منذ يومها الأول في السلطة، حرصت حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية علي تأكيد مواقفها من قيام الدولة الفلسطينية حيث تنصلت من التزام سابقتها بمؤتمر أنابوليس، فيما لم تعلق مواقفها الصريحة من التفاوض مع سوريا بشأن الجولان، بينما يخشي اللبنانيون من تطرف المجتمع الإسرائيلي الذي أفرز هذه الحكومة اليمينية المتطرفة. قللت دمشق من الفارق بين الحكومة الإسرائيلية الجديدة وسابقاتها رغم توصيفها للحالية باليمينية المتطرفة، كما ترفض إجراء مفاوضات معها دون إعلان واضح بإعادة كامل الجولان المحتل. ويري محللون سوريون أن الحكومات الإسرائيلية السابقة شنت الحروب وارتكبت المجازر كما لم تعد للعرب أيا من حقوقهم. ويري مدير مكتب الجولان في الحكومة السورية مدحت صالح أن حكومة بنيامين نتنياهو لن تختلف عن سابقاتها في الخطوط العريضة رغم تطرفها الواضح. وأضاف صالح أن "تصريحات نتنياهو الرافضة للانسحاب من الجولان ودعوته إلي تعاون إقليمي اقتصادي مع العرب مرفوضة نهائيا". وأكد أن سوريا لن تقبل بأي مفاوضات قبل إعلان إسرائيلي واضح بالانسحاب الكامل من الجولان استنادا إلي حدود عام 1967، كما رأي في تعيين أفيجدور ليبرمان وزيرا للخارجية وتصريحاته حول التنصل من مؤتمر أنابوليس "صفعة قوية للمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية خصوصا". ويحذر صالح -وهو أسير سابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي- من أن المنطقة قد تجر إلي الحرب والمغامرات العسكرية، مشيرا إلي تهديدات أقطاب الحكومة نحو إيران وتهديداتهم بالقضاء علي القوة العسكرية للمقاومة وخاصة حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وأوقفت سوريا مفاوضات غير مباشرة برعاية تركية نهاية العام الماضي، وأعلن الرئيس بشار الأسد في تصريحات صحفية أنه إذا أعلنت أي حكومة إسرائيلية استعدادها لإعادة الأراضي يمكن أن تبدأ المفاوضات، مشيرا إلي أنه يبقي أن تقدم الحكومة الإسرائيلية للأتراك بهذا الكلام بشكل واضح. في المقابل يستبعد خلدون القسام نائب رئيس لجنة العلاقات العربية والخارجية في مجلس الشعب السوري مخاطر اندلاع حرب علي أيدي الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وقال القسام إن حكومة نتنياهو لا تختلف في واقع الأمر عن سابقتها إلا من حيث الشكل، مشيرا إلي أن الحكومة السابقة خاضت عدوانين علي لبنان وقطاع غزة وأخفقت في تحقيق أي من أهدافها، وهذا ما يدركه نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك. وأكد القسام أن الحالة الجديدة تتطلب موقفا عربيا موحدا وحاسما بدلا من الإغراق في التحذير مما ستقوم الحكومة الإسرائيلية به، مضيفا أن الخلاف لم يعد مقبولا في القضايا المصيرية وأبرزها دعم المقاومة ورفض المفاوضات العبثية ومخاطبة الإدارة الأمريكية بموقف حاسم في هذا المجال. لكن المحللين السياسيين لا يعلقون آمالا كبيرة علي التعاطي العربي، ورأي رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق علي عقلة عرسان أن العرب لا يتعلمون من التاريخ، متسائلا "أي الحكومات الإسرائيلية لم تكن عنصرية ومتطرفة ومعتدية؟". وأشار عرسان إلي أن "العرب يقاومون المقاومة ويسكتون علي تهويد مدينة القدس والاستيطان، وفي المقابل يقدمون مبادرات شاملة ومجانية للتطبيع". وقلل من إمكانية شن حكومة نتنياهو حروبا جديدة في المنطقة، موضحا أن المنطقة غير مهيأة لتلك الحروب ومرجحا استمرار واشنطن في سياسة إدارة الأزمات وتبريد الجبهات. ولم يستبعد عرسان إجراء مفاوضات سلام مع حكومة نتنياهو رغم التصريحات التي أطلقها، وأضاف أن "عودة المفاوضات ممكنة لكن من الذي يجبر إسرائيل علي ذلك؟"