بل يمكن القول إن الأمر كان متوقعاً ،بل هو أقرب السيناريوهات المنتظر حدوثها؛فالمتابع لمجريات انتخابات المهن السينمائية في جولتها الأولي أو جولة الإعادة،بل لكل مجريات الانتخابات النقابية في الأعوام الأخيرة ،لابد يدرك أن شعباً يعاني اقتصادياً لن يلقي بالاً بمن يبحث له عن حقوقه المدنية أو يصلح لأن يكون واجهته السياسية ،بل سيرتمي في أحضان أول مرشح يعده بتأمين احتياجاته المادية ،ابتداء من العلاج والمعاش وليس انتهاءً بالنادي النهري والجمعية الاستهلاكية،وهذا بالضبط ما راهن عليه مسعد فودة،الذي قدم نفسه متسلحاً برصيد ضخم علي الصعيد "الخدمي" ، كسكرتير سابق للنقابة،وأكبر الظن أن تجربة د.أشرف زكي لم تغب أبداً عن ذهنه،ومن ثم راح يدغدغ مشاعر الناخبين ،ويستهدف بطونهم،وبينما كان منافسه المخرج علي بدرخان مثالياً لأقصي درجة عندما تصور أن الحل يكمن في مخاطبة العقول ،والدعوة إلي "نقابة قوية ترعي المصالح ،وتحقق الطموح" وهي العقلية نفسها التي دعته إلي رفع شعار "معاً نسترد حقوقنا"،فأثار رعب أشخاص وجهات عديدة بأكثر مما بث الخوف في قلب غريمه وأنصاره ؛فقد كان يدرك ،بالطبع، أن الخطوط الحمراء تبدأ منذ اللحظة التي يعلن فيها المواطن المصري تمسكه بحقوقه،لأنها ستمثل خطوة في سبيل امتلاك الوعي والتحلي بالجرأة والشجاعة في مواجهة كل أشكال الظلم ،وهي كثيرة ومختلفة ومتكررة،بل أن "بدرخان" لم يكتف بالقول أنه سيعمل علي استرداد الحقوق ،بل كان واضحاً عندما وجه نداءً صريحاً للجموع بقوله :"معاً" ،وهو ما يعني ،في نظر المتابعين عن كثب،أنه يحرض علي "انتفاضة نقابية" يطالب فيها أعضاء الجمعية العمومية بالتمرد والتحرك الايجابي للبحث عن الحقوق المهدرة ،ليس علي مستوي طوابير رغيف العيش بل تفعيل العمل النقابي بشكل يرد للسينمائيين هيبتهم ،ويعيد لهم اعتبارهم الضائع،ويجعل من نقابة المهن السينمائية الكيان الفاعل والمؤثر والمُهاب كما هو الحال في نقابات الصحفيين والمحامين والصيادلة والمأسوف عليها "المهندسين" ،وهي الجرعة التي لم يحتملها أحد فيما يبدو! المثير أنه في الوقت الذي بدا فيه "بدرخان" مناضلاً و"ثورياً" فإنه اعتمد أسلوباً "رومانسياً" عندما وافق أنصاره علي أن تكون "الوردة" التي يمنحونها مصحوبة بابتسامة رقيقة هي الطريق إلي قلوب الناخبين،بينما اختار منافسه بوعي المطلع علي الواقع والقاريء للمرحلة أن "الطبلة" وحدها تكفي كوسيلة لانتزاع الأصوات: ألم يقولوا:الزن علي الودان يدوش" ؟ وفي زمن الصوت العالي والرومانسية الغائبة كان لابد أن تنتصر "الطبلة" وتُدهس "الوردة"،وهذا ما حدث بالفعل في مسرح "السلام"،الذي جرت فيه جولتا الانتخابات ،حتي يخيل لأي عابر في شارع القصر العيني أن المسرح التابع للدولة أجر إحدي قاعاته لفرح كريمة أحد الطفيليين الجدد أو "طهور" نجل شيخ خليجي،أو استحل القاعة رابطة مشجعي المنتخب الوطني لكرة القدم،فإضافة إلي "الطبلة" التي لعبت دورا رئيسياً في حث الناخبين علي "المبايعة" علت الهتافات المدوية التي تنادي ب"مسعد" الذي قالوا عنه إنه كويس" ،و"أوعي يجيلك مسعد" ،وكأننا في أنجولا أو أحراش أفريقيا ! "ما أكلت إلا يوم أُكل الثور الأبيض" مقولة تنطبق إلي حد كبير علي المخرج الكبير علي بدرخان الذي تصور أن استقطاب أصوات الناخبين من "التليفزيونيين" يقتضي منه التنازل عن أفكاره القديمة ومواقفه السابقة ،وعلي رأسها ضرورة استعادة نقابة السينمائيين ،وإعادتها إلي أبنائها الحقيقيين بعيداً عن الغزو الذي تعرضت له علي أيدي الموظفين ،برعاية وضمانة من النقباء السابقين المحسوبين علي التليفزيون مثل : ممدوح الليثي ويوسف عثمان،وهو المخطط الذي استهدف مصادرة منصب "نقيب السينمائيين" لحساب الموظفين التابعين لوزارة الإعلام للأبد ،وبدلاً من أن يمضي "بدرخان" في مواجهته أو ينظر إليه باعتباره أول طريق التطهير انقلب علي نفسه وتراجع ونفي ،وقدم دليل براءته عبر شعار "نقابة واحدة لفناني السينما والتليفزيون" ،ظناً منه أنه السبيل إلي ضمان أصواتهم،وهو أول من يعلم أن شيئاً من هذا لم يحدث ،ولن يحدث،نظراً لأن احتلال "نقابة السينمائيين" تم بواسطة "التليفزيونيين" من خلال مخطط صريح وضع ملامحه قيادة إعلامية سابقة ،واستهدف الاستيلاء علي "نقابة السينمائيين" تمهيداً للسيطرة عليها و"تدجينها" أملاً في تجنيبها المصير الذي ذهبت إليه النقابات الأخري التي "خرجت عن السيطرة" ،وباتت تمثل قلقاً للنظام (!) ونتيجة كل هذا أغضب "بدرخان" أنصاره ومحبيه ،ولم ينجح في انتزاع ثقة ،ومن ثم أصوات "التليفزيونيين" ،الذين خانوه عن سبق إصرار وترصد !