صدر عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام ضمن سلسلة كراسات إستراتيجية بحثا بعنوان (الثورة والسياسة الخارجية المصرية) للباحث أحمد محمد أبو زيد، حيث يرى الباحث: أن ما حدث في مصر (ومن قبلها تونس وما لحقها في ليبيا واليمن)، وما سببته من ثورات شعبية ضد نظم الحكم التسلطية سيكون بمثابة بداية لتغيير جذري ستشهده العلاقات السياسية الإقليمية، وبأن ما حدث في الحادي عشر من فبراير 2011، وما سيتبعه سيكون بدايةً جديدةً تمامًا لعصر جديد غير مسبوق في التاريخ المصري والعربي، ويمكن الادعاء بأن الثورة المصرية وسلوكها الخارجي سيختلف نوعيًا عن السلوك الذي انتهجته الدول الثورية الأخرى عبر التاريخ، يرجع ذلك بالأساس هو طبيعة الثورة المصرية (باعتبارها ثورة شعب، سلمية، تحظى بتأييد عالمي غير مسبوق، ويتواجد هاني في بيئة إقليمية يغلب عليها الطابع التعاوني والتقارب أكثر منها الطابع العدائي و الصراعي) وهو ما يشجعه في إنتاج سياسات خارجية مختلفة كثيرًا عن تلك التي اتخذتها الدول الثورية السابقة.. الواقعيةوالليبرالية ويتناول المؤلف الجدل النظري الذي دار – وما زال – بين أنصار النظرية الواقعية، وأنصار المدرسة الليبرالية، والبنائية في العلاقات الدولية، فيما يتعلق بتأثير التغيرات الجذرية التي تقع في السياسة الدولية (النظام الدولي والنظم الإقليمية) وبالتحديد تأثير الثورات (كإحدى صور التغيرات المحلية) على مستقبل النظام الدولي، والنظم الفرعية (الإقليمية)، وطبيعة العلاقات بين الدول وقت الحرب والسلام، وذلك عن طريق رصد تأثيراتها على السلوك الخارجي للدولة، فعن المدرسة الواقعية فيرى، أنها تشدد (بفرعيها الكلاسيكية والهيكلية) على أن الدول القومية هي الفاعل الرئيس في السياسة الدولية في ظل وجودها في نظام دولي فوضوي تنافسي، تحكمه الصراعات والتنافس بين وحداته، ولا توجد سلطة عليا تمارس ضغوطًا على الحكومات الوطنية وإرغامها على تبني سياسات بعينها، ومن ثم فإنها – أي دولة – لا تهتم سوى بتحقيق وضمان أمنها وبقائها عن طريق توسيع نطاق حيازتها للقوة المادية، ودعم استقرارها المحلي، وتقوية بنيتها الداخلية بصورة تضمن حماية نظامها السياسي واستقلالها وسيادتها الخارجية، وإن كانت المدرستان تختلفان في تركيزهما على مستوى التحليل، أما المدرسة البنائية فتطرح ثلاثة محددات متغيرات رئيسة لفهم تأثير الثورات على السرك السياسي (الداخلي والخارجي) للدول القومية، المتغير الأول هو القوى المجتمعية التي يتكون منها المجتمع المحلي، وكيفية تشكيل هوياتها وقيمتها السياسية، وما هي تصوراتها عن العالم الخارجي، وعن بقية أطراف العملية السياسية الموجودة داخل المجتمع، ونمط تفاعلاتها وتعاملاتها البينية. والمتغير الثاني هو الدولة كوحدة للتحليل، حيث تنظر البنائية للدولة، لاعتبارها وحدةً مركزية، كما يفعل الواقعيون، وإنما باعتبارها وحدةً متعددة المكونات والأبعاد، وأخيرًا المتغير الثالث يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة، بمعنى من ناحية كيفية صياغة وتشكيل السلوك السياسي الخارجي للدولة، وهل هو نتاج للتفاعلات والمقيدات الهيكلية المادية فقط، أم أنها نتاج أيضًا لتفاعلات وأفعال الأفراد ودوافعهم (مشكلة الهيكل – الوكيل) ومن ناحية أخرى، ما هي الآثار السياسية والمجتمعية المترتبة على هذه السياسة الخارجية على المتغير الأول (القوى المجتمعية) بالإيجاب وبالسلب، وكيفية تأثير هذه السلوكيات على عملية تشكيل هويات هذه القوى المجتمعية، وبالتالي تأثيرها على عملية تشكيل الثقافة والمصالح والأفضليات والمثل لهذه القوى المجتمعية، التي سوف تقوم باتخاذ القرار النهائي (الرسمي) في تحديد سلوكيات الدول وتفاعلاتها تجاه الآخرين، ويتناول المؤلف العلاقة بين الثورة والسياسة الخارجية قائلًا: ساد الاعتقاد بين علماء الصراع الدولي والسياسة الدولية بأن الثورات غالبًا ما كانت مصحوبةً بعدم الاستقرار وغياب الأمن واندلاع الحروب، فقد توصل "زئيف ماعوز" في دراسته عن الارتباط بين نوعية النظم السياسية المحلية، واحتمال اندلاع الحروب، وتورُّط الدول في صراعات مسلحة إلى استنساخ مفاده: أن التي مرَّت بتجربة ثورية (عرفها على أنها تغيِّر نظام الحكم باستخدام العنف تميل للانخراط في الحروب بصورة مضاعفة في السنوات الأولى التي تتبع الثورة ( 1 – 5 سنوات)، حيث يظهر السجل التاريخي للصراعات الدولية أنه منذ الثورة الفرنسية 1789 إلى الثورة في