قبل ما يزيد علي ثلاث سنوات شهدت القاهرة أحداثًا غير مسبوقة في نادي القضاة.. وتصاعدت الاحتجاجات وتنوعت المواقف الحادة التي بدت وكأنها نوع من الاصطدام بالدولة.. فاستحضر بعض من المحللين المعارضين للحكم مشاهد ومجريات نادي ضباط الجيش قبل ثورة 2591.. وقدموا للناس مجريات 6002 علي أنها سوف تقود إلي ثورة دون أن يكون لديهم أدني شك في ذلك! وقبل ما يزيد علي ثلاثة أيام انتهي صخب معركة انتخابات نقابة الصحفيين.. وانطلقت فيها دعايات التغيير.. واستحضرت الأطراف المعارضة للحكم فيها سيناريوهات المقارنة بين تلك الانتخابات وبين الانتخابات الرئاسية المقرر لها أن تعقد في مصر في عام 1102.. بعد عامين بالتمام والكمال.. بل سوق المرشح المعارض علي أنه (أوباما) أو صورة منه.. ينادي بالتغيير.. ويدعو إليه بغض النظر عن أنه لم يطرح علي الصحفيين برنامجًا حقيقيًا يمكن الإمساك به. لقد كانت المقارنة في وقائع نادي القضاة مع الماضي.. لكن المقارنة الأخيرة قد تمت مع توقعات المستقبل. وبين المشهدين، الأول في نادي القضاة، والثاني في نقابة الصحفيين، اختلافات عديدة، علي الأقل الأول كان تصادميا واضحا، والثاني كان انتخابيًا استدعي معني الصدام مع الدولة إلي ملعبه عنوة، لكن المشترك بينهما هو أن فريقًا من النخبة قرر أن يحوِّل نقاشًا مهنيا ويخص مصلحة فئة اجتماعية إلي موضوع قومي عريض.. يمكن أن تكون له دلالاته وتأثيراته علي المجتمع برمته. لقد اجابت الجمعية العمومية لنادي القضاة، أي القطاع الأشمل لتلك النخبة المصرية المميزة، عن تلك الرسائل الكاذبة التي وجدت في الاصطدام مع الدولة فرصة للتبشير بالتغيير الشامل في الحكم، اجابت عنها بأن غيرت مجلس الإدارة الذي تسبب في تلك الأحداث.. وقاد إلي صدام استهدفته مجموعة معينة من القضاة.. وسرعان ما تركوا مواقعهم.. وجاءت في نادي القاهرة ومن ثم في أندية أخري كثيرة مجالس إدارات إقليمية متنوعة ضد توجهات المجموعة التي أدت إلي مواقف 6002. وكانت الجمعية العمومية الأكبر في تاريخ نقابة الصحفيين يوم الأحد الماضي هي بدورها صاحبة الإجابة التاريخية علي الفرضيات التي تم طرحها عليها بخصوص التغيير في النقابة الذي يقود التغيير في الدولة برمتها حسب تصور المرشح المعارض ومن احتشد خلفه واختارت نقيبًا مخضرمًا صاحب خبرة ولديه برنامج متماسك يقدر علي تنفيذه.. وأطاحت بدعاية ما سمي (التغيير) عرض الحائط لأنها لم تثق في مبرراتها ولم تجد لها ضرورة.. وأعطت الثقة الهائلة للمرشح الذي اختارته بفارق أصوات غير مسبوق (858) صوتًا. إن الرسالة في المرتين لا يمكن تجاهلها.. وهي أنه لا يمكن توسيع معركة مهنية فئوية بجعلها معركة بعرض وطول البلد.. علي الأقل هناك اختلافات بنيوية فيما بين الجمعية العمومية للوطن كله والجمعية العمومية لنادي القضاة ونظيرتها في نقابة الصحفيين. كما أنه لا يمكن (تسييس) الملفات التي تخص مجموعة مهنية، بحيث يمكن أن تضيع خلف مساعي وأهداف السياسة، الاحتياجات والمصالح المهنية.. ومن المدهش أن الجمعية العمومية التي عرض عليها المرشح المعارض في انتخابات نقابة الصحفيين أن تنعقد بصورة دائمة حتي يحقق ما قال إنه مطالب الصحفيين.. كانت هي التي