تعيش موريتانيا أياما صعبة وتمر بمرحلة قلقة في تاريخها المعاصر، فبعد أن كنا نقيم الأفراح والأهازيج للديمقراطية التي مورست فيها بشكل أذهل المراقبين عندما ترك المجلس العسكري مقاعده في السلطة ليجلس فيها من اختارهم الشعب الموريتاني ديمقراطيا بشكل صحيح أشادت به لجان المراقبة الدولية وجدنا أنفسنا أمام "ردة" كاملة.. فالعسكريون أعادوا النظر في رؤيتهم الأولي، ووثبوا علي السلطة، ووضعوا من اختارهم الشعب في السجون واكتظت بعشرات منهم المعتقلات وتبدل الحال داخل موريتانيا.. لكن الأغرب والأعجب أنه تبدل أيضا خارج موريتانيا.. فاذا بدولة ترأس الاتحاد الافريقي واقصد بها ليبيا تقر هذا الواقع الانقلابي وتدعو الموريتانيين إلي طي الصفحة وقبول الأمر الواقع.. ولقد اثارت هذه الدعوة ارتجاجات داخل المجتمع الموريتاني وبين من يؤمنون إيمانا قاطعا بالدستور ويرون في هذا الانقلاب الذي قاده الجنرال محمد ولد عبدالعزيز هتكا للدستور واستهانة بأحكامه، واغتيالا للديمقراطية.. وانسحب انصار الرئيس السابق من الاجتماع الذي حضره الزعيم الليبي احتجاجا علي هذه الدعوة التي اعتبروها ضد موريتانيا ومستقبل الديمقراطية فيها.. وما كاد أهل موريتانيا يفيقون من وقع الصدمة التي سقطت عليهم بتصريحات الزعيم الليبي حتي وجدوا أنفسهم أمام صدمة أخري قادمة هذه المرة من فرنسا.. "المستعمر السابق".. فها هو برنار كوشنير وزير الخارجية يتحدث عن امكانية أن يرشح الجنرال زعيم الانقلاب في موريتانيا نفسه في الانتخابات المقررة في الصيف المقبل شرط أن يقدم استقالته! وهو أمر لو عمل به في الدول لتغير وجه التاريخ. لأن الدساتير المعاصرة تؤكد الفصل بين السياسة والعسكر، وتري أن مكان العسكريين هو داخل الثكنات وليس داخل البرلمان أو قصور الرئاسة.. واللافت للنظر أن فرنسا عبر كوشنير إنما تفتح المجال للأسف الشديد إلي حرب أهلية لأن المدنيين والدستوريين لن يقفوا مكتوفي الأيدي.. خصوصا أن اللغط الذي أعقب تصريحات كوشنير لا حدود له. .. العجيب أن الدستور أصبح لعبة مطاطية، يلعب بها من يشاء وقتما يشاء ويبدو أن فرنسا تتقن هذا النوع من الممارسة.. فالدستور في بلادها شيء آخر.. أما في موريتانيا وزميلاتها من الدول العربية والافريقية فالدستور أشبه بقطعة الجاتوه التي يمكن أن تؤكل في أية لحظة. تحالف الحضارات في فاس .. في الأدب والثقافة والفكر أصبحت المغرب هي بوابة العالم علي الاسهام العربي في هذه المجالات.. قديما كانت المغرب تشكو من انها بعيدة عن قلب العالم العربي.. أما اليوم فلقد أصبحت في قلب الأحداث يتجه إليها العالم ليعرف ماذا يدور في المنطذقة العربية من المحيط إلي الخليج.. وبهذا المعني أصبحت منطقة المغرب العربي تجذب الأنظار إليها، وتحتل فيها المملكة المغربية مكان الرأس.. وضمن هذه النقلة النوعية التي حققتها المغرب التي انتقلت إلي الفكر الفرنسي والأوروبي عبر كتابات الفيلسوف الراحل محمد عزيز الحبابي، وروايات الطاهر بن جلون، شهدت المغرب طفرة في مجال المراكز البحثية يجسدها المنتدي العالمي حول الحضارات، والتنوع الثقافي الذي أسسه مفكر مغربي شاب هو الدكتور عبدالحق عزوزي مدير المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مفكر واعد يجمع في صدره عشقا للثقافة الواسعة بلغات الأرض وخصوصا اللغة العربية التي يتغني بألفاظها ويحفظ لها قواعدها في براعة يحسد عليها، واللغة الفرنسية التي يغار أهلها من نطقه وفهمه العميق لها. والمثير أن هذا المفكر المغربي الشاب قد برع في عمل تتضاءل بجواره المؤسسات الكبري، ففي العام الماضي وتحديدا في شهر نوفمبر نظم في مدينته الأثيرة إلي نفسه "فاس"، مؤتمرا دوليا بعنوان: تحالف الحضارات والتنوع الثقافي من الاستراتيجية إلي التفعيل "تزامن مع الاحتفال بمرور اثني عشر قرنا علي إنشاء مدينة فاس التي يصفها بالدوحة الغناء والروض الأبلج