منذ فجر التاريخ والمرأة المصرية رائدة في كل المجالات وبالرغم من زعم البعض بأنها مغلوبة علي أمرها ومقهورة من الرجال والمجتمع في آن واحد إلا أنني أقول ويشهد التاريخ علي كلامي بأن المرأة المصرية كانت دوما المرأة القادرة علي إدارة دفة الأزمات علي مر التاريخ وكان ظهورها دائما مصحوبا بإنجازات مُشرفة.. لو عدنا بالتاريخ مثلا إلي ثورة 1919 لوجدنا أن المرأة ولأول مرة كان لها دور بارز في الحركة الوطنية فقد ناضلت المرأة ضد الإستعمار وحاربت من أجل الإستقلال وسارت جنبا إلي جنب بجوار الرجل في المظاهرات بقيادة السيدة هدي شعراوي رافعين أعلام الهلال والصليب مما ترتب عليه استشهاد أول سيدة مناضلة مصرية وهي السيدة "حميدة خليل" يوم 16 مارس الذي أصبح فيما بعد عيدا للمرأة المصرية تخليدا لذكراها... أما لو أدرنا عجلة التاريخ إلي عصور الفراعنة لوجدنا مجموعة من الملكات والأميرات اللاتي خلد التاريخ ذكراهن ولم تنطو أبدا إنجازاتهن عبر صفحاته، فعلي سبيل المثال وليس الحصر نفرتيتي التي كان لها دور إيجابي في مساندة زوجها إخناتون في جهوده للإصلاح الديني، وحتشبسوت التي حكمت مصر قبل 3000 سنة باقتدار وجدارة تحدثت عنها جدران معبدها الشهير بالأقصر.. أما في عصر محمد علي باشا أصبح دور المرأة أكثر بروزا ووضوحا حيث أُنشئت مدرسة الممرضات لتكون النواة الأولي لخروج المرأة إلي العمل وجاء مفكرون من دعاة التنوير مثل قاسم أمين ورفاعة طهطاوي مناصرين لقضية المرأة ومطالبين بحقوقها... فما بين تواجدها كملكة تحكم مصر مثل شجرة الدر وحتي ظهور عصر تحرير النساء يبدو أنها تعرضت لعصور من الظلام كانت فيها تُباع في سوق النُخاسة وتعامل علي أنها سلعة ليس لها حق في التعليم أو العمل أو حتي إبداء الرأي، حتي حدثت هذه الانتفاضة من جديد علي يد المستنيرين الذين ساعدوها علي العودة إلي الساحة من جديد لتخرج علينا نساء رائدات بمعني الكلمة مثل درية شفيق وملك حفني ناصف ومنيرة ثابت ولطفية النادي وأمينة السعيد وغيرهن من النساء التي كان لهن السبق في وضع بصمة في تاريخ تحرير المرأة وتفعيل دورها من مجرد متفرجة إلي مشاركة في المجتمع السياسي والأدبي والإجتماعي بشكل إيجابي... أما اليوم في مصر فقد أصبح للمرأة دور مساو في الحقوق للرجل، حيث أصبح لها حق العمل بشتي المجالات... حتي بعض المراكز التي لم يكن متاحا لها شغلها من قبل أصبحت مُتاحة أمامها أسوة بنساء دول العالم الأوروبي والأمريكي... فهناك طبيبات ومهندسات ومحاميات ووزيرات وأديبات وسفيرات... حتي أننا رأينا سيدات يعملن كسائقي تاكسيات!! ولكن قامت الدنيا ولم تقعد حين وصل الأمر إلي أن تشغل السيدات مقاعد كقاضيات... لا أعلم حقيقة ما سبب الجلبة وحالة إنشغال الرأي العام بهذه القضية، هل لأنه تم منحهن هذا الحق ثم عادوا ووقفوا تنفيذه؟.. أم لأننا لازلنا في مجتمع شرقي مهما تطورنا وتقدمنا فلازالت تحكمنا تقاليد بالية وتفرقنا خانة النوع في البطاقة الشخصية؟!... مع بداية عام 2007 صار من حق المرأة المصرية أن تُصبح قاضية، فقد اختار مجلس القضاء الاعلي المصري المستشارة تهاني الجبالي لتكون اول قاضية في مصر، وذلك بعد عقود من الجدل حول أحقية المرأة