ردت علي عرضه بهذه الكثافة التصويتية غير المسبوقة.. وهو رد بليغ. والمعني أنه حتي لو كان للقضاء انشغالات سياسية ظاهرة، وللصحافة انشغالات سياسية أعمق، فإن المجموعات الفئوية لا تريد لمنصتها المهنية أن تصبح ساحة لصراعات أخري تكون لها أولوية علي حساب مصالحها المهنية.. وتلك هي أيضًا رسالة نتائج انتخابات نقابة المحامين العامة والفرعيات الأخيرة.. وكلها سقطت فيها تيارات مماثلة.. لصالح جماعات واتجاهات المصالح المهنية والفئوية.. مع العلم بأن انشغال المحاماة بالسياسة لا يقل عن انشغال الصحافة بها. قراءة في الانتصارات إن قراءة الانتصارات الثلاثة، بتوالي حدوثها، يعني أن تغييرًا حقيقيًا قد وقع في المزاج المهني العام لبعض من أهم جماعات ومنظمات النخبة المصرية.. ومن المثير للاهتمام أن الكثيرين يتجاهلون أن كلاً منها يشير بوضوح إلي سقوط الاتجاه الإخواني الساعي إلي تحويل المنصات المهنية إلي منصات حزبية.. فالإخوان كانوا يتصارعون بشكل مباشر أو غير مباشر في كل مرة منها.. وقد توالت الصفعات في انتخابات نظيفة تمامًا من ناحية الشفافية والنزاهة.. غير أنه يبدو أن الجماعة المحظورة.. والجماعات المحيطة بها والمتسلقة عليها والمتحلقة جانبها.. لم تستوعب درس التغيير بعد. لقد كان لافتًا للغاية بُعيد إعلان النتائج في انتخابات الأحد الماضي أن المرشح المعارض لمكرم محمد أحمد قد رُفع علي الأعناق من بين مناصريه كما لو أنه قد فاز. بل إنه بكل هذا الخسران راح يلوح لكاميرات التلفزة مختلفة المشارب والجنسيات بعلامة (V) كما لو أنه انتصر.. هذا (النصر الكاذب) هو الذي راحت جماعة مرشح الخسران تروجه فيما بعد كما لو أن الجمعية العمومية لم تصرخ في وجهها.. إن لم تكن قد لطمته. بل إن مجموعات (6 أبريل) و(حركة كفاية) و(مدوني الإخوان) التي وقفت تحيط بالمرشح المعارض لمكرم محمد أحمد أعطته أحد هتافاتها الساذجة.. وراح يردد معها وهو يرفع اصبعيه بنفس العلامة المدهشة (احنا شباب بنواجه دولة).. وهو الهتاف الذي يعني أنهم لا يمثلون تيارًا في الجماعة المهنية.. كما أن المرشح الخصم الفائز بحكم الأصوات الفائقة وغير المسبوقة لم يكن هو الذي فاز وإنما الدولة التي شاركت في النزال الانتخابي.. علي حد ما يروجون. وبقدر ما كان هذا الهتاف يعني أن الرسالة لم تبلغ رغم قوتها وقسوتها، فإن التعليقات والتصريحات التالية لتلك المجموعات والمرشح الذي ناصرته، كانت بدورها تصب في ذات الاتجاه.. وتهدف إلي تشويه الفوز الذي تحقق.. بأن قالت إن ذلك الذي جري كان بسبب الإغواءات المادية التي قدمتها الدولة.. أو ما سُمي بالرشاوي الانتخابية. ومن المؤسف أن تعتقد مجموعة مهنية أنها أرقي ضميريًا من بين كل الجماعة المهنية الصحفية.. وأن كل من صوَّت لصالح مكرم محمد أحمد إنما قبل رشوة انتخابية من الدولة.. في حين أنهم هم الأنقي والأطهر.. وهي إهانة لو تعمقنا في معناها لأدركنا حجمها المهول.. وبالتالي نحن أمام مجموعة لا تريد أن تقر بالخيار الديمقراطي ونتيجته.. مجموعة تعاقب أغلبية الجمعية العمومية لأنها صوّتت ضد توجهاتها.. مجموعة تعلن إهمالها للجوانب الاجتماعية التي تشغل بال القطاع الأعرض للصحفيين.. فضلا عن اهانتها