اختفي التقرير الأمني، الذي كنا نعرف من خلاله مؤشرات الجريمة، في المجتمع المصري، مع أن الحالة الراهنة للمجتمع تضاعف من أهمية هذا التقرير في الوقت الحاضر. نحن نعيش في عالم مفتوح، أجهزة الإنترنت جعلت كل أنواع الأخبار والمعلومات متاحة لجميع البشر حتي لو كانوا يعيشون في بلاد واق الواق أو كانت هذه المعلومات تتعلق بالأحداث والأنشطة الجارية في مواطن الجن والعفاريت تحت الأرض وليس فوقها. نريد أن نعرف مؤشرات جريمة القتل في المجتمع المصري الآن، ونريد أن نعرف أهم الأسباب والدوافع من خلال مراكز البحوث الاجتماعية والجنائية التي نسأل الله ان يكون التزامها باحترام العلم وحقائقه وأرقامه أقوي من التزامها بالتعليمات الصادرة إليها من أي جهة.. فكل هذه الجهات طال الزمن أم تقصر إلي زوال والوطن هو الذي يبقي والإنسان هو الذي يظل مالكا أوحد للوطن. نريد أن نعرف مؤشرات وتطورات جرائم السرقة، كما، ونوعا، وكيفا، ونريد أن نعرف درجة استخدام العنف في المعاملات اليومية بين المواطنين وأسباب هذا العنف ونتائجه. نريد أن نعرف مدي انتشار المخدرات والبرشام بين المصريين، وبين الشباب علي وجه الخصوص، ونريد ان نعرف أسماء ملاك شركات الأدوية وأصحابها وأنواع الأدوية المخدرة التي تنتجها كل شركة وكيفية توزيع هذه الأدوية. نريد أن نعرف الأسباب التي أدت إلي شيوع البرشام والبرشامجية في مصر، وكيف توسعت مصانع بير السلم في انتاج هذه البراشيم، وكيف يسمح لبعض البارزين باستيراد مثل هذه الأنواع من الصين أو غيرها علي غرار ما قرأنا بالصحف. نريد تفسيرا لمحاكم مستوردي هذه البراشيم المخدرة - والمدمرة - في حال ضبطهم - باعتبارهم متهربين من دفع الرسوم والضرائب بدلا من تقديمهم لمحكمة الجنايات بتهمة جلب المواد المخدرة. نريد ان نعرف متي سيتم القبض علي عضو أمانة الحزب الوطني بالدقهلية الذي هرب رغم ضبطه بواسطة "مباحث الوزارة" كمالك لمصنع ينتج هذه البراشيم في منطقة شعبية بالمنصورة وضبط سيارة خارجة من هذا المصنع وبها مليون - تخيلوا - مليون برشامة.نريد أن نعرف لماذا تزدحم النيابات ومحاكم الجنايات - تخيلوا - بالصبية الذين ينسب اليهم تدخين سيجارة حشيش أو بانجو.. دون تقديم أحد من كبار التجار أو المستوردين.. وكأننا نحاكم المجني عليه بدلا من المجرم الحقيقي.نريد أن نعرف كيف تطورت جرائم الخطف والاختطاف وما صورتها في مجتمع الآن - بعد أن قرأنا عن تعرض صحفية كبيرة بالأهرام - لاختطاف حقيبتها وممتلكاتها نهارا في ميدان الجامع بمصر الجديدة بعد أن لقنها صبية الموتوسيكلات ما تيسر لهم من الضرب والركل في الشارع. نريد أن نعرف ما الذي أصاب أجهزتنا ومراكزنا البحثية بكل هذه البلادة.. هي لأن أحدا لا يستجيب لتوصياتها.. هي لأن الرواتب لا تكفي.. هل لأن الأدوات البحثية المطلوبة غائبة.. هل لأن المجتمع كله أصابه الخلل والفساد. نريد أن نعرف.. لأننا بدون هذه المعرفة.. لن نستطيع العلاج!