فبعد أن تصدر مشهد الستينيات بدائع القصة القصيرة وأصبح لها قارئها الذي واكب حالات تطوراها والإسهام في تنميتها، تراجع الآن دورها لتحتل فنون أخري اهتمامات القراء، مما أدي إلي اندثارها بين الفنون الأخري. في البداية يصف الروائي ابراهيم أصلان المكانة التي تحتلها القصة القصيرة الآن قائلاً: "نحن في زمن شاع فيه مقولة ريادة الرواية، ربما لا أعارض ذلك حيث يجدها أي كاتب أدبي تحتوي علي صيغ مختلفة للكتابة إلا أن هناك العديد من المفارقات حيث نعيش في زمن مخنوق متسارع يجعل القصة القصيرة هي الأنسب للتداول، فبرغم الدوريات التي تفرد لها مساحات منتظمة إلا أن كتابها ينتقلون إلي الرواية بدون شعور.. ويضيف أصلان أن سوء بعض النماذج التي تنتشر أو عدم توافر نماذج عابرة قد يسبب كارثة فشل في تربية قارئ جيد للقصة القصيرة إلا أنها لاتزال الأنسب لرتم العصر علي الإيجاز والاستبعاد وهي نزعة القصة القصيرة. اما الروائي الكبير ادوار الخراط فيقول ان ما يثار عن ازمة القصة القصيرة ليس أمراً حقيقياً.. فمنذ خمسين عاما يشاع هذا لكن الحقيقة غير ذلك، فهناك نوع من الإقبال سواء من الشباب او المخضرمين علي كتابة أنواع إبداعية بعينها.. وللرواية بشكل خاص غوايتها خاصة مع رواج مقولات بعينها.. مثل نحن في زمن الرواية، لكنه يري ان كتابة الرواية ليست بالسهولة المتاحة كما أن كتابة القصة عملية في منتهي الصعوبة والمسألة هنا ليست مسألة قصر المساحة أو طولها.. لكن صعوبة يكمن في أن الكاتب مطالب بأن يعبر في هذا الحيز الضيق المحدود للقصة، ويبدي رؤيته بأيسر الطرق للقارئ العادي.. ولكل من القصة والرواية مذاقه الخاص بل ومريدوه. وتري القاصة والروائية سلوي بكر ان القصة القصيرة فن الفقراء وان التفرغ للعمل الروائي يحتاج الي وقت كبير لذا نجد عزوفا كبيراً عن الثقافة عامة وعن كتابة القصة القصيرة خاصة، فهناك علي سبيل المثال ازمة في نشرها ولا تهتم الصحف بافراد مساحات لها.. علي جانب آخر تجد الرواية اغراءات كثيرة لكتابتها، الأمر الذي أدي إلي أزمة تعبيرية سياسية.. وذلك بسبب تراجع العمل السياسي من قبل الدولة فلا توجد اطر سياسية تسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم، فالرواية وسيلة لفرد الآراء ووجهات النظر لما يحدث في المجتمع وخارجه، كذلك تعطي الجوائز للرواية والترجمة ولعل مقولة د. جابر عصفور بان الرواية باتت ديوان العرب قد دفعت البعض الي ترك القصة القصيرة اليها. وتستطرد قائلة إن لها مجموعة قصصية ستصدر قريباً كما أن انتاجها الروائي يوازي انتاجها القصصي فلم تهجر القصة ابدا.. إلا أن هناك مشكلة تعترض الكتابات القصصية كغيرها وهي ازمة النشر. اما الروائي محمد جبريل فيؤكد ان كل الازمات التي تدعي موت جنس أدبي معين مفتعلة فكم من مرة أعلنوا وفاة الرواية ثم القصيدة ثم الآن القصة القصيرة ربما لإحداث مناقشات وأخذ ورد وجدل ويضيف أنه في فترة السبعينيات اعلن الناقد الراحل جلال عشري في مقدمته لمجموعة قصصية الكتاب وصغارهم انه يكتب وثيقة وفاة القصة القصيرة وحينها أثيرت ضجة، ولم تمت القصة ولم تمت الرواية التي قيل عنها هي الاخري ذلك.. ويستطرد قائلاً: إن كتاب القصة القصيرة في العالم العربي وأمريكا اللاتينية هم الاكثر سطوعا.. فهل نسقط مثل هؤلاء الاعلام من اجل آراء شخصية؟ فيما يري شيخ النقاد د. عبد المنعم تليمة انه ليست هناك ازمة في القصة القصيرة كنوع أدبي.. فهذا النوع موجود منذ وجدت الكتابة والطباعة والنشر بصور مختلفة في كل الثقافات لذا فالأزمة ليست فيه وانما في السوق فنحن في مجتمع تشيع فيه الأمية وهناك اغراء شديد يبتعد عن فن الكتابة ويقترب بقوة من فن الصورة والمسلسلات والسينما فكاتب القصة القصيرة عندما ينتقل الي الرواية فانما يحدث ذلك ليس لأزمة النوع الادبي وانما لاستجابة الكاتب لدواعي السوق ومكاسبه وهي ليست مادية فحسب وانما في ذيوع الاسم والشهرة. اما الناقد فاروق عبد القادر فيؤكد أن العمل الأدبي الحقيقي يفرض شكله وجمالياته، أما من حيث القصة والرواية فالاثنان نوع من القص تستخدمان نفس الأدوات والفرق بينهما أن الرواية تمتلك المجال للوصف والسرد أما القصة فتتميز بالاقتصاد الشديد والتركيز. والشباب الذين ينحون القصة القصيرة جانبا او يهجرونها من أجل الرواية اعتقد انهم انما يفعلون ذلك بحجة أن القصة لا تعبر عن آرائهم متصورين أن الرواية تحقق لهم نوعا من التواجد.. ويضيف ان الاقبال علي الرواية سببه تأثير السينما وثقافة الصورة ومن ثم تنتج ازمة القصة القصيرة من طريقة الانتشار والمعالجة، فلم يعد كتابها يطمحون الي محاكاة الواقع وكشف قضاياه بقدر ما أصبحت الغاية هي مجرد البحث عن الجماليات علي حساب الدلالات وهذا يوثر في درجة التلقي عند المتخصصين فما بالنا بالقارئ العادي!