لتاريخ النقيب الفائز.. بكل ما فيه من مسار مهني طويل وخبرة نقابية ممتدة ونضج سياسي يفوق.. وكلا الأمرين: إهانة الجمعية العمومية وإهانة النقيب الفائز يستوجب اعتذارًا أكيدًا.. بخلاف اعتذارات أخري أوجب علي ما جري في المعركة الانتخابية نفسها. إن الجمعية العمومية تختار مرشحًا علي أساس مجموعة من المعايير التي يتم تغافلها حين يكون الفائز من هذا النوع الموصوف بأنه تابع للدولة.. تختار التاريخ المهني والخبرة النقابية والسوابق العملية.. كما أنها تختار من تثق فيه وفي إمكاناته.. وتختار شبكة العلاقات والقدرة علي التأثير.. وتختار الهيبة.. وتختار البرنامج الأقرب للتحقق.. وإذا ما عقدت مقارنة واضحة بين المرشحين علي أساس هذه المعايير فإن النتيجة ستكون سهلة التفسير. المعركة القذرة من الناحية القانونية كانت انتخابات الصحفيين نظيفة تماما، خالية كما هي العادة من أي اتهام تزوير، وترقي كما جرت كل الانتخابات فوق أي شبهات يمكن توقعها في أي انتخابات عامة... وتلك هي أيضًا سمة انتخابات القضاة والمحامين وغيرهم من الجماعات المهنية. غير أنه من الناحية العملية فإن تلك الانتخابات كانت هي الأقذر في تاريخ النقابة.. إذ استخدمت فيها أكثر أدوات الإساءة.. وأحط دعايات التشويه.. ليس فقط للنقيب الفائز ولكن أيضًا وهذا هو الأهم للجمعية العمومية. فكما أهينت الجمعية العمومية حين قيل إنها قد استجابت لما سمي بالرشاوي الانتخابية، فقد اهينت عضويتها في الصحف القومية حين ركز المرشح المعارض لمكرم محمد أحمد علي أن الصحفيين المنتمين لها قد تعرضوا لضغوط من رؤساء التحرير، كما لو أنهم قطيع يؤمر فيطيع وليس لكل منهم رأيه الخاص، بل إن أحد الصحفيين المناصرين للمرشح المعارض لم يمانع من أن يصف زملاء له بأنهم (غنم).. وأهين رؤساء التحرير حين ربط المرشح المعارض بين فوزه وبين تغيير رؤساء تحرير الصحف القومية، وأهين النقيب الفائز نفسه حين روِّج إلكترونيا أنه قد حصل علي 700 لاب توب تعهد بتقديمها للصحفيين من الكيان الصهيوني، واهينت وظيفة النقيب نفسها حين وجد المرشح المعارض أنه قادر علي تخطي صفاتها من الدفاع الأصيل عن الصحفيين ومصالحهم إلي أن يكون موقع النقيب وسيلة للتدخل في الشئون الداخلية للصحف. وبخلاف هذا المستوي غير المقبول فإن الدعايات التي تبناها المرشح المعارض ومناصروه من داخل وخارج النقابة عبرت عن تصور بقدر ما كان ساذجًا لمهمة النقيب.. فإنه كان أيضًا تصورًا انقلابيا يعتقد أنه قد يحدث ثورة في الواقع الصحفي من خلال منصة (شارع عبدالخالق ثروت): (تغيير رؤساء التحرير الاقتطاع من ميزانيات دمغات الإعلان وتوزيعها شيوعيًا علي كل الصحفيين في جميع الصحف الانطلاق من الفوز المفترض في انتخابات النقابة إلي السيطرة علي مجالس إدارات الصحف).. وأضف إلي هذا ما كان قد علَّق عليه بعض الزملاء بخصوص التصور السياسي لمقدمة مبني النقابة أو درجها حين هتفت فصائل غير صحفية أحاطت بالمرشح المعارض لمكرم محمد أحمد (عاش السلم).. كما لو أنها تستدعي حالته التي كان عليها من قبل حين كان يستخدم للأغراض السياسية للجماعات الاحتجاجية غير الصحفية التي احتشدت وراء المرشح المعارض. أخطاء معترف بها