بين هاجس الكتابة وجماليتها تمكن الرغبة فى التعبير، والرغبة فى التعبير فى مجال الأدب، هى واحدة من الأسس الذاتية والنفسية لدى المبدع لتحريك الساكن والثابت فى مجال التجربة الإبداعية، من خلال عالمه الخاص شاعراً أو قاصاً أو روائياً أو ناقداً. وفى هذا السياق، يتناول الناقد "شوقى بدر يوسف"، في كتابه ( هاجس الكتابة ) والذي أصدرته وكالة الصحافة العربية بالقاهرة مجموعة من القراءات النقدية التطبيقية حول عدد من المجموعات القصصية والإشكالات المصاحبة، وهى تمثل تعبيراً عن نوع خاص من التلاقى بين النص وقرينه، كما أنها تمثل وجهة نظر نقدية حول ما تحويه هذه الإبداعات وهذا الحقل من نماذج مختلفة. وكانت أول مجموعة قصصية يتناولها الناقد بعنوان "علامة الرضا " للقاص محمود عوض عبد العال"، يتميز العالم الفنى للروائى محمود عوض بنوع خاص من الجماليات، التى تستمر خطوطها وأبعادها من سمات تشكيلية فى اللغة، هى فى المقام الأول تثير نوعاً من التواصل والجدل بين الكاتب وعالمه الميتافيزيقى وبين المتلقى وانعكاسه على فكره وعالمه الواقعى، والقصة القصيرة ومفاتيحها عند محمود عوض مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنبض المجتمع ومحتوياته السلبية والإيجابية، وإن كانت كميات الفن التى استخدمها محمود عوض فى هذا العالم المتشابك من إبداعه الروائى والقصصى، والذى ميزه وسط جيله قد غلفت هذا الإبداع بنسيج من هلات الغموض، إلا أن هذا الغموض ليس موصداً لدرجة أن يدفع المتلقى إلى هاوية الإحباط فى التناول. أما فى مجموعة "علامة الرضا"، فقد أشار الكاتب فى معرض حديثه إلى أن قصص هذه المجموعة قد كتبت ما بين عام 1973-1979، وهى فترة شهدت أحداثاً جساما كان لها التأثير الكبير فى مجتمعات المنطقة فى محاور كثيرة من حياتها، كما أن هذه المقولة تعتبر أحد المفاتيح المهمة التى تركها محمود عوض للمتلقى، كي يوازن بين محتويات العمل وبين البيئة والزمن فى هذه المجموعة. المسكوت عنه وينقلنا الناقد إلى المسكوت عنه فى مجموعة حفل زفاف فى "وهج الشمس" للقاص والروائي مصطفى نصر، هو نفسه ما يمارسه أبطال المجموعة من قهر وعهد ومشوة، حيث ينتخب الكاتب فى مجموعة من الأبطال الذين يفرزهم الواقع فى مواقف قدرية لا يستطيعون طبقاً لتجربتهم المعيشية، أن يتحكموا فى قدرتهم على مواجهتها. ونرى فى قصة "بجوار الرجل المريض" استجابة المرأة إلى رغبة الرجل من خلال العاطفة الإنسانية المتأججة، التى افقتدها فى حياتها مع هذا الجسد المسجى بجانبها، ولكنها فى غرة استجابتها كانت تظهر من التمرد على هذه الاستجابة بعض الشيء حفاظاً على أنوثتها، وحفاظاً على بعض التقاليد الموروثة.. كذلك فى قصة "الحادث" نجد نفس عوامل الشبقية، التى تجتاح الرجل فجأة، وتدفع به إلى أن يخضع إلى سلطة التأديب، وإلى العقوبة الانتقامية من جرار نتيجة ما فعله مع امرأة ششتاوى عند المصرف، وهو نوع من الجزاء المصغر كما سماه فوكو. وتستجيب المرأة أيضاً فى قصة "الحادث" لرغبة عبد البارى الذى وجدها فرصة سانحة فى هذا الوقت والمكان والصدفة الغريبة، حتى إنه عندما رأى جسد المرأة أمام عينيه اشتعلت الرغبة وتأججت فى صدره، وأسرع إليها على الفور، وأحكم التصاقه ضارباً بكل ما حوله من أشياء عرض الحائط. وكان عقاب عبد البارى علي ما فعلته هى أن يدفع ألف جنيه لششتاوى، وكلفه هذا الأمر أرضه، وكان عقاب المرأة على اأستسلامها التلقائى هو أنها هامت على وجهها فى القرية. رؤية جديدة ويذكر المؤلف: إن القاصة عزة رشاد من جيل الكاتبات اللاتي وضعن نصب أعينهن إعادة صياغة هذه الرؤية الجديدة لإبداع المرأة من خلال التعبير عن تجربة الذات الكاتبة تعبيراً إنسانياً، وتجسيد رؤيتها للعالم المحيط بها تجسيداً تحقق من خلاله ومضات من تداعى الخواطر الأنثوية تسقطها على الواقع، وتحيك بها إبداعاً سردياً فرص نفسه علي الساحة الأدبية، منذ أول عمل نشر لها، وقد صدر لها فى مجال الإبداع رواية "ذاكرة التيه" ومجموعة "أحب نورا وأكره نورهان"، والمتفحص لعنوانى نصيبها الروائى والقصصى يجد أنهما يشيان