ضد الفريق    إياك وتداول الشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 21 سبتمبر    أحمد سعد يطلب من الجمهور الرقص على «اشيلك بين وريدي» في مراسي.. ورضوى الشربيني تشعل الحفل بالرقص (صور)    مصرع شخص وإصابة آخر بطلق ناري خلال مشاجرة في دلجا بالمنيا    لم يزره أحدًا منذ أيام.. العثور على جثة متحللة لموظف في شقته بالبحيرة    ردًا على تسعيرة كرسي البرلمان: حزب حماة الوطن يوضح معايير اختيار المرشح    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 21 سبتمبر 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025    مستشفى رأس الحكمة بمطروح يجرى جراحة ناجحة لشاب يعانى من كسور متعددة في الوجه والفك العلوي    وزير السياحة عن واقعة المتحف المصري: لو بررنا سرقة الأسورة بسبب المرتب والظروف سنكون في غابة    موعد مباراة أرسنال ومانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    اليوم، ختام التسجيل في مرحلة تقليل الاغتراب لطلاب الشهادات المعادلة    ردا على "فيتو"، رئيس جامعة حلوان يكشف الوضع المادي للجامعة وحقيقة إنشاء فرع دولي خارج مصر    "بعد ثنائيته في الرياض".. رونالدو يسجل رقما تاريخيا مع النصر في الدوري السعودي    نتائج مباريات أمس السبت    حسام الغمري: خبرة بريطانيا التاريخية توظف الإخوان لخدمة المخططات الغربية    ندوة «بورسعيد والسياحة» تدعو لإنتاج أعمال فنية عن المدينة الباسلة    بيلا حديد تعاني من داء لايم.. أسباب وأعراض مرض يبدأ بلدغة حشرة ويتطور إلى آلام مستمرة بالجسم    محمد طعيمة ل"ستوديو إكسترا": شخصيتي في "حكاية الوكيل" مركبة تنتمي للميلودراما    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد شكري: أسطورة السيرة الذاتية الحارقة
نشر في نقطة ضوء يوم 23 - 11 - 2015

محمد شكري سليل الوجع المغربي الخارج من رحم المعاناة والظلم الوجودي، كاتب خلق وأبدع كتابة روائية صادمة، مخلخلة للثابت في السرد الروائي العربي، ومربكة للمألوف في النص الروائي الذي كان يعتمد على الواقعية الفجة، والأحلام اليوتوبية التي لن تتحقق أبدا، لذلك عد شكري من أنصار الكتابة الفادحة والفاضحة للأعطاب المجتمعية المتوارية خلف المسكوت عنه والممنوع، وبالتالي نال من غضب العقلية التقليدية، وتم طرده من عشيرة النفاق، لكون كتاباته لا تساوم، ولا ترضى بغير الفضح وتعرية الوجه القبيح من الذات المغربية والعربية التي تتخفى وراء حجاب الحياء، غير أن شكري أبدع نصا روائيا سيريا، حاكته يد صانع تمكن من تحطيم جدران الحشمة التي تخفي وراءها جحيم مجتمع يقتات من لحم التهميش الاجتماعي، والتناقض الغريب في بنية تسود فيها كل أشكال التمييز، حيث عاش محمد شكري وسط هذا العفن الاجتماعي الذي يستشري في جسد مترهل قيميا ووجوديا وإنسانيا، الشيء الذي جعل الروائي محمد شكري يقول بلغة الواقعية التي تمجد الذات وتنتصر للمهمش، والاستثنائي في الواقع
هكذا يمكن الحديث عن كتابة سيرية روائية تعتني بالهامش، وتحوله إلى بؤرة سردية تدور حولها الأحداث المرتبطة أصلا بالذات الكاتبة التي ما هي إلا صورة مصغرة للذات الكبرى/المجتمع، هذا الهامش الذي أثار فضول عين شكري الثالثة لتلتقط صورا كارثية لمجتمع يحيا خارج المنطق الإنساني، بل يمكن القول خارج اللعبة الوجودية المتمثلة في العيش الكريم والمساواة والكرامة، هذه الصور الخليعة بلغة أهل التقية، ولكنها العميقة والحاملة لدلالات تصيب العطب الذي يعتور الجسد العليل بأمراض تفتك الكينونة والوجود.
