بينت الأسبوع الماضي كيف أن خروج وزير النقل السابق "محمد لطفي منصور" كان أقرب إلي الإ قالة منه إلي الاستقالة، وايا كان الأمر إقالة أم استقالة، فإنني أطالب وبلسان كل الحالمين بأداء أفضل لحكومتنا الحالية، والحكومات المستقبلية، أن يقام تمثال أو نصب تذكاري لجاموسة "أبو عصيدة" أو جاموسة "الجرزة" فقد كانت هي السبب الأساسي في الحادث الذي أدخل مفردات جديدة في حياتنا السياسية المصرية- التي لا تعرف الكثير من المفردات التي تحكم مسيرة العالم الديمقراطي الحر- وأحدثت انفتاحا غير مسبوق فيها. وإن كانت مشاكل مصر، ومنها مشكلة "السكك الحديدية" لن تحلها استقالة أو إقالة وزير، فهذه ليست إلا مسكنات، أو قرارت إعلامية لاتهدف في اعتقادي سوي إلي تهدئة الرأي العام وامتصاص الغضب الشعبي، وتبقي أسباب المشكلة أو المشاكل الأساسية لم يقترب منها أحد، سواء في مجال التقل عموما، أو في أي قضية من قضايانا المصرية المصيرية. فالأهم من ذلك هو اقالة السياسات التي هي السبب المؤدي الي هذه الحوادث وهذا الفساد في بلادنا. والقضاء علي تلك السياسات العقيمة التي تجعل من اهل الخبرة متفرجين علي اهل الفساد وعدم المعرفة وهم يبددون ثروات هذا البلد. ثقافة الاستقالة وعموما يمكن القول أن ثقافة الاستقالة ليست مقبولة في نظام الحكم في بلادنا منذ قيام نظام يوليو 1952، إذ ان عدد حالات الاستقالة عبر أكثر من خمسين عاماً لا يزيد علي أصابع اليد الواحدة، منها: استقالة الوزير إسماعيل فهمي والوزير محمد رياض لرفضهما مبادرة الرئيس السادات بالذهاب إلي القدس ثم تلاهما الوزير محمد إبراهيم كامل الذي اعترض علي أسلوب الرئيس السادات في مفاوضات كامب دافيد، ثم استقال الوزير أحمد رشدي لاستشعاره المسئولية عن أحداث الأمن المركزي في فبراير 1986، ومنذ تلك الاستقالة لم يستقل وزير آخر حتي فوجئنا بإعلان خبر استقالة "منصور". المسئولية والشرف وفي الحكومات التي تحترم شعوبها وتقدر مسئولياتها وتعترف بحق الشعب الذي اختارها في محاسبتها تكون المسئولية والشرف قيمتين أخلاقيتين تشكلان جزءاً أصيلاً لأخلاقيات تلك الحكومات، وتحكم مسئولية الوزراء، والمسئولية تعني أن الوزراء محاسبون ومسئولون عن كل ما يجري في محيط وزاراتهم، بل هم المسئول الوحيد إذا أردنا الدقة. وفي النظم الديمقراطية تلزمهم المسئولية بأن يقفوا أمام الرأي العام لشرح وتفسير الأمور التي تحدث، وبالتالي لا يكفي أن يشير الوزير إلي أي جهة لإلقاء اللائمة عليها عندما تقع كارثة في نطاق مسئولياته، أما قيمة الشرف فتستلزم علي الوزير الذي تقع في نطاق مهامه كارثة أن يتحمل المسئولية، حتي وإن أعفي من أية التزامات قانونية، فالشرف يقضي باستقالته انطلاقاً من وعيه بمسئوليات تتصل بنزاهة الحكم ناهيك عن المفاهيم التي يخدمها ويمثلها. وانطلاقاً من رسوخ هاتين القيمتين في أنظمة الحكم في بلدان كثيرة حول العالم، لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه خبر استقالة وزير أو وزيرة في مكان ما من العالم المتحضر. إن ثقافة الاستقالة مرتبطة بنظام الحكم الديمقراطي حيث يكون اختيار رئيس الوزراء والوزراء ومن شاكلهم من المسئولين كالمحافظين ورؤساء الهيئات والمؤسسات الوطنية بالانتخاب الحر النزيه ومن ثم يستشعرون مسئوليتهم أمام من انتخبهم وهم الذين يملكون حق طرح الثقة بهم، ومن ثم حين يدرك المسئول المنتخب عدم قدرته علي الوفاء بالتزاماته وتنفيذ ما كلف به من مهام سيكون أولي به التقدم باستقالته من دون الانتظار حتي تتم إقالته واستبعاده بقرار من صاحب السلطة في النظم غير الديمقراطية. سبق المحاسبة والغريب أن بلاد الإسلام والعرب كانت من أولي الدول في العالم التي طبقت مبدأ المحاسبة والمسئولية عن الرعية، منذ أن بدأت الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب تعرف طريقها إلي فنون الإدارة ومحاسبة الولاة، و كان خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم"عمر بن الخطاب "رضي الله عنه يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ولاته، تذكر كتب التاريخ الإسلامي أن عمر بن الخطاب وهوفي مجلس الحكم بكي يوما، فسأله أحد أعوانه لماذا تبكي يا أمير المؤمنين؟؟ فرد عليه: إني أخشي ان تتعثر دابة في العراق فيسألني الله سبحانه وتعالي: لماذا لم تمهد لها الطريق؟ لنتعلم منهم وحتي تسود بيننا ثقافة الاستقالة، وحتي يعرف الوزراء في حكوماتنا العربية أنهم محاسبون أمام أنفسهم قبل أن تحاسبهم شعوبهم، وحتي تتعاظم روح وثقافة محاسبة النفس لدي المسئولين في كل موقع من مواقع حياتنا، وحتي تختفي روح اللا مبالة من قاموسنا الإداري، لاعيب في أن نتعلم من الغرب كيف يتصرف الوزراء عندهم، وكيف يحاسبون أنفسهم اعترافا منهم بالمسئولية بمجرد الشبهة في التقصير. ومرة أخري أقول انه ليس المهم أن يقال أو يستقيل الوزير، وأن الأهم هو أن تكون هناك آلية لمحاسبة الوزراء وكبار المسئولين، وأن يكون دور مجلس الشعب أكثر فعالية في إحكام الرقابة، وألا تنتهي استجوابات وطلبات الإحاطة فيه إلي طريق مسدود بفضل أغلبية الحزب الوطني الحاكم، وأن تسود ثقافة المحاسبة داخل الحزب الوطني نفسه بصفته حزب الأغلبية، إن كان يريد حقا أن تتخلص مصر من مشاكلها، وتعرف طريق التقدم، الذي انحرفت عنه كثيرا في السنوات الأخيرة. ويبقي السؤال قائما، وهومتي يستقيل الوزراء في مصر؟. أعتقد أن ذلك سوف يتحقق يوم يكون الشعب هو صاحب القرار في اختيارهم وسحب الثقة منهم، أي حين تحصل مصر علي دستور يجعل السلطة حقيقة في يد الشعب، ولا يجعلها في يد الحكام. خيرالختام: مايحدث في بلادنا من كوارث أو حوادث يشارك الشعب الحكومة في تحمل مسئوليته، بسلبيته تجاه ما يحدث!!