من جانب آخر، وفي تقييم ما جري، لا يمكن إغفال أن الجولة الأولي للانتخابات التي فرضت جولة الإعادة، قد كشفت عن حقيقة مرة وهي أن التيار العريض المؤيد لمكرم محمد أحمد بكل ما يمثله لم يبذل الجهد الكافي لحسم الانتخابات من المرة الأولي.. وفي هذا السياق فإن النقيب الفائز وقد أقر بهذا كان يخالجه إحساس غير واجب بالاطمئنان.. ومن ثم فقد أفاقت هذا التيار دلالات التصويت في الجمعية العمومية الأولي.. وليس في ذلك أي عيب.. وفي حين استوعب بعد لحظات الإحباط المرشح المخضرم مكرم محمد أحمد الرسالة التي بلغته من الصحفيين.. فإن المرشح المستجد كما قلت من قبل كان أن خالجه الغرور واعتقد أنه قد اقترب قطاف الثمرة التي أرادتها جماعات علي غير علاقة بالمصالح المهنية. لقد كانت هناك رسالة ثالثة لم ينتبه إليها الكثيرون.. وقد وصلت إلي من استهدفته بكل وضوح.. وأما الرسالة فهي أنه لا يجوز للجمعية العمومية أن تتكاسل.. حتي لو لاحقها إحساس بأن المعركة محسومة.. وأما من تلقي الرسالة فهو كل صحفي من الأربعة آلاف و28 الذين حضروا أضخم جمعية عمومية للنقابة في يوم الأحد الماضي.. كانت الرسائل في ثلاثة اتجاهات.. واستوعبها اثنان من المتلقين في حين لم يستوعبها مرشح الخسران المعارض لمكرم محمد أحمد. لقد تنازع الجمعية العمومية اتجاهان.. في المرتين.. الأول وهو الأقلية المعروف حجمها بدقة (سجلت في المرة الأولي 1430 صوتًا وفي الثانية 1560 صوتًا) تلك التي يمكن أن تذهب بعيدًا بمصالح المهنة من أجل شعارات بعينها.. بغض النظر عن مضمونها.. أو الرغبة في إحداث تغيير ولو أدي إلي المجهول أيا ما كان نوعه.. أو التي يمكن أن تقبل بأي مرشح مضاد حتي لو يكن يحمل تاريخا موازيا لمكرم محمد أحمد وليس مغموسا في الحياة اليومية المهنية مثل خصمه المستجد.. والاتجاه الثاني وهو الأغلبية وحجمه معروف الآن بأغلبية كاسحة.. هو الذي يعضد المكانة الراسخة لنقابة الصحفيين.. ويحافظ علي استقلالها عن التيارات السياسية.. ويؤكد الدور الاجتماعي للنقابة.. ودورها كمدافع أصيل عن المصالح المهنية. إن مشكلة دعاة السياسة في النقابة، هذه النقابة بالتحديد، لا يدركون أنها لا يمكن أن تصبح منصة للسياسة، لسبب بسيط جدًا.. وهو أن الصحفيين لا يعدمون وسيلة للتعبير عن المواقف السياسية من خلال أدائهم اليومي في صحفهم علي اختلاف اتجاهاتها.. بمعني أن النقابة لن تضيف زخما جديدًا يحتاجه كل الصحفيين.. فضلا عن أنها لا يمكن أن تستوعب تنوع اتجاهاتهم الذي يبدو كالموزاييك.. وبالتالي فإن أي توظيف لها في مجال السياسة سيعني أن هناك احتكارا من تيار دون آخر.. أو تنازعًا لا يمكن تقدير تأثيره علي وحدة النقابة.. وأن السياسة حين تحتل منصة النقابة لا تكون لصالح الصحفيين بل لصالح السياسيين المرتهنين للنقابة من خلال بعض الزملاء. وقد انتصر الاتجاه الثاني.. ولكن بقي السؤال مطروحًا: إلي أي مدي يمكن أن تقبل فئة من النخبة الصحفية، وغيرها في مجالات أخري، التصويت لمرشح بدون خبرة أو قدرة أو برنامج.. حتي لو شارف الفوز بالانتخابات.. وهي تدرك أن تلك هي مواصفاته وهي تعلن أنها لا تثق في أنه سوف يحقق لها شيئًا.. تحت شعار التغيير؟! وإذا كان لهذا