المعاهدة النووية الجديدة التي تم التوقيع عليها في العاصمة التشيكية براغ من قبل الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والروسي ديمتري ميدفيدف تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعد سنوات من التوتر والشكوك خاصة أثناء السنوات الثماني للرئيس السابق جورج بوش الذي تجاهل روسيا الاتحادية وخاض حروبا في أفغانستان والعراق متجاهلا الرؤي الاستراتيجية الروسية وخاصة في أفغانستان حيث أصيب الاتحاد السوفييتي السابق بنكسة كبيرة نتيجة تجربته المريرة هناك كما قام بوش بالبدء في تنفيذ مشروع الدرع الصاروخي علي أراضي بولندا وتشيكيا وهي كانت جزء من حلف وارسو عاصمة بولندا قبل أن ينهار هذا الحلف وينهار الاتحاد السوفييتي نفسه. ومع رحيل إدارة بوش ومجيء الرئيس أوباما فإن فترة الحرب الباردة الجديدة التي شهدتها العلاقات الروسية الأمريكية تلاشت شيئا فشيئا وجاءت المعاهدة النووية الجديدة ستارت 2 لتحل محل المعاهدة القديمة ستارت 1 التي تم التوصل إليها أيام الاتحاد السوفييتي ولكن المعاهدة الجديدة شهدت تقلصا كبيرا في عدد الرؤوس النووية للبلدين ورغم ذلك فإن ما يتبقي لديهما من أسلحة نووية تكفي للقضاء علي الآخر في أي مواجهة نووية بغض النظر عن الطرف الذي سيبدأ الصراع النووي حيث يستطيع الطرف الآخر استخدام ما يتبقي له من صواريخ لاطلاقها محملة برؤوس نووية وهو ما يعرف تقليديا بسياسة الردع المتبادل حيث لا يستطيع أي طرف حسم أي حرب نووية لصالحه وبالتالي فالفناء والدمار سيكون من نصيب صاحبي الضربة النووية الأولي، والضربة الثانية علي قدم المساواة. وهذه المعادلة منعت نظريا أي إمكانية لنشوب حرب نووية ولكنها لم تمنع توقف السباق النووي وخاصة في مجالات الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدي والصواريخ المضادة للصواريخ حيث أقدمت إدارة الرئيس بوش علي البدء في تنفيذ برنامج حرب الصواريخ الذي عرف باسم حرب النجوم القائم علي إسقاط الصواريخ المهاجمة وهي في الجو لمنعها من الوصول إلي أهدافها وهو البرنامج الذي يتكلف مليارات من الدولارات ولم يثبت نجاحه الكامل وهو ما أثبته البرنامج المصغر الذي أنتج صواريخ باتريوت الذي تم نشره في إسرائيل ولم يثبت نجاحا كاملا في إيقاف الصواريخ العراقية أيام الغزو الأمريكي للعراق وكذلك الصواريخ الضعيفة لحماس وحزب الله، واختتمت إدارة بوش أيامها بالبدء في تنفيذ برنامج الدرع الصاروخية الذي اختيرت بولندا وتشيكيا لإقامة قواعد الإطلاق علي أراضيهما وهو ما اعتبرته روسيا الاتحادية موجها ضدها ومشابها إلي حد كبير لأيام أزمة خليج الخنازير الشهيرة عندما أقام الاتحاد السوفييتي السابق قواعد صواريخه في كوبا وقام الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي بحصار كوبا حتي تم تفكيك تلك الصواريخ والتغلب علي أزمة خطيرة كادت تودي بالعالم إلي حرب نووية بين القطبين الأعظم. وتجلت إدارة أوباما في طمأنة روسيا بأن هذا البرنامج لن يكون أبدا موجها ضدها عبر إشراكها في عملية تبادل للمعلومات وإلي المشاركة بشكل فاعل يتيح لها المراقبة وعلي أساس أنه ضروري لمواجهة أي محاولة من إيران لإطلاق صواريخ علي أي من الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة والأعضاء في حلف الناتو وهو ما ينطبق علي إسرائيل التي ستتمتع بتلك الحماية. كما تم الاتفاق علي أشكال التعاون الروسي الأمريكي من خلال إقامة محطات رادار عملاقة في أوزبكستان الروسية تتيح متابعة دقيقة لحركة الطائرات والصواريخ الإيرانية لحظة انطلاقها وبالتالي الحصول علي فترة إنذار ملائمة قبل وصول تلك الصواريخ إلي أهدافها. التحالف ضد إيران وهناك من يبالغ في تقييم المعاهدة الروسية الأمريكيةالجديدة بالإشارة إلي أنها تفتح الأبواب علي مصراعيها لتعاون روسي أمريكي ضد إيران في ظل تعثر المفاوضات والجهود السياسية للتوصل إلي حل سياسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني فإدارة أوباما لا ترغب في الدخول إلي حرب جديدة ضد إيران علي نمط ما حدث في أفغانستان والعراق ولا تستطيع قبول امتلاك إيران لأسلحة نووية دون تدخل وبالتالي فاحتمالات مواجهة عسكرية من نوع مختلف ستكون واردة في مرحلة ما وهي مرحلة تعتمد علي القوي الجوية والصاروخية لتدمير المنشآت الإيرانية وفي نفس الوقت بناء شبكة دفاعية جوية قوية مع محطات رصد لإحباط قدرات إيران علي توجيه ضربات صاروخية لأي أهداف أمريكية أو لحلفاء الولاياتالمتحدة بما في ذلك إسرائيل والدول العربية الخليجية. وتحبذ روسيا الاستمرار في الجهود السياسية وعدم إغلاق أبواب المفاوضات والاستمرار في تقديم حوافز لإيران علي أساس أنها الدولة الموردة للوقود النووي والتي تشيد أهم المنشآت النووية الإيرانية وبالتالي فإن الخطوات اللاحقة للتفاوض في حالة الفشل هي اللجوء للعقوبات المتصاعدة لإجبار إيران علي قبول التسوية المقترحة. وتنتظر الولاياتالمتحدة تعاونا أكبر من روسيا في المرحلة المقبلة خاصة أنها قدمت لها هدية كبيرة من خلال مساعدتها علي خفض نفقاتها العسكرية من خلال خفض الأسلحة والرؤوس النووية والمقابل يجب أن يكون تعاونا أكبر في مواجهة إيران التي سيكون عليها أن تدفع ثمن المعاهدة النووية الروسية الأمريكية وبالتأكيد ستكون الأزمة الإيرانية أهم اختبار للعلاقات الروسية الأمريكيةالجديدة.