بسمة الانشطار والتشظى فى معناها وفى دلالتهما الأدبية. ففى قصة "أحب نورا وأكره نورهان" الحاملة لاسم المجموعة، نجد أن التشظى الذى انعكس على واقع الفتاتيين اللتين تمثلان أساسيات النص، ينبع أساساً من عوامل القمع والقهر المتسلط عليها معاً، مع إنهما يمثلان شخصيتين متناقضتين فى مكان واحد داخل النص الخادمة والسيدة، إلا أن هذا التشظى وهذا الانتشار والتفتت الجامح فى دوريهما صنعا نوعاً من المفارقات الحسية فى علاقتهما. ويتناول الناقد شوقى بدر مجموعة "القلادة والأدب المقاوم"، فيقول: تعتبر مجموعة القلادة للقاصة الفلسطينية، بشرى محمد أبو شرار، إضافة جديدة للقصة الفلسطينية القصيرة المعاصرة التى تعالج الهم الفلسطينى المقاوم، وتجسد التوهج والاشتعال الذى يصوغ الحياة الفلسطينية، بطاقة توجهاتها وأبعادها وهواجسها الإنسانية، كذلك فإنها تتكيء فى بعض قصص المجموعة على الجانب الاجتماعى المتوحد والممزوج مع الشخصية الفلسطينية التلقائية فى أدق دقائق حياتها الخاصة، وانعكاس ذلك على ممارساتها ومواقفها الاجتماعية فى المنزل والسيارة والشارع والمخيم، كما أن قصص بشرى أبو شرار تأتى أيضاً كامتداد طبيعى لبعض الإبداعات القصصية لشقيقها الشهيد ماجد أبو شرار، الذى اغتالته يد الصهاينة فى التاسع من أكتوبر عام 1981 فى روما أثناء حضوره مؤتمراً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطينى، والقارئ لقصص بشرى أبو شرار، سوف يرى هذا الزخم من التفاعل مع القضية ومع الشخصية ومع الموقف المعبر عن الذات الفلسطينية المؤمنة بقضيتها والساعية بشتى الوسائل للتعبير عنها انطلاقاً من المحاولات الجادة لترسيخ معالم فن القصة القصيرة فى الأدب الفلسطينيى، وهو أمر ضرورى للمحافظة على الهوية القومية للذات الفلسطينية. القصة النسوية القصيرة جداً ويقدم الناقد شوقى بدر دراسة عن القصة النسوية القصيرة جداً، فيقول: لعلنا فى هذا المجال، مجال القصة القصيرة جداً، والتى خاضت المرأة أيضاً غمار تجربتها نجد ثمة رؤية تتحقق وتتولد من خلال تقطير وتكثيف لغوى لحدث شبه مراوغ، وبنية نصية واضحة ومقتصرة إلى حد كبير تعتمد فيها الكاتبة على عالمها الخاص، وتجربتها الأنثوية حيال نفسها، وحيال الآخرين، خاصة علاقتها الأزلية بالآخر الرجل، كما تطمح المرأة فى كتابتها لهذا النوع من القصة إلى إحداث نوع من التجريب المستمر فى هذا الجنس الأدبى المراوغ، شأنها شأن ما يكتبه الرجل فى هذا المجال، لتحقيق نوعاً خاص من الحضور الفنى الأسر. ومن تجليات القصة القصيرة جداً هذا التنوع والتعددية فى المشهد الذى لم تتضح إلى الآن بعض معالمه، على الرغم من ثراء النشر ومحاولة إيجاد النصوص لها الدول الفاعل فى الساحة الأدبية. والقصة القصيرة رغم حداثة عهدها فى الساحة الأدبية، خاضت من خلال الجنس الأم جنس القصة القصيرة جرأة فى سياقها، وشكلها، وتجاريها وفى تفهمها لواقع ما يعبر عنه الكاتب فى هذه السطور القليلة المكونة لمحور النص، سواء كتب هذا النص رجل أم امرأة. ويقدم الكاتب مجموعة من النصوص الأدبية للقصة القصيرة جداً، فيشير إلى قصة "سراديب" من مجموعة تحمل نفس الاسم للقاصة عفاف السيد: أجفف جسدى من نثرات الحلم هذا الصباح، أستعد أنا لمقابلة رجل آخر، وها أنا أنكمش عند أركان التخلى عن المواثيق التى بذلتها وأنا ذائبة فى أنهار غيثه الذى رطب جلدي، وينهمر الماء الدافيء يغسل ذكريات الأمس، ولم يكن يزيل أكثر من غلاله الزمن المهلهلة عن براكن العودة إلى منابع ذلك الرجل البعيد، أنا لم أستطع التخلف من نظراته التى أرهقني حملها فى كل الأيام الغائبة. ويشير إلى قصة الأستاذ للدكتورة هيام عبد الهادى فى مجموعة "وللجيل أغان أخرى": حين رآنى وضحك سألنى عن أحوالى فى مدرستى الثانوية الجديدة تلعثمت، تأمل وجهى والزغب الكثيف يعلو شفتى، قال "كبرت ياد"، ازداد تصبب عرقي، تابع تعالى أفكرك بالدروس التى نسيتها، وقع بى نحو أحد البنايات المهجورة من ركن متهدم، اندفع وطواط صارخاً فى وجهه، ذعر وتعثر فى حزام بنطاله المتدلى، عددت بينما نظراته الشبقية لازالت تلاحقنى.