إن الكتابة حول هذا الكاتب الألمعي، والمبدع العصامي الذي أبدع سيرة الذات الأليمة في نصه الباذخ والمؤلم «الخبز الحافي» هي سيرة مجتمع يغرق في أنوية أبوية قاهرة، وبنية مجتمعية مشلولة ومعطلة للعقل، ومحرضة على النقل، وتكره الضوء، بل تعشق العتمة، ما جعل الذائقة الثقافية ترتبك أمام نصية سيرية روائية تتحدث عن الاختلالات بسردية التجاوز وتخطي السائد في الكتابة الروائية العربية، وتتخذ موقف الرفض والمنع، فقول الحقيقة في مجتمع لا يعطي للذات الحق في التعبير عن وجودها والإفصاح عما يخالج الدواخل من اختناق وكبح، لكن الإبداع الأصيل المنبعث من القاع الاجتماعي تسرب إلى القارئ العربي كما يتسرب الماء في عروق الأغصان، خفية من أعداء الحياة، استطاع النص الشكري (نسبة إلى محمد شكري) أن يبهر هذا المتلقي المتعطش للأدب المكشوف والعاري.
“فالخبز الحافي” إدانة للمجتمع الذي يحتكر التعبير عن ذوات الآخرين تارة بالعقد الاجتماعي، وأخرى باسم القيم التي تتلبس أقنعة متلونة حسب الطقس السياسي والاجتماعي السائد، وهي أيضا مرآة تعري السلطة الأبيسية التي كانت الناطق بلسان الحال، وهي سيرة جيل تكبد التهميش والإقصاء من لدن بنية مجتمع تعشش فيه كل الأوبئة الفتاكة، ولوحة تشكيلية متلونة بالبؤس الاجتماعي والنزيف العائلي الذي جسده أبو شكري، الذي يمارس ساديته على أجساد منهكة اجتماعيا، وعليه تزداد المعاناة وتتسع الجروح، ويكبر الحنق الذي اتسمت به كتابة شكري .
كما أن السيرة احتفت بتاريخ طنجة، هذا الفضاء الذي يجسد وثيقة ذاتية لشكري باعتبارها المدينة التي ألهمت الكاتب بصياغة حياته صياغة أوتوبيوغرافية، حيث احتفى نص محمد شكري بأزقتها وحواريها وأوكارها ومقاهيها وأماكنها الغارقة في العوز في كل شيء: الحب/العشق /المحبة/الكرامة/الإنسانية، فالذات السيرية الساردة تعبر عن وضع أليم جريح .
محمد شكري علامة روائية فارقة لكونه تمرد على أعراف الكتابة، الكتابة التي تجنح إلى البوح الجارح، والنوح المبرح، والتعبير الصريح، والسرد المهدم لسردية جامدة، ومنمطة، فالكتابة عن الذات كتاريخ وذاكرة، كمجتمع تجعل الذات في الجزء الثاني من سيرته الذاتية الروائية تنحو منحى آخر يقترب من النفس الروائي، لكن بصيغة مجددة وخارقة، إذ أبدع نصا تتحقق فيه الشروط لكتابة روائية تحتفي بمحطات من حياة الكاتب العالمي محمد شكري، التي لم تخرج عن نطاق جلد الذات الجماعية بلغة فيها نوع من الانزياح السردي – إن صح التعبير- ذلك أن السارد الذي هو نفسه شكري يسرد حياته بصيغة استلهام الماضي والزج به في واقع ذات متمزقة ومتشظية .