الوضاء. وقد دارت محاور هذا المؤتمر تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس الذي أعاد برؤاه الإصلاحية وطموحه الوثاب إلي المغرب وهجا لطالما ارتبط بمسيرته الحضارية والمعرفية عبر التاريخ. ويقول عبدالحق عزوزي إن هذا المؤتمر انسجمت اعماله التي شارك فيها مفكرون من الشرق والغرب مع مبدأ سلطان العقل المتزن وهدفه هو نسج الأحكام وابرازها لمد جسور الفهم والتعايش بين كل البشر وترسيخ الجامع المشترك لإزالة كل التضاريس النفسية والاجتماعية التي قد تترعرع في ظل العصبيات والكثير من مشاعر الضغائن والأحقاد. ولقد خرج هذا المؤتمر بتوصيات تاريخية لصالح الإنسانية والعدالة والحقيقة التي تؤسس لكل التوازنات الكبري للعالم ولقد شهد هذا المؤتمر في ختام أعماله تكريما مؤثرا لشخصية مغربية مهمة وقامة عربية كبري هي قامة السيد عبدالهادي النازي عضو الأكاديمية المغربية وصاحب التاريخ العريض الذي يتقاطع مع تاريخ منطقة المغرب العربي والمنطقة العربية بكاملها. كان مؤتمر تحالف الحضارات مناسبة لتدشين المركز المغربي متعدد التخصصات الذي سترتبط به مؤتمرات دولية يعمل لها ألف حساب. مستقبل الاتحاد من أجل المتوسط كان المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية قد حقق نجاحا غير مسبوق في تنظيم مؤتمر تحالف الحضارات الذي احتضنته فاس في نوفمبر الماضي، وكان تدشينا مؤتمراته الدولية التي تتوالي كحبات المسبحة بمؤتمر دولي حاشد حول مشروع الاتحاد من أجل المتوسط في صيف عام 2008 مهد به لاعمال قمة باريس التي انعقدت في 13 يوليو 2008 وتولي رئاستها بشكل مزدوج الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس المصري حسني مبارك. ولان مشروع الاتحاد من أجل المتوسط هو في الأصل فكرة فرنسية يتحمس لها الرئيس ساركوزي وتحدث عنها طويلا في برنامجه الانتخابي عندما كان مرشحا رئاسيا في بلاده، ولانه لايزال يثير جدلا واسعا بالنظر إلي الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتحديدا عملية السلام أو الاخوان التي تواترت بعيد وقوع الأزمة المالية في أمريكا وتحولت لاحقا إلي أزمة اقتصادية عالمية، فلقد حرص المركز المغربي علي عقد مؤتمر دولي اخر حول المشروع ساعيا إلي الاجابة عن السؤال: ما النتائج وما الآفاق وليس من شك في أن هذا المؤتمر الذي تحتضنه مجددا مدينة فاس في مايو المقبل ويشارك فيه عدد كبير من رجال الفكر والسياسة والحضارة المهتمون بثقافة حوض البحر المتوسط.. تلك الثقافة التي رسم ملامحها نفر من الكتاب في الشمال مثل: شيخ المستشرقين جاك بيرك وفي الجنوب مثل: عميد الأدب العربي طه حسين.. ولقد حرص رئيس المركز المغربي الذي ينظم هذا المؤتمر "د. عبدالحق عزوزي" علي أن يضع برنامجا للمؤتمر يسبراغوار هذا المشروع الذي يعتبره البعض جاء خصيصا لكي يعطي إسرائيل امتيازات في صراعها مع العرب والفلسطينيين سيما وأنها أصبحت وفق آخر اجتماعات وزارية لدول مشروع الاتحاد من أجل المتوسط أمينا عاما مساعدا وليس مجرد عضو. كما يراه البعض الآخر مشروعا يحقق طموحا شخصيا للرئيس ساركوزي الذي يجذبه الحنين إلي مرحلة فرنسا الاستعمارية ويتوق إلي أن تحتل فرنسا مكان القيادة وسط هذا التجمع الذي يضم دولا "مشاطئة للبحر المتوسط جنوبا".. وكلنا يعلم أن ألمانيا وإيطاليا تقدمتنا بتحفظات حول هذا المشروع وأصرت السيدة ميركل المستشارة الألمانية أن يضم جميع دول الاتحاد الأوروبي ال27 وليس فقط الدول المشاطئة للبحر المتوسط شمالا.. وأهمية هذا المؤتمر انه سيناقش التحديات التي تواجه هذا المشروع الذي وعد الرئيس ساركوزي برصد ميزانية تصل 14 مليار يورو للقيام ببعض المشاريع التنموية.. وبدا أن الأمر سيكون صعبا في ضوء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي تصدع لها الاقتصاد الأوروبي.. انه مؤتمر واعد يتصدي لقضايا واشكاليات ضخمة.