لم يكد العالم يفيق من الأزمة المالية العالمية حتي جاءت الأزمة اليونانية التي تهدد بجره من جديد الي دائرة مفرغة.. يأتي ذلك في وقت أكد فيه الاتحاد الاوروبي تصميمه علي "الدفاع" عن منطقة اليورو من خلال وضع آليات لدعم الدول التي تعاني من مصاعب مالية، بهدف منع انتقال عدوي الازمة اليونانية، وذلك تحت ضغط الولاياتالمتحدة المطالبة باجراءات "حازمة". وبدأ وزراء مالية 27 دولة في بروكسل اجتماع ازمة في محاولة لوضع آلية مساعدة لدول منطقة اليورو التي تواجه صعوبات مالية، كما اعلن مصدر دبلوماسي. وقال وزير المالية السويدي اندرس بورج لدي وصوله "علينا ان نحرز تقدما، لا يمكن ان نخيب امل الاسواق"، وحذر من ان عدم التوصل الي اتفاق سريع سيؤثر سلبا علي الانتعاش الاقتصادي. وبدأت الازمة تأخذ بعدا دوليا، اذ اعرب الرئيس الامريكي باراك اوباما عن "قلقه الشديد" ازاءها. واجري اوباما اتصالا هاتفيا بالمستشارة الالمانية انجيلا ميركل للمرة الثانية في غضون ثلاثة ايام، للمطالبة باتخاذ تدابير "حازمة" في الاتحاد الاوروبي لطمأنة الاسواق ازاء ازمة الديون، بحسب البيت الابيض. ويدرس الوزراء الاوروبيون اقتراحا للمفوضية الاوروبية ينص علي وضع آلية قروض من الاتحاد الاوروبي لدول منطقة اليورو التي قد تواجه صعوبات مالية، تصل حتي حدود 60 مليار يورو. وهذا الاجراء معمول به اصلا لدي دول الاتحاد الاوروبي غير الاعضاء في منطقة اليورو، ورصد له 50 مليار يورو. وبحسب مصدر دبلوماسي، فان المبلغ المرصود سيرتفع الي 110 مليارات يورو، مع توافر الضمانات اللازمة من الدول وسيصبح متاحا لكل دول الاتحاد. وفي المقابل، يتعين علي الدول التي ستستفيد من هذا الاجراء ان تلتزم شروطا صارمة في الادارة المالية. وتطرق وزير المالية البلجيكي ديدييه ريندر الي فكرة اضافية وهي ان تحظي القروض الممنوحة الي الدول المتعثرة بضمانة من شركاء مجموعة اليورو. وقال "يمكن ان تطرح آليات مختلفة، لكنها كلها يجب ان تكون في الاتجاه نفسه، وهو نظام التضامن". واشار الي القروض التي تمنحها المفوضية الاوروبية، وهي قروض "بضمانات من دول منطقة اليورو"، فيما الدور فيها يعود الي المصرف المركزي الاوروبي. ودعا عدد من الوزراء المصرف المركزي الاوروبي، وهو مستقل عن السلطة السياسية، الي المساهمة في هذه الاجراءات. ووفقا لمصادر دبلوماسية، فان مؤسسة فرانكفورت قد تساهم ايضا في منح قروض في شكل شراء سندات. ولتأمين المبلغ المطلوب لهذا الاجراء، ينبغي الحصول علي مصادقة غالبية وزراء الاتحاد الاوروبي. وسارعت بريطانيا الي اعلان موقفها عندما اكد وزير المالية البريطاني اليستير دارلينج ان بلاده لن تقدم ضمانة لصندوق الدعم لمساعدة دول منطقة اليورو التي تواجه صعوبات مالية. وقال دارلينج ردا علي سؤال من بروكسل لشبكة سكاي نيوز الاخبارية المتواصلة "اعتقد ان من الاهمية بمكان ان نقوم بكل ما في وسعنا لاستقرار الاسواق (..) فلنكن واضحين جدا جدا: اذا كان هناك اقتراح لانشاء صندوق لاستقرار اليورو، فذلك يعود لدول يوروغروب". لكن السويد اعلنت انها "لا تستبعد" المشاركة في الصندوق عبر منحه ضمانتها، لمساعدة دول منطقة اليورو، بحسب ما اعلن وزير ماليتها اندرس بورغ ردا علي سؤال حول احتمال مشاركة بلاده في هذه الالية. وتغيب عن الاجتماع وزير المالية الالماني ولفغانغ شويبل الذي نقل الي المستشفي اثر اصابته بعارض صحي، وقد حل مكانه في الاجتماع وزير الداخلية توماس دو ميزيير. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية أن تداعيات أزمة الديون اليونانية بدأت تتجاوز حدود أوروبا وأمريكا لتضرب الاقتصاد العالمي. وقالت إن الخوف الذي عاشته اليونان أولاً، ثم شاع في أرجاء أوروبا، وهزَّ سوق الأسهم في الولاياتالمتحدة, بدأ يتسلل إلي الاقتصاد العالمي الأرحب. وأشارت إلي أن ما كان يوما يعد قلقا داخليا من عبْء ديون تؤرق واحدا من أصغر اقتصادات أوروبا حجما، سرعان ما تحول إلي قلق عالمي. وبالفعل, أجبر المستثمرون المفزوعون البرازيل علي خفض مبيعات السندات فيما ارتفعت معدلات الفائدة، مما أدي إلي انخفاض قيمة العملات في آسيا علي النحو الذي طال "وان" كوريا الجنوبية. واضطرت عشر شركات عالمية إلي تأجيل إصدار أسهم كانت قد عزمت علي طرحها في الأسواق من قبل, وهو أعلي رقم يسجل في أسبوع واحد منذ أكتوبر الماضي. وينذر هذا القلق العالمي المتزايد بحدوث تباطؤ في انتعاش الاقتصاد في الولاياتالمتحدة, حيث بدأ قطاع التوظيف يستعيد عافيته بعد أسوأ ركود يشهده الاقتصاد العالمي منذ الكساد الكبير في نهاية عشرينيات القرن الماضي. وقال مدير صناديق السندات في فرع شركة تي راو برايس بلندن إيان كيلسون، إن المشكلة لا تقتصر علي أوروبا فقط بل تشمل الولاياتالمتحدة واليابان وبريطانيا أيضا. ووصفت الصحيفة الأزمة بأنها في غاية الخطورة، الأمر الذي اضطر معه زعماء 16 دولة تتعامل باليورو إلي السهر حتي الساعات الأولي من صباح السبت، للنظر في اقتراح لإيجاد آلية تثبيت للحد من تقلبات أسعار العملة من أجل زرع الطمأنينة في الأسواق.