الأمر ما يبرر الإحساس بالقلق علي توجهات النخبة والصحفيين بينهم قطاع ملموس فإن الجانب الإيجابي في الموضوع هو أن النضج الشامل للأغلبية التي تكاسلت في المرة الأولي قد قاد الجمعية العمومية إلي الاختيار الصائب بكل المقاييس بغض النظر عن الانحيازات الانتخابية المعروفة والمعلنة من جانبي. مرشح غير لائق وإذا كان أحد أهم الحقائق الجديدة في الانتخابات، داخل هذا المجتع الضيق، هو أن كل صوت يجب أن يدلل وأن يتم التقرب إليه، وإقناعه بكل الوسائل السلمية المشروعة، لأنه لو لم يشعر بهذا فقد يعبر عن إحساسه بالغضب الضار للكل.. فإن الحقيقة الأهم هي أن التيار المعارض لم يختر المرشح الأجدر بأن يخوض نزالاً حقيقيًا.. إذ سرعان ما فقد المرشح المستجد طاقته.. وانكشفت مؤهلاته التي تقدم بها لمنصب النقيب.. حين خضع لمجموعة ضغوط سلمية خلال الأسبوع السابق حين كشرت الأغلبية عن قدراتها التي كانت قد بخلت بها في المرة الأولي.. ولا أقول تكاسلت عن أدائها. ولابد أن علي الاتجاه المعارض بعد هذه المعركة الرائعة علي ما تداول فيها من قاذورات أن يعترف بأنه لم يقدم للجمعية العمومية مرشحًا لائقًا يمتلك مقومات المنافسة الأصيلة.. مهما كانت تحاول عبارات الامتداح والثناء وتنهال عليه لسبب غامض بُعيد الانتخابات. وبخلاف أن هذا التيار يثبت بمضي الوقت أنه لا يملك مرشحًا قادرًا علي الصمود.. وأنه يواجه مأزقًا.. فإنه لابد من الانتباه إلي أن تلك المعركة قد فازت منها مجموعة من المرشحين الذين تدوولت أسماؤهم قبل المرشح الذي نال الخسران. من بين هؤلاء صحفيون أعضاء في مجلس الشعب قرروا ألا يضحوا بمكانتهم السياسية في دوائرهم لصالح مغامرة خوض الانتخابات النقابية.. ذلك أنهم علي ثقة من عدم الفوز في النقابة وهو ما خشوا من تأثيره علي الانتخابات البرلمانية.. وأعني بذلك علي سبيل المثال كلاً من حمدين صباحي ومصطفي بكري.. وهذان الاسمان بالتحديد هما اللذان يثبتان بتصرفهما هذا أن هناك فارقا كبيرا بين معركة نقابية وبين انتخابات عامة.. ولو كان هناك تشابه لكانا قد ترشحا بالفعل. لقد تم استغلال رغبة المرشح المستجد في مزيد من الدعاية الشخصية وقدر هائل من الأضواء مقابل أن يلقي بنفسه في أتون نيران التطاحن الانتخابي.. حيث سرقته السكينة.. وحيث ليس لديه ما يخشاه.. ولا يوجد لديه ما يخسره.. وبدت التفاعلات كما لو أنها معركة بين النمر والقط.. فإذا ما تمكن القط من أن يقوم ببعض المناورات فإنه لا بد أن يفاخر أمام الآخرين قائلاً: لقد تسببت في أن يلهث النمر. وكما أنه من المقرر في المعسكر الذي ينتمي له الأستاذ مكرم محمد أحمد أنه لا بد من إعداد المرشح الملائم لانتخابات 2011.. وأن هناك ضرورة لاختيار شخصية مسيسة وقادرة وواضحة المواقف.. وليس مجرد محترف سابق للانتخابات.. ومن مستوي عمري مناسب.. يعمل منذ وقت مبكر.. فإن المعسكر المنافس يعاني عمليا من شُح المحتملين.. بغض النظر عن رغبات الساعين من بين أعضاء مجلس النقابة العتيدين.. الذين يظنون أن أعضاء المجالس يصلحون بمضي الوقت لمنصب النقيب.. وهي فرضية خاطئة. لقد تغيرت الجمعية العمومية.. وتغيرت معها المواصفات المطلوبة في مرشحي الاتجاهين.. ولا بد أن