تنتاب صنعاء منذ الاسبوع الماضي مشاعر الهزيمة، بعد أن خسرت لواء كاملا باسلحته ومعداته وجنوده في مديرية شدا في صعدة، وهو ما يدفعها إلي فعل الشيء الوحيد المتوقع من سلطة تراهن علي القوة: المزيد من القوة. فحتي وان بدا أن هذه القوة فشلت خمس مرات في السابق، إلا أن صنعاء التي تبدو بلا حول، تريد أن تقول انها ليست بلا قوة. علي هذا الأساس تستعد المؤسسة العسكرية لخوض حرب بجميع الأسلحة، وبكل الإمكانيات لقمع التمرد المسلح في صعدة. إنما ليس من دون تقديم إشارات قاطعة ل"الحراك الجنوبي" بان قوة مماثلة سوف تستخدم إذا ما تعرض الجيش (وهو في غالبيته شمالي) في الجنوب الي تحديات كتلك التي وقعت في صعدة. وتظهر بعض الاشارات إن أسلحة الطيران والمدفعية والصواريخ والمدرعات والمشاة تستعد لتوجيه سلسلة هجمات في صعدة، بمساندة اقليمية، لاسيما بعد ان فشلت الوساطات في اطلاق سراح أفراد وقادة اللواء 82 الذي وقع أسيرا بين أيدي المتمردين الحوثيين. ويسود الانطباع في صعدة بان حربا علي جميع الجبهات سوف تندلع بين لحظة واخري، ومن المتوقع أن يكون الكثير من الابرياء طعاما لها. وهناك من يعتقد أن الهجمات الجوية المنتظرة قد لا تعدو كونها مسعي للانتقام، ولاظهار ان السلطة في صنعاء لاتزال متماسكة وان مؤسستها العسكرية لم تسقط بعد. ويدعم هذا الافتراض أن وحدات كثيرة من الجيش اليمني قررت الانسحاب لتحاشي ضغط الحوثيين عليها، وكذلك لتحاشي هزيمة ثانية قد تؤدي الي سقوط وحدات أخري، مما يهدد بانقلاب المؤسسة العسكرية ضد النظام. فهذه المؤسسة التي تخرج منها العقيد علي عبدالله صالح لا يروقها أن تُتهم بالفشل والهزيمة. وإذا ما تعرضت لانكسار آخر فان رأس النظام سيكون هو الثمن الطبيعي، وهو الشماعة التي يتعلق عليها ذلك الفشل. وقد تمثل الانسحابات من مواقع لا تدور فيها أعمال القتال، مثل موقع خنفعر وجبل غنيم، مجرد محاولة لإعادة ترتيب القوات بانتظار هجوم كاسح. وما يحاول الجيش القيام به هو نقل المعدات والأعتدة المكدسة في المعسكرات الي مواقع آمنة، لكي لا تقع بأيدي الحوثيين. ولكن هذا قد يعني في الوقت نفسه إن الجيش يمكن أن يطبق علي صنعاء إذا ما بدت هزيمته حتمية في أي مواجهة جديدة. وكان المستشار السياسي للرئيس اليمني الدكتور عبد الكريم الإرياني حذر من مغبة استمرار التجاذبات السياسية والاضطرابات في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد واتساع تمرد الحوثيين في الشمال، علي أمن واستقرار اليمن. واعتبر الارياني، وهو رئيس وزراء سابق أن "خروج اليمن من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها سينهي حراك الجنوب وتمرد الحوثيين". وكانت تقارير ذكرت في 30 يوليو الماضي ان الحوثيين استولوا علي لواء المشاة 82 بكامل عدته وعتاده بعد ان فر قائده الي السعودية وقتل احد ضباطه الكبار. ويضم اللواء عشرات الأطقم ومدفعية وصواريخ ودبابات ومصفحات وأكثر من مليوني طلقة منوعة، بمديرية