بين هاجس الكتابة ونهم القراءة إرتباط وثيق يتعلق بإنتاج العمل الإبداعي ، وهذه عملية تتمخض عن معاناة تلازم الكاتب في تكوين الفكرة ،ومن ثم وضعها في قالب أدبي وأسلوب ومبسط وسهل يصل إلي وجدان القارئ، ومن أكثر الأعمال الأدبية مشقة وترهق الكاتب هي "كتابة القصة القصيرة" ، وعلي الرغم من الكتاب والأدباء يبدأون طريقهم بها لكن كثير منهم لايخلص لها الوفاء ، ويتجاوزها مع مرور الزمن. والكتابة هي واحدة من الأسس الذاتية والنفسية لدى المبدع لتحريك الساكن والثابت في مجال التجربة الإبداعية من خلال عالمه الخاص شاعراً أو قاصاً أو روائياً أو ناقداً " .. بهذه الكلمات التي تعبر عن العلاقة بين أطراف العمل الأدبي يعرض الناقد شوقي بدر يوسف كتابه (هاجس الكتابة. . دراسات في القصة القصيرة) الصادر عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة ،ويهديه إهداءً حميمياً - ربما يدل على تقلص مساحة القراء- إلى المبدعين الذين تناولتهم هذه القراءات . يبدأ الكاتب بالوقوف أمام "محمود البدوي ونبض القصة القصيرة " ويرى أن البدوي يمثل في ذاكرة الحياة الأدبية مكانة فنية متميزة لها خصوصيتها من خلال بصمة قوية وضعها في ساحة القصة القصيرة في فترة كان هذا الفن ينتقل من مرحلة الريادة إلى مرحلة أخرى ومن ثم يربطه بإنجاز جيله ، حيث يصل من خلال فنه القصصي رؤية خاصة به أودع من خلالها خلاصة ما أستطاع هو وجيله أن يشكلوه من وقائع ودعائم هذا الفن ، وأن ينتقلوا به من منطقة التسجيل إلى منطقة الرؤية الفنية من خلال لغة رابطة تجمع بين المألوف والغرائبي. ثم ينتقل إلى " علامة الرضا" وظاهرة التشكيل في القصة القصيرة ليغوص في العالم الفني للقاص الروائي محمود عوض عبد العال الذي إستخدم من أدوات القص الحديث لغة شاعرية تعتمد على الرمز اللغوي المحمل عليه دلالات الواقع .. وأسلوب تيار الوعي بتقنياته السيكولوجية المعروفة ، واللغة التشكيلية المنحوتة من صخرة الشعور والمراد بها الإيهام والإيحاء وليس المحاكاة والتسجيل. ثم ينتقل الكاتب إلى ( المسكوت عنه في حفل زفاف في وهج الشمس ) للقاص الروائي مصطفى نصر، مركزاً على بعض الدلالات الحسية، ويرى أن المسكوت عنه في مجموعة ( حفل زفاف في وهج الشمس ) للقاص الروائي مصطفى نصر هو نفسه مايمارسه أبطال المجموعة من قهر وعهر وقسوة ، حيث ينتخب الكاتب في مجموعته من الأبطال الذين يفرزهم الواقع في مواقف قدرية لا يستطيعون طبقاً لتجربتهم المعيشية أن يتحكموا في قدرتهم على مواجهتها ، فهم يسيرون إلى مصائرهم بمحض إختيارهم لايدفعهم إليها سوى رغبتهم في تحقيق القدرة على تحقيق الأحلام المشروعة التي تدفع بهم جميعاً إلى زاوية النسيان. ثم ينتقل الكاتب إلى صورة الآخر في مجموعة " الموتى لايكذبون " للقاصة والروائية لنا عبد الرحمن، والتي يرى من خلالها كيف تثير الكتابة الأنثوية في تجلياتها الإبداعية العديد من التساؤلات الجوهرية ، والجدل حول مدى وجود خصوصية ذاتية فيما تكتبه المرأة من إبداع ، ومدى التوافق والتناغم الذي تحدثه هذه الخصوصية في نسيج النص الأدبي عما يرفده الرجل ويعبر عنه في كتاباته السردية على وجه الخصوص. ثم ينتقل إلى ( تشظي الذات الأنثوية في مجموعة " أحب نورا أكره نورهان ") لعزة رشاد، حيث يركز الكاتب على بنية نفسية معينة تشيع في المجموعة هي بنية تشظي المشاعر وتشتتها في أكثر من إتجاه مما يعني تمزق الذات الإنسانية ( الأنثوية ) أمام مظاهر الوجود. ويربط هذا بانشطار محور الدلالة في ضوء لحظات التوتر في أكثر من موقف ، وتصاعد الحالة النفسية ، ومايؤديه هذا وذاك من بحث في إشكالية العلاقة المضمرة بين القاصة وشخصياتها ، ولهذا انعكاساته على البناء الفني من حيث البعد الغرائبي والنسق الملتبس، وعدد الزوايا النفسية للشعور الواحد، والإبحار في أعماق النفس بوساطة تيار الشعور. فصل آخر ينقلنا إليه الكاتب حين يتناول ( مجموعة " القلادة " والأدب المقاوم ) للقاصة الفلسطينية بشرى محمد أبو شرار التي يراها تكتب بوحي من الإشكاليات والقضايا اليومية الساخنة لهموم الوطن السليب ، حيث مساحة الوطن والنضال والنفي والمعاناة اليومية ، ويضمها إلى ركب الكاتبات الفلسطينيات اللائي تحدثن عن القضية الفلسطينية في رواياتهن وقصصهن مثل سميرة عزام ، وثريا ملحس وغيرهن. ثم ينتقل إلى ( القصة النسوية القصيرة جداً .. دراسة ومختارات وشهادات )، حيث يسلط الضوء على القصة القصيرة جدًا التي تسعى إلى إيجاد تجربة جديدة تتولى الإقتصاد في اللغة والإيجاز في حجم متن القصة لتجسيد وتوصيل رؤية تستطيع أن تتواءم مع إيقاع العصر ، وتوجهات واقعه ، وحداثة مضامينه. وحين يصل الكاتب إلى ( قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة بالقصة بمجلة الهلال ) يكون قد أنهى كتابه ، حيث يتتبع الأعداد التي خصصتها هذه المجلة الرصينة والعتيقة للقصة.. دراسات ومختارات منذ نشأتها ، ويستعرض القصص والدراسات والمواضيع والملفات والأسماء في هذه الرحلة . وقد يعد هذا المبحث - من الناحية العلمية البحتية - أفضل ما في الكتاب لما فيه من تمهيد للتأصيل لجوانب وزوايا من تاريخ القصة وفنيتها وتطورها في العصر الحديث على أيدي أدباء كبار ونقاد كبار مثلوا علامات بارزة، ولما فيه من جهد تجميعي تحليلي وافر للكاتب ، يوفر على عشاق فن القصة ونقادها كثيراً من الجهد في البحث عن الآلئ. خدمة {وكالة الصحافة العربية }