ينكاراجوا 1979 وقعت ثمانية حروب بين دولة تورية وجيرانها (من أصل عشرة) خلال خمس سنوات من وقوع الثورة، أما عن العلاقة بين الثورة والحرب، فيقول: ينظر الغرب للثورات الوطنية المعادية لمصالحه على أنها مصدر للتهديد يجب القضاء عليها بحجة تهديها للأمن العالمي (وليس لمصالحها فقط)، وبالتالي العمل على توريطها في صراعات داخلية وخارجية، ويرى كثيرون، أن التحولات والمتغيرات الناجمة عن الثورات سوف تؤدي في أغلب الأحيان إلى عدم الاستقرار والتوتر في العلاقات بين الدول، بصورة يصبح معها احتمال اندلاع الحروب والتورُّط في صراعات مسلحة واردًا بصورة أكثر منه في ظل غياب أو حدوث ثورات. الثورة .. توازن قوى ويتناول المؤلف الثورة من منظور توازن القوى، قائلًا: المقولة الرئيس لنظرية توازن القوى تقول: بأنه في النظام الدولي الواقعي تكون الدولة (وحدة التحليل الرئيسة) ماثلةً من ناحية الاحيتاجات والوظائف، وتحمل في قدراتها لتحقيق هذه الاحتياجات وإنجازها. ويبدأ ظهور نظام توازن عند حدوث خلل في صور ومعلومات توزيع القدرات في هيكل النظام، بغرض منع أيِّ دولة من أن تصبح قويةً بما فيه الكفاية بما يمكنها من فرض إرادتها، أما أنصار نظرية توازن القوى يرون، أن السبب الرئيس للارتباط بين الثورة وعدم الاستقرار واحتمال اندلاع الحروب والانخراط فيها يرجع بالأساس إلى كونها – أي الثورة – عاملًا ساهم في زيادة ويترة عدم التأكد بين الدول في النظام الدولي للأسباب التالية، وهي: صعوبة قياس وتحديد طبيعة نوايا النخبة الثورية الجديدة، وإن الثورات تعقد من قياس دقيق لميزان القوى القائم، فالفوضى التي تصاحب الثورة تقلل من قدرات الدولة في بعض المجالات، ولكن النظام الجديد قد يكون لديه الفرصة والقدرة على تعبئة وتحويل الموارد القومية بصورة أفضل من النظام السابق، إن الثوارات غالبًا ما تدمر قنوات الاتصال الاعتيادية بين الدول، فالتمثيل الدبلوماسي بعد الثورات غالبًا يتم استبداله بشبكات استخبارية متضاربة، وهو ما يجعل كلا الطرفين غير متأكد مما يفعله الطرف الآخر، ولماذا يفعله. خطة تاريخية فاصلة وعن القيادة الثورية والنخب السياسية، يرى المؤلف: أن أغلب الثورات التي حدثت في التاريخ الحديث قيادات وطلائع، ساهمت بأفكارها وأطرحاتها، وضحت بحريتها من أجل خطة تاريخية فاصلة، تنتج خلالها في تعبئة الشعب وحثه على الخروج على النظم المستبدة الداخلية، هذه النخب كانت لديها فلسفة تقدرية، بل ونظرية ثورية متكاملة حول ضرورة هو النظام القائم وإبداله بنظام جديد أفضل منه أيديولوجيا واخلا، وذلك عن طريق الادعاء بأن النظام القائم لا يوجد أسوأ منه، وأن انتصار الثوار عليه حتمي، وأن القيادة الثورية لديها تحفظ لمرحلة ما بعد الثورة، لكن الملاحظ أن الثورة المصرية كانت بلا قيادة وبلا زعيم أو عقل مدبر، أي ليس لها هيكل قيادي، بل هي "ثورة شعبية" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ. ويضيف: غالبًا ما كانت التحديات والمخاطر الإقليمية أخطر العقبات التي تواجه الثورات، حيث كانت البيئة المحيطة بالثورة الفرنسية 1789، الثورة البلشفية 1917، الثورة المصرية 1952، والثورة الكويتية 1959، والثورة الإيرانية 1979، وغيرها من الثورات الشعبية معاديةً للنظام الثوري الذي انتهجته هذه الثورات. وفي الختام يرى المؤلف، أن الثورة المصرية لن تختلف عن بقية الثورات، إلا أنها تحيا في بيئة إقليمية معادية لها بنفس الدرجة التي حيت فيها الثورات الأخرى لسببين الأول، إنه لأول مرة في التاريخ يحدث نموذج تسلسلي للثورات، في منطقة جغفرافية تضمُّ العديد من الدول في ذات الوقت، فبعد اندلاع الثورة التونسية في ديسمبر 2012 انطلقت شرارتها شرقًا وغربًا في المنطقة المحيطة بها عبر امتداد الوطن العربي، حيث وصل عدد الدول التي قامت بانتفاضات وثورات شعبية إلى حوالي ست عشرين دولةً عربيةً (من إجمالي 23 دولة)، وبالتالي فإن المحيط الإقليمي لمصر سوف يكون في أفضل الأحوال مشابهًا لها بنيويًا وفكريًا وأيديولوجيًا (وبالطبع قبل ذلك توقعًا دينيًا)، وفي أسوأ الظروف فإن الدول التي ستنجوا من الثورة، وتنجح في إخمادها (ونحن نشك في ذلك ولو على المدى البعيد) ستجد نفسها هي المحاصرة مع جميع هذه الدول، يغلب عليها الطابع اللا متعاون، أو غير العدائي (إسرائيل)، وحتى أوجه الاختلاف مع بعض هذه الدول (كإيران، وتركيا، وقطر، وسوريا) متبعها بالأساس النظام السياسي السابق وليس خلافات أو خصومات تاريخية أو شعبية.