هذه الكتابة السيرية التي حولت طفولة شقية ومغتصبة بفعل دواعي اجتماعية ووجودية إلى كتاب مفتوح على الألم المجتمعي، تمكنت من التعبير عن واقع مغربي سمته الأساس المفارقات والمتناقضات التي تصل حَدَّ السخرية، إذ استطاع محمد شكري أن يأخذنا معه إلى عوالم واقعية بمسحة متخيلة طافحة بلغة سردية نابعة من القاع أي الهامش الاجتماعي، لتعطي الصورة الحقيقية لشخصيات تعيش حياة الفقر والجور والأمية؛ في ظل سلطة ذكورية همها إشباع الرغبات الجنسية، وممارسة ساديتها ضد البراءة والمرأة التي تمت تعرية واقعها المدقع، عبر متواليات سردية ناضحة بالنزيف الداخلي الذي تواريه خلف ستار العار الذي تمثله دور الدعارة. كتابة محمد شكري كتابة قاسية عن واقع أكثر قساوة، وأبلغ شقاء.
محمد شكري خلق وجوده عبر كتابة تكره المساحيق، وتمج الافتعال، وتتشبث بالإحساس النابع من ثقل القلق الوجودي الذي كان يلازم المؤلف بطل سيرته، وبالتالي جاءت كتابته مكسرة للتابوهات الوهمية، وللنفاق الاجتماعي الذي يواري سوأة المجتمع المكشوفة في الحقيقة، بالتقية والأقنعة المزيَفة والمزيِفة، فكانت تعري المستور وتفصح عن المسكوت عنه، كتابة محتجة ضد الابتذال في العلاقات الإنسانية، ومركزة على الغريزة التي تشكل البعبع الذي تخاف منه المجتمعات المتخلفة الجاهلة لكينونة الذات داخل العالم. فالبغاء والمخدرات والعنف الأسري والمجتمعي والشذوذ الجنسي، الثيمات الرئيسية في المتن السيري لمحمد شكري ماهي إلا توابل كتابة لا تعرف المجاملة والنفاق في التعبير، بل هي كتابة فضائحية متمردة وجانحة نحو مقاومة التاريخ المزيف، وتجسيد صورة المجتمع، هي كتابة لها أفقها الجمالي الذي يمتح من سيرة الذات لكتابة سيرة المجتمع.
إن تجربة محمد شكري السردية السيرية هي تجربة الهامش بامتياز؛ حيث خلقت تحولا على مستوى التعاطي لما هو مقبل من الهامش، إذ غدت كتابة الهامش رافدا من روافد الإبداع، لكونه إبداعا يخرق المألوف في صياغة كتابة تنتصر لما هو مبتذل في رأي التقليدي الذي يرتدي عباءة الأخلاق والتقاليد المزيفة، فجاءت سيرة محمد شكري مفارقة ومدهشة، لا لشيء سوى لأنها سيرة تجسد تشظي الذات الساردة في عالم الجوع والحرمان والجنس، والتهميش الممارس من لدن المجتمع، هذا التشظي في الكتابة السيرية دليل على مفارقات الواقع الذي يزيد الذات توترا وتأزما ويدفعها إلى تعرية الحال بلغة عارية؛ بعيدة عن المسكوك التعبيري المنمط، لغة ساخرة من بنية اجتماعية تقليدية، والذي يعكس حقيقة ما تم ذكره في الروايات السيرية السردية المتمثلة في «الخبز الحافي» التي يمكن اعتبارها إدانة صريحة للسلطة الأبوية، للحقد الاجتماعي الذي لا يعترف بهامش المجتمع، ثم «زمن الأخطاء» التي كانت انعطافة في مسار الكتابة عند محمد شكري، ثم «وجوه» التي زادت من تعرية الذات الجمعية والفردية.
إن استعادة محمد شكري كروائي خلق أسطورته بدون ادعاء هي استعادة للغة الساخرة، والكتابة النابعة من الهامش، التي تغوص في القاع الاجتماعي لترميم الأعطاب وتجاوزها لبناء مجتمع مؤمن بالتخطي والتجديد والخرق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.