، وأجاب عن سؤاله أن المقاومة هي التي تحشر إسرائيل في الزاوية، مشيرا إلي أن هذا يتطلب تغييرا في الحالة العربية الرثة. أثار وصول زعيم حزب الليكود نتنياهو إلي قمة السلطة في إسرائيل عدة مخاوف في الساحة السياسية اللبنانية, وسط توقعات باتجاه المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من التطرف في المرحلة المقبلة. ورأت أطراف لبنانية، مختلفة من الموالاة والمعارضة، أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو تعد مؤشرا علي نزوع المجتمع الإسرائيلي إلي التطرف، مع عدم وجود فرق بين اليمين واليسار الإسرائيلي فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط. ولم تتطرق الحكومة اللبنانية في الاجتماع الذي عقدته نهاية الأسبوع الماضي إلي إعلان حكومة نتنياهو. وفي هذا السياق قال النائب عن تيار المستقبل أحمد فتفت إن "وصول نتنياهو دليل علي انحراف في المجتمع الإسرائيلي باتجاه أكثر انغلاقا وتطرفا". كما ذهبت عضو المكتب السياسي لتيار المردة المعارض فييرا يمين، إلي أن "البعض يبالغ في تحديد وصول نتنياهو إلي السلطة وكأنه أمر علي جانب كبير من الخطورة". ورأت يمين أن "الخطورة كامنة في كل من يتناوب علي السلطة في الكيان الصهيوني, فالكل في هذا الكيان متطرف، وكل الذين تعاقبوا علي حكمه كانوا عدوانيين علي لبنان ودول المنطقة". ويعتقد مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس أن "وصول نتنياهو يؤكد عدم وجود رغبة لدي المجتمع الإسرائيلي في عملية السلام، مع تجاهل لكل المحاولات العربية المتتالية لإعطاء فرص حقيقية للسلام وإنهاء الصراع التاريخي في المنطقة". وقال إن "اليسار الإسرائيلي لم يبد مرونة أكثر من اليمين المتطرف، غير أن الأخير لم يخف رفضه المعلن لحل الدولتين الذي بلغ مرحلة الموت السريري تحضيرا للوفاة النهائية، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر علي الشرق الأوسط". ويري الوزير السابق عبد الرحيم مراد -وهو ناصري معارض- أن وصول نتنياهو مؤشر غير طبيعي ويدل علي أن الأمور تتجه باتجاه التطرف، مشيرا إلي أن التصريح الأول له "يتعلق بإيران والمفاعل النووي، وبالتالي فمن البديهي أن يصدر تهديدات تطال المنطقة بشكل عام". غير أنّ فتفت قلل من شأن الكلام في الصحافة الإسرائيلية بأن نتنياهو يمكن أن يوجه ضربة لإيران، معتبرا أنه "كلام بعيد عن المنطق، فما حصل في السودان من غارة فوق مياه إقليمية لا دول فيها، يختلف عن بلاد كبيرة عندها قدرات دفاعية". وتختلف الأطراف علي نتائج وصول نتنياهو وما يمكن أن يحدث في المنطقة، دون أن يكون لهذا التباين أي ارتباط بالاصطفاف السياسي الداخلي اللبناني معارضة وموالاة. ويعتقد فتفت أن "وجود حكومة يمينية قد تكون أقدر علي إعطاء بعض التنازلات، فكل اتفاقيات السلام مع الدول العربية المجاورة جرت مع حكومات يمينية"، مضيفا أن "آخرين غير نتنياهو أعطوا تنازلات كما في سيناء، لأن المجتمع الإسرائيلي يتقبل التنازل من طرف متطرف لأنه مجتمع متطرف". ورأت فييرا يمين أن الإعلان عن الحكومة بمثابة تصعيد، خصوصا أنها تشكّلت من مزيج من التيارات والأحزاب الإسرائيلية مما يعطي انطباعا بأن التطرف بات يوجّه السلطة الإسرائيلية، "والهدف هو استعادة بعض الهيبة العسكرية التي فقدتها في يوليو 2006 وغزة هذا العام". كما وصفت إسرائيل بأنها عامل توتر دائم في المنطقة. وفي هذا السياق رأي مراد أنه من البديهي أيضا القول إن حكومة نتنياهو لن ترضخ لأي من قرارات الأممالمتحدة التي لا تعجبها، وبالتالي يتوقع المزيد من التصعيد داخل الساحة الفلسطينية، حيث لا ينتظر حدوث تنازلات. أما الريس فتساءل "هل توفرت لدي الإدارة الأمريكية رؤية ضرورة حل للأزمة الفلسطينية لتكون مدخلا للحلول في المنطقة، هذا لن يتضح إلا بعد فترة". وطالب بالضغط الأمريكي علي إسرائيل، وإلا "فالتطرف لا يولد إلا التطرف، والعنف لا يولد إلا العنف". ويخلص مراقبون بينهم فتفت ويمين إلي أن المشكل "يكمن في المجتمع الإسرائيلي وليس في شخص الحاكم".