حرب النجوم بأجزائه كلها ملحمة لا تختلف كثيراً عن الملاحم العظيمة السابقة، نجد فيها الجمال حيث المركبات الفضائية بل نجد الديناصورات أو شبهها ترعى فيها. هنا لا زمن محركاً. كل الأزمنة مجتمعة، بل الماضي العريق والمستقبل حاضران ليس على المستوى التقني فحسب ولكن على المستوى السياسي والاجتماعي، عالم حرب النجوم أشبه سياسياً بالعالم الروماني القديم. هناك الإمبراطور وهناك البريتور وهناك مجلس الشيوخ. أما الذي لا يطيقه حرب النجوم فهو ديموقراطية البرلمان. فهو أقل من ملحمة بالطبع وابتذاله لا يجعل له مكاناً في ملحمة تريد لنفسها بعض العراقة. ثم أن حرب النجوم ملحمة كالإلياذة، بل نحن نجد فيها ظلالاً من الإلياذة فيها شبه اخيلوس وهيكتور وفيها شبه عوليس، كالإلياذة فيها أبطال متهورون وحكماء ونزاعات داخلية. غير أن "حرب النجوم" بخلاف الملاحم القديمة التي لا تفرز الشر من الخير ولا نجد فيها الخير ولكن البطل والمحارب ولا تبدو سرقة امرأة الغير التي بدأت بها الإلياذة إثماً، ولا الصراع على سبيّة طيشاً. حرب النجوم لا تميز بين الخير والشر فحسب لكنها تقوم على قسمة صارمة فرعونية بين الظلام والنور والخير والشر. هناك ست إله الظلام وهو كذلك في الديانات المصرية القديمة وهناك "الجيداي" الفرسان أهل الخير الذين يشبهون كهان الكونغ فو. هناك خير بحت وشر بحت والصراع بينهما قائم إلى النهاية. الشر شر والخير خير ولو تسنى للشر أن يتلبس بالخير أو أن يتظاهر كما فعل ست الذي تنكر في إهاب المستشار واستطاع أن ينقلب على الجيداي وأن يعيد الجمهورية إلى عالم الظلام. الظلام، النور، الخير، الشر، مانوية بسيطة تقوم عليها ملحمة حرب النجوم، أي أن كل هذه التكنولوجيا «السحرية» لتردنا في النهاية إلى حكاية تعليمية مثيرة كتلك التي نحكيها أحياناً للأطفال. التعقيد التكنولوجي مقابل التبسيط الديني والعالم بهذه التكنولوجيا يغدو أكثر بساطة وأكثر بدائية وأكثر بداوة أو ريفية. العلم في هذه الرؤيا مجرد رجوع إلى الوراء تاريخياً. العلم يتقدم بمقدار ما يرجع التاريخ القهقرى: هذه هي معادلة حرب النجوم. غير أن الشر الصريح والخير الصريح يتماثلان إلى حد غريب. أهل الشر في ولائهم للظلام لا يقلون إخلاصاً واندفاعاً عن أهل الخير في ولائهم للنور. ثم أن الشر عقيدة بمقدار ما الخير عقيدة، بل يمكن القول إن الشر إيمان بقدر ما أن الخير إيمان، ووكر الفتى الذي أعده القدر ليكون المختار لا ينحرف إلى الشر بفعل النفس الأمّارة بالسوء، رغم أن عاملاً شخصياً تدخل، لكن إيمانه بقدرة الظلام على أن يفعل ما لا يستطيع الخير فعله، وان الظلام اقدر على إنهاء الحرب والإتيان بالسلام والاستقرار، هو الذي دعاه أخيراً الى ان ينحاز للشر ويدخل في خدمة ست، الشر والخير هنا يتنافسان على الخدمة، إذا جاز التعبير. كلاهما إيمان وكلاهما ولاء، ثم ان العالم الذي يقوم على دين الشر ودين الخير يكاد يكون بدون إله، ثمة إيمان بالطاقة والظلام لكننا لا نسمع اسم الله. هل هذه رؤيا آسيوية (بالنسبة للشرق الأقصى)، هل ان حرب النجوم بسبب ذلك اعمق مما يبدو لأول وهلة وإننا من ديانة فرعونية الى رؤيا زارادشتية الى تصور آسيوي نجد أنفسنا رغم البساطة الظاهرة، في دنيا أكثر تعقيداً، بل نجد أنفسنا، ضمناً، في فكرة معاصرة.