دكتوراة منتقبة!

المؤسف في الأمر أن اللجنة سمحت للطالبة بالحضور والمناقشة وهي منتقبة، رغم أن القواعد القانونية لإعطاء الدرجة العلمية تلزم لجنة المناقشة بتطبيق فحوي النص القائل بأن اللجنة ناقشت الطالبة مناقشة علنية
البحث العلمي في مصر يعاني من آثار تخلف حضاري، وأحد مظاهر هذا التخلف أن يكون الباحث العلمي غير قادر علي إدراك العلاقة بين الشكل والجوهر، فالطالبة الجامعية التي ترتدي بنطلوناً غير التي ترتدي فستاناً غير التي ترتدي نقاباً، هن مشتركات في صفة التعلم، لكنهن مختلفات في جوهر أداة التعلم وهي موضوعية العقل.
منذ شهر، قامت لجنة علمية في جامعة المنصورة بمناقشة رسالة دكتوراة قدمتها طالبة منتقبة وأجازت اللجنة منح الطالبة درجة الدكتوراة، المؤسف في الأمر أن اللجنة سمحت للطالبة بالحضور والمناقشة وهي منتقبة، رغم أن القواعد القانونية لإعطاء الدرجة العلمية تلزم لجنة المناقشة بتطبيق فحوي النص القائل بأن اللجنة ناقشت الطالبة مناقشة علنية، هكذا بارتداء الطالبة النقاب لم تستوف اللجنة شكل المناقشة، فكيف تيسر للجنة ومن بينها أعضاء من خارج الجامعة أن تري ملامح الطالبة؟ في الوقت الذي تلتزم فيه اللجنة نفسها بارتداء أرواب جامعية موسومة الشكل، أما عن مضمون الرسالة فالنقاب موقف ديني شخصي وإصرار الطالبة علي ارتدائه يتحول إلي موقف عقلي رافض لطبيعة البحث العلمي الموضوعي، وبالتالي فالتعصب الديني قد يصل الباحث إلي قبول أو رفض لنتائج غير مختبرة علميا وتصبح أبحاثه فاشلة غير صالحة للتداول العلمي.
حديثنا عن الفشل العلمي هنا ليس فيه تجن علي رأي لجنة المناقشة أو علي حرية الطالبة، فلو جمعنا لجان مناقشات علمية يتم تشكيلها بين أصحاب يحملون ألقابا علمية مضروبة ويعانون تخلفا حضارياً، مع جمود عقلي لطلبة غير مبدعين، لوصلنا إلي نتائج منطقية تقضي بأن جامعاتنا تمنح بالتدليس مئات من شهادات الماجستير والدكتوراه لمرضي يزدادون تخلفا كل يوم.
ذات مرة سألت بعض طلبتي في مرحلة الدراسات العليا، ما رأيكم فيمن تدرس للطلاب وهي مرتدية النقاب ولا يظهر منها غير عينيها؟ والمفترض من وجهة النظر الدينية للمنتقبة أن صوت المرأة عورة، وأن جلوسها في المنزل أولي من مخالطة الغرباء في الأسواق، فأجاب كثير من الطلاب الذين أنجبهم نظام تعليمنا الحالي، لا يهمنا أمر لباسها، نحن نهتم بما تقول فقط، فسألتهم مرة أخري، ماذا لو دخلت امرأة أخري لتدرس لكم وهي شبه عارية؟ فبهت كثير منهم وهاجوا حين ظهر لهم حجم الخديعة التي يمارسونها تجاه أنفسهم فلا يستطيعون الفصل بين الشكل والمضمون، لا يدركون أن العري أو الاختباء عند المعلم كلاهما دعوة للطالب أن يقترب من شخص المعلم دون الاهتمام بمضمون ما يدرس.
هكذا نعيش تخلفا علميا مريعا، بسبب عجز جامعاتنا عن الاحتكام إلي لجان علمية لديها من المعرفة والثقافة ما يكفي لتطبيق الفهم الصحيح لكثير من القيم الدينية.