يكون لكليهما تاريخ صحفي حقيقي.. مع العلم بأن المعركة التالية سوف تجري علي أصداء نتائج انتخابات الرئاسة التي سوف تكون قد جرت بالفعل وأسفرت عن صورة مصر في العصر التالي (انتخابات النقابة سوف تأتي بعد إعلان اسم الرئيس المنتخب بشهرين تقريباً).. وسوف يكون من السخرية أن نسائل بعض المتحدثين حالياً عن أن ما دار في النقابة هو انعكاس لرغبات المجتمع.. كيف ستصفون الانتخابات المقبلة التي ستجري بعد انتخابات الرئاسة.. هل ستكون تبشيرا بها.. أم اعتراضاً علي نتائجها.. أم ترسيخا لما أسفرت عنه؟ انتخابات 2011 إن المعركة التالية سوف تتأثر بمجموعة العوامل التالية.. في ضوء المعركة الأخيرة.. وهنا توقعي لما سيكون عليه الأمر: 1 العامل الأول هو قدرة النقيب الجديد والمجدد له الأستاذ مكرم محمد أحمد علي صناعة تحول من خلال برنامجه المعلن.. وتطبيقه.. خصوصًا فيما يتعلق بالملف الإسكاني. 2 مدي حدوث تعديل حقيقي وملموس في المستوي الاجتماعي للصحفيين.. ونجاح المساعي الهادفة إلي صياغة جداول أجور عادلة ومتوازنة. 3 طبيعة التغيير الذي سيضاف إلي مقومات الجمعية العمومية التي من المتوقع أن ينضم إلي جداولها نحو ألفي عضو جديد يدخلون جدول المشتغلين.. وطبيعة التيارات السياسية بينهم. 4 مدي تقدم عملية الإصلاح المؤسسي في الصحف القومية وقدرة تلك العملية المفترضة علي تعديل الأوضاع وتحسين علاقات العمل وإحداث التوازن الاقتصادي في تلك الكيانات التي تشمل القطاع الأعرض من العضوية. 5 مدي قدرة بعض الصحف الخاصة علي الصمود المالي في أتون التنافس خلال العامين المقبلين.. وهل سيتوقف بعضها أم سيواصل الطريق وقدرتها علي تلبية مصالح محرريها.. بخلاف الدور السياسي لتلك الصحف في معارك الانتخابات المختلفة القادمة (برلمانيا ورئاسيًا).. وبالتالي إسهامها في ترسيخ الاستقطاب في الجماعة الصحفية.. واتضاح المعسكرين. 6 صدور قانون حرية المعلومات باعتباره من مكونات البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك. 7 نجاح النقيب الجديد والمخضرم في أن يحدِث تعديلا في قانون النقابة وتنقيته من شوائب العهد الاشتراكي..وبالتالي هل يمكن فتح مواد أخري في قانون النقابة تؤدي إلي تعديل في طريقة الانتخاب.. بحيث لا يكون اختيار النقيب كل عامين مرة مع أعضاء مجلس النقابة ومرة وحده.. لأن هذا الوضع يجعل النقيب أسيراً لأعضاء المجلس في حقيقة الأمر خصوصا في انتخابات تجديده.. أليس ضروريا أن يكون التجديد للنقيب والمجلس معا.. مرة كل ثلاث سنوات مثلا؟ 8 التغييرات الحادثة في كل من الكنيسة وتركيبتها.. وهل سيكون لها تأثير ما علي المجتمع القبطي؟ 9 التغييرات الحادثة في جماعة الإخوان المحظورة.. وطبيعة النهج الذي سيتبعه المرشد الجديد. 10 صعود التأثير التكنولوجي في علاقات الصحفيين.. وفي الدعايات الانتخابية.. وفي نضج صناعة الصحافة الإلكترونية خلال العامين المقبلين. 11 الأزمات ذات الطبيعة القانونية في علاقة الصحافة مع المجتمع. ومدي قدرة الصحافة علي أن تمر خلال العامين المقبلين بدون وقائع تسبب جدلاً أو تحدث صدامًا بين عدد من الصحفيين ومن تطالهم الانتقادات الحرة.. أو يتعرضون لتشويهات لنوع خاص من الصحافة.