شدا" بمحافظة صعدة. ولقي رئيس عمليات اللواء 82 العقيد علي الردفاني مصرعه في مواجهات شرسة بين من تبقي من أفراد اللواء والحوثيين الذين احكموا السيطرة علي اللواء، في حين كان قائد اللواء العميد شائف القديمي قد فرّ وعدد من الضباط والجنود الي داخل الأراضي السعودية عند بدء المواجهات.. وأسفرت المواجهات عن سقوط عدد من القتلي والجرحي، لكن لم يتم الحصول علي إحصائيات دقيقة لعدد الضحايا من الجانبين لاستمرار المعارك بينهما وعدم إفصاح أي منهما عن عدد ضحاياه. وانطلقت شرارة الحرب الاولي بين السلطات في صنعاء وبين الحوثيين في 28 يونيو 2004. وأسفرت خمس حروب متتالية بين الجانبين عن مقتل نحو ستة آلاف شخص وجرح ضعفهم واعتقال المئات. وما يزال التمرد الحوثي يبدو قويا، بل لعله اليوم أقوي مما كان في أي وقت، وعناصره يملكون من الذخائر والمعدات ما لم يكونوا يملكونه في أي وقت. ويوحي الوضع في صعدة ان الرئيس صالح يخوض مغامرته الأخيرة. فهو إذا صمت علي هزيمة قواته في الشمال، فان هزيمة أخري ستلحق به في الجنوب. وهو إذا خاض الحرب ضد الحوثيين وفشل فيها، فانه سيكون بذلك قد كتب نهايته بنفسه، لأن الجيش سينقلب عليه ليحمله مسئولية الفشل. والحرب، ليست من دون تكلفة أيضا. فالفراغ الذي قد تتركه في الجنوب قد يؤدي إلي تسريع التحرك الجنوبي نحو الإنفصال. كما انها في الظرف الاقتصادي الراهن تعني دفع الدولة الي حافة الإفلاس. وما لم يتقدم المعنيون بالاستقرار في اليمن بمعونات عاجلة، تُشعر الجيش بانه يملك ما يكفي لخوض حرب ناجحة، فان الرئيس صالح سيجد نفسه في وضع لا يحسد عليه. هل من حوار، لتحاشي هذا كله؟ المؤشرات المتاحة تفيد ان السؤال المتداول، في الجنوب خاصة، هو: إذا كان النظام لم يلتفت الي الحوار عندما كان قويا، فلماذا يجب أن تلتفت اليه المعارضة عندما يضعف؟. وكان من الطبيعي في أجواء التردد السائدة، ان تحمل السلطة أحزاب المعارضة الرئيسية المنضوية في إطار تكتل أحزاب "اللقاء المشترك" مسئولية تعثر الحوار مع الحزب الحاكم. ووصف الإرياني مطالب المعارضة الجنوبية لاستئناف الحوار بأنها أوامر لا يقبلها إلا "مغفل". وكانت اطراف المعارضة طالبت باطلاق سراح المعتقلين والتعهد بعدم استخدام السلاح ضد الأبرياء، واعادة الحقوق المهدورة لأبناء الجنوب، ومنها عودة الضباط الي الجيش والموظفين المفصولين الي وظائفهم. وهاجم الإرياني الداعين لتطبيق الفيدرالية للحفاظ علي وحدة اليمن قائلا "إن الفيدرالية هي طريق للانفصال"، كما هاجم نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض، ودعوته إلي فك الارتباط، محذراً من تدخل دولي إذا ما استمرت الدعوة للانفصال. وقال إن هذه النار ستحرق الطرفين في الداخل والخارج. ولكن يبدو ان الجنوبيين ينتظرون ماذا ستفعل النار المندلعة في صعدة بحكومة صنعاء، ليقرروا ما إذا كانت ستبقي نظاما يمكن التحاور معه علي ما قد تفعل النار التي ستندلع في الجنوب.