مازال منصب "العمدة" له بريقه الخاص في كل ربوع مصر المحروسة، برغم ان المنصب لحق برتبة "الباشا" و"البك"، فأصبح العمدة الحقيقي في ذمة التاريخ، ولكن ذكريات العمودية مازالت محفورة في ذاكرة الاجيال، فقد تربع جدي لوالدتي - رحمهما الله - علي عرش العمودية علي مدي 37 سنة متواصلة في القرية التي شهدت مولدي في محافظة الدقهلية، ومازلت اذكر مدي الفخر الذي كان يملأ طفولتي باعتباري أحد أحفاد العمدة، والعمدة في الزمن الجميل كان اختياره بالانتخاب الحر المباشر من أهل القرية، أو بديمقراطية الفطرة السليمة للبسطاء، ولا اعتقد ان جدي قرأ شيئا عن المادة 76 من الدستور أو شروطها، ولكنها المواطنة في صورتها المثالية بلا تكليف من واقع الانتماء للارض والاهل والعزوة. تقلص منصب العمدة في زماننا هذا، وأصبح ذكري في صورة فانوس رمضان الصيني يسير علي الأرض بحجرين طورش لتسلية الأجيال والبراعم التي لم تشهد العمدة الحقيقي فأهدتهم الصين "العمدة الآلي" باعتبارنا دخلنا منظومة الحكم الالكتروني، بعد ان اصبح العمدة الحقيقي في عداد المفقودين من دم ولحم ومواطنة، العمدة صاحب النداء الشهير: "آلو يا مركز أنا العمدة"، يعني انا حاكم القرية وكبير العائلة، بركان العمدة هو رمانة الميزان في مواجهة اصحاب السلطة والثروة نظام قديم، وهم الباشوات والباكوات اصحاب الإقطاعيات الشاسعة في الريف المصري، فتحقق العدل وساد الأمن والأمان في القرية المصرية، فليس كل الباشوات القدامي من الأشرار كما صورتهم افلام الدعاية الثورية، أو سيناريو التوجيه المعنوي علي مدي نصف قرن. في الزمن الرديء ظهرت فصيلة من العمد الافندية الشيك، رجل في القرية ورجل في المدينة أو البندر، يديرون مصالح القرية بالريموت كنترول والمحمول بطريقة لا تغني ولا تسمن من جوع لحل مشاكل الريف المصري التي تراكمت بعد ان تحولت القرية من منتج الي مستهلك واكبر دليل ان اكشاك المصيلحي وصلت القرية المصرية وهي القرية التي كانت تطعم بر مصر والفائض يتم تخزينه في صوامع القمح، العمدة الحالي هو عمدة آلي او إكتروني صاحب مصلحة عليا في الحصول علي لقب عمدة القرية، وهذا امر شرحه يطول ويعرفه الاهل هناك، طالما هبط عليهم العمدة عن طريق التعيين وليس عن طريق الانتخاب، العمدة الحالي ليس هو سليمان غانم في ليالي الحلمية ولا جدي والف رحمة علي الزمن الجميل! علي حد علمي ان منصب العمدة وشيخ البلد هما اصل نظام عمدة المدينة أو شريف المدينة في النظام الامريكي، وهي مناصب فيدرالية لها سلطات واسعة بالانتخاب، فلماذا ارتقي النظام عندهم ودهسناه عندنا لصالح "المركزية الادارية"، بعد ان اصبح العمدة صاحب السلطات التشريعية العرفية والسلطات الامنية الاجتماعية اصبح مجرد اداة طيعة في يد السلطات التنفيذية بل والأمنية أو ناضورجي بصفة رسمية تنحصر مهمته في الابلاغ عن المطلوبين للخدمة العسكرية أو الهاربين من التجنيد! قانون العمد والمشايخ الحالي يرسخ لمبدأ المركزية الادارية بعد ان اصبح منصب العمدة بالتعيين وليس بالانتخاب، اما ونحن نتكلم عن الامن والامان فمازلنا نتجاهل ان غياب العمدة الحقيقي وشيخ البلد الحقيقي هو سر تفشي الفوضي الامنية التي طالت القرية المصرية وهي اصل التكوين المصري الديمقوجرافي والجغرافي والاجتماعي والاخلاقي، بعد