معروف أن أوباما الذي لم تتجاوب طهران مع سياسة الأيدي الممدودة وكذلك مع عرض الحوافز لمجموعة 5+1 عهد إلي تغيير أسلوب الأيدي الممدودة إلي مقترب جديد يجمع بين الضغوط من خلال تحريك قرار لفرض حزمة رابعة من العقوبات ضد طهران في مجلس الأمن وكذلك متابعة الاتفاق الثلاثي الذي توسطت فيه دولتان حليفتان لواشنطن هما تركيا والبرازيل. صحيح أن استقبال واشنطن والقرب كله للاتفاق غلب عليه الحذر والتشكيك استنادا إلي مراوغات طهران والتراجع عن التزاماتها كما أن الاتفاق لم يرد علي جميع تساؤلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكن الصحيح أيضا أن هذا الاتفاق في حد ذاته جعل كلا من روسيا والصين ومعهما البرازيل وتركيا ولبنان أقل حماسا لفرض عقوبات جديدة ضد إيران وباتوا أكثر ميلا للتروي قبل الاندفاع باتجاه فرض العقوبات. هذا التطور أثار جنون اليمين الإسرائيلي المتطرف وجنرالات تل أبيب الذين يعتبرون حيازة طهران للسلاح النووي تهديدا وجوديا للدولة العبرية وأعدوا العدة للتعامل معه سواء بالتعاون مع الولاياتالمتحدة أو بصورة انفرادية وفي تعبير عملي استدعوا الخطط الجاهزة في الأدراج والمتمثل في المناورات التي بدأت الأحد وانتهت أمس وهي بدون أدني مبالغة بروفة علي حرب شاملة تشمل إيران وسوريا ولبنان وحتي إعادة احتلال قطاع غزة.. أو بتعبير مختصر إشعال المنطقة وهو سيناريو كارتي لو قدر له أن يتحول إلي واقع علي حد قول أحد المساعدين البارزين لأوباما. إسرائيل عمدت خلال المناورات التي تعد الأضخم في تاريخها علي استعراض عضلاتها العسكرية واختيار جاهزية جبهتها الداخلية في مواجهة هجمات بآلاف الصواريخ علي مدنها ومرافقها الحيوية. والمعني أن هذا الاستعداد يؤشر لاقتراب ساعة الصفر مع المواجهة ضد إيران وليس بخاف أن إيران لن تدخل المواجهة مع إسرائيل بمفردها إذ لديها أذرع عسكرية متقدمة علي حدود إسرائيل هما حزب الله الذي يتردد أن لديه ترسانة صاروخية قوامها 40 ألف من طرازات شتي.. وحركة حماس التي تبسط نفوذها علي قطاع غزة منذ 2007 وتتهم بالتبعية لإيران ولا يستبعد أن تشارك في أي مواجهة عسكرية محتملة بل إن السلاح الفلسطيني في لبنان قد يشارك أيضا في دعم صمود لبنان ومقاومته. واللافت أن إيران ردت علي المناورات الإسرائيلية من جنس العمل حيث أعلنت عن بدء مناورات برية واسعة بشكل مفاجئ بالتزامن مع المناورات الإسرائيلية وألمحت إلي استعدادها لخوض حرب طويلة مشيرة إلي الخبرة التي تراكمت لديها من حرب الثماني سنوات ضد عراق صدام حسين. والمعني أن الجيش الإيراني يقظ ومتأهب ولديه خطط التعامل مع أي هجوم عسكري سواء كان مصدره إسرائيل أو القوات الأمريكية العاملة في الخليج.. وعلي حد قول أحد جنرالات إيران فإن هذه المناورات تحتم علي الأعداء أن يفكروا مليا قبل الاعتداء علي إيران. إنه سيناريو مرعب وغير مستبعد أن تخوض إيران وحلفاؤها حربا ضد إيران ومن يشايعها. وخاصة أن مسرح الشرق الأوسط يعيش حاليا لحظة توتر نادرة تجعل أي خطأ في الحساب كافيا لاشتعال الحريق الكبير وهو ما عبرت عنه تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عندما قال إن أسلوب تعامل الغرب مع المنطقة غير مقبول وآن الأوان ليدرك أن المعادلات في المنطقة قد تغيرت. ورغم أن الأسد استبعد أن تكون سوريا البادئة بالحرب والطلقة الأولي.. فإن ما قاله الأسد وما دعا إليه كوشنير إلي الهدوء ليس سوي دليل إضافي علي أن مخاطر الحرب في المنطقة حقيقية وجدية. أيضا تلقب حزب الله العدو التقليدي لإسرائيل إشارة المناورات الإسرائيلية وأعلن التأهب في صفوفه وحذر نتنياهو من تكرار مغامرة سلفه إيهود أولمرت في 2006 مؤكدا أن الحزب ليس طرفا في المعادلة اللبنانية فقط بل طرفا في المعادلات الإقليمية والدولية. لكن هل يعني هذا الاستنفار العسكري أن الحرب باتت حتمية إلي الإجابة بالنفي طبعا لأن الاستعداد للحرب كما يقول خبراء الاستراتيجية قد يكون أفضل السبل لمنعها كما أن التلويح بالحرب ربما يدخل في صميم لعبة الضغط علي طهران للتراجع عن حيازة القنبلة النووية والتراجع عن تخصيب اليورانيوم بنحو 20% وربما كان ما يحدث ليس أكثر من تطبيق لسياسة حافة الهاوية قبل أن يدرك الطرفان أن تكلفة التسوية السياسية أرخص بكثير من كلفة حرب مدمرة. لا يملك أحد القدرة علي تحمل فاتورتها البشرية إنه الشرق الأوسط بتعقيداته السياسية والذي تبقي قضاياه مفتوحة علي كل الاحتمالات سواء عبر الصفقة أم عبر قعقعة السلاح.