نعيش هذه الأيام أجواء انتخابات مجلس الشوري التي ستجري خلال شهر يونيه القادم وكالعادة قبل كل انتخابات تبدأ الصراعات والمشاحنات، وكل مرشح يبدأ في إعداد العدة لخوض الانتخابات سواء مع الحزب الوطني "الأضمن" أو مع أي أحزاب أخري أو حتي مستقل، وعندما نقرأ أي برنامج لأي مرشح -هذا إن قدم برنامجا- لا نجد أي اهتمام بالثقافة أو بالمعرفة بشتي مجالاتها. نفس الأمر عندما يتم عقد مؤتمر ثقافي لا يحضره أي مسئول سياسي أو ممثل لحزب من الأحزاب حتي القيادات التنفيذية العليا غالبا ما ينوب عنها مندوب في أفضل الحالات لافتتاح المؤتمر ويحضر هذا المندوب عدة دقائق في الافتتاح ثم يتعلل بموعد هام أو مقابلة مهمة ويغادر المؤتمر علي عجل وكأنه حضر متضررا لقضاء واجب فرض عليه. الغريب أن كلمة "مثقف" أصبحت تستخدم أحيانا للسخرية من صاحبها وكأنها "سبة" يجب عليه أن يبتعد عنها وينفي نسبتها إليه، ولكني أكاد أجزم بأن هؤلاء الساخرين لا يعرفون معني الكلمة أو أهميتها، بل إن السخرية واجب تجاه هؤلاء الجهلاء، الذين لا يقيمون للثقافة وزناً معتمدين علي بعض المحسوبيات وحماية بعض رؤوس الأموال. تذكرت كل هذا وأنا اقرأ مقال د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية المنشور في 28 إبريل 2010 بمجلة المصور تحت عنوان "غيبة حزبية عن الثقافة الوطنية" حيث أثار موضوعا في غاية الأهمية وفي توقيت هام لمستقبل مصر، لقد لفت سراج الدين النظر إلي غيبة رجال السياسة عن الثقافة والمثقفين وقال بالنص: "إن البعد الثقافي لأي دولة هو الذي يشكل رؤية الداخل لذاته، وتأثير الدولة في محيطها، من هذا المنطلق لا يصح أن تقتصر الثقافة علي البعد الترفيهي، بل يجب تقديرها بقدر ما تجسد شخصية الوطن خاصة في ظل التغيرات المتسارعة علي الساحة الدولية" كما حذر الدكتور إسماعيل من الثقافة الوافدة التي أثرت في جموع الشعب المصري دون أن يتصدي لها سيل متدفق من الإبداعات الأصلية، مطالبا بضرورة طرح تصورات مستقبلية عن الثقافة في مصر بعيداً عن المهاترات والمزايدات. لقد طرح هذا التصور في ذهني سؤالاً وهو لماذا لا يشارك السياسيون في المؤتمرات الثقافية؟ هل السياسة لا علاقة لها بالثقافة؟.. أم أن السياسيين لا يعرفون من الثقافة إلا بعدها الترفيهي كما قال سراج الدين، هل نظرة السياسيين للمثقفين هي نفس النظرة التي تحدثت عنها في بداية مقالي.. نظرة سخرية واستهزاء.. وهو ما يرجع بنا إلي ضرورة إعادة النظر في تثقيف السياسيين وتوعيتهم بالعديد من المفاهيم الغائبة عنهم والتي تشكل وعي أجيال، وإلي النظر إلي الدور المفقود للأحزاب في مصر، التي أصبح عددها ينافس عدد أندية الدوري الممتاز بقسميه الأول والثاني، إلا أن أندية كرة القدم لها تأثير في الشارع المصري أكثر بكثير من تأثير تلك الأحزاب الورقية. لقد أصدر د. سراج الدين في نهاية مقاله توصيات هامة لعل أحدا يلتفت إليها ويقرأها فيهتم ويحدث التغيير، حيث طالب بضرورة إعادة كتابة تاريخ الوطن، وتصعيد الأجيال الجديدة للحياة الثقافية والاعتراف بقوالبها المعاصرة كأدوات ثقافية، وتنشيط الحياة الثقافية من أسوان للإسكندرية، ومن رفح إلي مطروح، ثم التأكيد علي التناغم والتنوع في المجتمع المصري، وإعلاء المواهب في كل المجالات، والتفاعل مع الخارج والانفتاح علي المحيط العربي والأفريقي والمتوسطي والإسلامي والعالمي، لافتا النظر إلي أهمية المجتمع المدني ودوره الهام خارج المؤسسات الرسمية معطياً مثالاً بساقية الصاوي التي استوعبت طاقة الشباب واستطاعت أن تقدم دورا ثقافيا لم تقدمه كثير من مؤسسات الدولة، نفس الأمر مع الشبكات الاجتماعية علي الإنترنت والمنتديات والمدونات التي لا يجب أن نغفل دورها الهام في التأثير الثقافي بعد أن أصبحت ساحة للمبدعين الشباب. ولا يمكنني في هذا الإطار إلا أن استعير جملة أستاذي الجليل والعالم الإسلامي الكبير الراحل خالد محمد خالد عندما قال: "من هنا نبدأ" فهل اعتبر وصايا سراج الدين هي البداية، وأن تكون طريقاً لنا نستشرف به مستقبلنا؟ أتمني ذلك.