ان خرجت علينا نماذج من الاجيال غير منتمية للأرض التي عاش علهيا الآباء والأجداد، دخل الجينز والهامبورجر والبيتزا الي القرية وانتشرت مقاهي الانترنت علي الصفين حتي وصلت الي حدود القرية بجوار مدافن الموتي، وهذا له مخاطره الاخلاقية التي ضد الهوية، بعد ان شبت الخرسانة المسلحة وظهر لون الطوب الاحمر الذي يصطدم بمشاعر من عاش في البيت الريفي البسيط الذي احتوانا دهرا بالذوق والاخلاق. انا لست ضد التطوير ولكن ضد التقليد الاعمي الذي طال جذورنا، فظهرت مسوخ آدمية تفتقد الي الهوية، لابد من البحث عن الذات وسط هذا الركام المتراكم وكفانا المزروعات الفضائية التي لا تخاطب العقل، أما وأنا من جيل الاذاعة فمازلت اذكر ان أول وجبة اتناولها كل صباح كانت بصوت شيوخ الازهر وكان اشهرهم الشيخ محمود شلتوت رحمه الله قبل ظهور الارهاب باسم الدين والفتاوي التفصيل التي شتت عقول الشباب. مازلت اذكر عبارة "هي البلد ما لهاش عمدة" حينما كانت تنشب معركة من النوع الخفيف علي اسبقية الري في الحقول أو حتي داخل القرية، فقد كنت حريصا علي قضاء اجازة الصيف في مسقط رأسي في ضيافة العمدة وكان أول ما يفكر فيه الواقع عليه الظلم هو الإسراع الي دوار العمدة ليقتص له من الظالم ويرد له حقه بلا نقص ولا ابرام، كان الكبير كبيرا وكلمته مسموعة من الكبير قبل الصغير، ليس خوفا ولا ارهابا، ولكن حبا واحتراما لمن اختاروه عمدة عليهم بارادتهم. الامانة تقتضي الاقتراب من ملف بات من اكثر واشد المخاطر الاجتماعية في زمن غياب القدوة، فهل هناك بالفعل فجوة نفسية بين رجل الشرطة والمواطن؟ ربما ولعل اخطر الظواهر التي قد تجيب عن هذا التساؤل هو سقوط شهداء الشرطة اثناء تأدية واجبهم الأمني، في فترات زمنية متقاربة نسبيا، في تصوري ان الظاهرة تستحق الدراسة من علماء الاجتماع، فسقوط رتبة لواء أو عميد شرطة أو حتي فرد أمن مركزي ليس بالأمر الهين الذي يجب السكوت عليه بل يجب علاجها من الجذور، فلماذا لا يضم وزير الداخلية السيد حبيب العادلي مجموعة استشاريين من علماء الاجتماع الي وزارة الداخلية من داخل اكاديمية الشرطة وهي زاخرة بالدرجات العلمية المشرفة في جميع التخصصات تكونن سندالها في مواجهة مجتمعات البدو في سيناء مثلا وهي مجتمعات بدوية عرفية مازالت تقدس الأعراف علي قوة القانون الوضعي، هذا الاقتراح لو تبناه وزير الداخلية سوف يوفر طاقات جبارة وامنية علي وزارة الداخلية، حتي لو طالب السيد حبيب العادلي وزير الداخلية بتعديل قانون العمد والمشايخ امام مجلس الشعب من خلال لجنة الدفاع والامن القومي برئاسة اللواء محمد عبدالفتاح عمر، فمازال العرف في المجتمعات الريفية والبدوية يعلو عندهم فوق القانون وهنا سر الفجوة، والعرف ليس مخالفا للقانون الوضعي فهو احد مصادره المعترف بها في كل فروع القانون. من بستان سكن الليل انطلقت إشارات الغزو.. من صوت طيوري فاستعدي لغزواتي هل بلغك نبأ الغزو من طيوري وهي تحلق في سماواتك؟ سوف أغزو أوطانك بأسراب طيوري "وهدهد" سليمان اخترته سفيري لعيونك سوف يفاوضك ويبلغني برسالاتك قبل غزواتي لقصورك ورفع علم العشق علي بستانك واختراقاتي لحدودك وحراساتك وسباحاتي في مياهك ودخولي محمياتك ورشق طيوك في سماواتك بسهام حنيني فلو اطلقتها تعود بأجنحة العشق لبستاني