في هذه الوظيفه وتم الزج بها في أروقة القضاء المصري التي يسيطر عليها الرجال من دون النساء، استُقبل القرار بردود فعل متباينة، فما اعتبره البعض حقا دستوريا للمرأة اعتبره الأخرون تهديدا للوضع القضائي في مصر... ولكن يبدو أن المشكلة الحقيقية تتمركز في أن دخول المرأة هذا المجال يعني أنها ستصبح معاون نيابة ثم وكيل نيابة ثم قاضياً في قضايا الجنح والجنايات وغيرها من اقسام القضاء المختلفة... هنا يتجلي للجميع وبوضوح أن المعارضة الشديدة من قبل الكثيرين تجئ من خلفية شعور بعض الرجال بالدونية تجاه النساء... ولكن دعوني أذكركم أن المرأة تتفوق ذكاء علي الرجل حتي في الزواج فهي في باطن الأمر تُدير دفة المنزل حتي لو كان الظاهر أن الرجل هو رب المنزل لكن الواقع أنها هي العقل المدبر...في اعتقادي أن النقطة التي تؤخذ ضدها حقا هي أن التكوين الفسيولوجي للمرأة كما خلقها الخالق يتحكم في نوعية العمل الذي تصلح له، فالمرأة مخلوق رقيق المشاعر تتحكم عواطفها في إنفعالاتها... قد يرق قلبها لشخص أو تتفاعل مع حدوتة فتذوب فيها بكل كيانها حتي لو كان للقصة وجه آخر أو حتي لو أن الحقيقة تفرض واقعا مختلفا... كما أن قدرتها الفسيولوجية علي القيام بأعمال تحتاج إلي مقدرة بدنية فائقة سوف تُحجم تواجدها في بعض الأعمال الثقيلة... إن الرافضين لدور المرأة كقاضية يتعللون بأنها سوف تتعاطف مع بنات جنسها أومع المتهمين الذين يجيدون فن التمثيل وما أكثرهم!... فلماذا إذن لا نُحسم هذا الجدل بحل بسيط هو إعطاؤهن فرصة للتواجد في ساحات المحاكم أسوة بالقاضيات اللاتي كن متواجدات منذ زمن في أوروبا وأمريكا واليوم أيضا في بعض الدول العربية الشقيقة مثل السودان والبحرين ثم نوجه لهن أصابع الاتهام لو فشلت التجربة. في رأيي الشخصي أننا يجب أن نضع التجربة في إطار التفعيل ولتكن القضايا المدنية من محاكم الأسرة والمحاكم الاقتصادية هي البداية ثم إذا أثبتن وجودهن يتم تحويلهن إلي قضايا الجنايات، ومن يثبت فشلها فلنُنحيها، ومن تُثبت نجاحها فلنصفق لها... دعونا لا نُهاجم دون دليل ولا نتسرع بإصدار أحكام متأثرين باللون والجنس. طبقا للدستور ومبادئ حقوق الانسان لايجوز التمييز بين المواطنيين المصريين بسبب الدين او الجنس في الوظائف العامة،ولكن كي تتولي المرأة هذا المنصب لابد وان يشترط توافر شرطي القدرة والكفاءة لديها بجانب التأهيل العلمي... لا أتفق مع بعض المتشددين الذين يرجعون رفضهم للمبدأ إلي انه لم يثبت في عهد النبي او خلفائه وصحابته ان تولت المرأة مهنة القضاء، لأنه بالرغم من ملاءمة الدين لكل زمان إلا أن مواكبة التطوريحتم علينا أن نستفتي قلوبنا أحيانا لو اضطرنا الأمر... وبرغم ذلك فقد وافق شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي علي ان تتولي المرآة للقضاء كما استند رجال دين اخرون إلي أن المرأة تولت الفتوي في عهد النبي، وقياسا فلامانع من توليها القضاء...إذن فقد تُحسم المحاولة الأمر... المرأة عملت جاسوسة لمصر فأثبتت وطنيتها... وعملت طبيبة فأنقذت أرواحا...وعملت مدرسة فأخرجت أجيالا... وعملت كمُربية فخلقت أوطانا... دعونا نسند إليها مهنة القضاء ربما تُثبت عدالتها...