فكرة أخاذة وبلاشك كتبها الأديب الكبير توفيق الحكيم في مسرحية.. "السلطان الحائر" ورأي المخرج عاصم نجاتي فيها فرصة لتقديم عرض مسرحي مبتكر، يؤكد أن لدينا من الأفكار المحلية ما يحول بيننا واستيراد الأفكار الدرامية مثلما نفعل في استيراد السلع الاستهلاكية الاستفزازية فما كان منه أن صاغها في معالجة جديدة احتفظ لها بالاسم نفسه، وبدأ تقديمها لحساب البيت الفني للمسرح بعدما اختار للبطولة محمد رياض وحنان مطاوع ومجموعة من الممثلين الواعدين. نجح عاصم نجاتي في إلباس النص ثوبا عصريا، بدون إساءة للنص الأصلي أو تسطيح لمضامينه ففي أحد المشاهد يرتدي بطل العرض، محمد رياض ملابس عصرية، عبارة عن "بدلة بيضاء" بينما هو يتقمص شخصية شهريار في الوقت الذي ارتدت فيه شهرزاد فستان سواريه، وهي تروي له قصة السلطان الحائر بين واجبه والتزامه بالقانون ويطارده السؤال دائما: "السيف أم القانون"؟ وهو المستثمر الذي يبدو صادقا للجمهور حيث يقدم من خلال شاشة خلفية بروجيكتور لكن التوظيف المبدع للمشهد يحيل ما حدث إلي صدمة جميلة، وتستمر أحداث العرض حيث المسجون الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، في ساحة المدينة مع صوت أذان الفجر بعد رفض مظلمته التي تقدم بها إلي السلطان ولم ينظر فيها وبالطبع لم تتم محاكمته لكن السجين لم يتوقف عن الاستغاثة بالناس عسي أن يتشجع أحد ويفك قيوده وبالتالي تخليصه من سجانه، لكن أحداً لم يفعل من الرجال بينما فعلتها امرأة هي "غانية" الحي التي لجأت إلي حيلة جهنمية لتخليصه، فالحكم لابد من تنفيذه مع صوت أذان الفجر وفي حال تأخر الأذان، أو ربما إلغائه كما اتفقت مع شيخ الجامع سيؤجل تنفيذ حكم الإعدام ويستجيب الشيخ وتنقذ حياة السجين، ويوافق السلطان علي الاستماع إلي مظلمته ليكتشف أنه سجن لأنه قال: "السلطان لم يعتق بعد، ومازال عبدا" "!" وكان الحل في أن يباع السلطان في مزاد ويشتريه أحد الأسياد ثم يعتقه وبهذه الطريقة يعود إلي عرشه حرا ويحكم الشعب الحر.. والمثير أن السلطان يختار أن ينفذ روح القانون من دون اللجوء إلي استخدام سلطته أو سيفه، ويطرح نفسه في المزاد لتشتريه الغانية وتخالف اتفاقه معها أن يتم تحريره وعتقه بعد الشراء مباشرة وتشترط أن يتم هدا مع رفع أذان الفجر وكما كان الفجر بمثابة طوق نجاة السجين، فهو أيضا الإنقاذ للسلطان.. من الغانية، لكن قاضي القضاة يتدخل كعادة من هم مثله لإنقاذ السلطان ويجبر الشيخ علي التبكير بالأذان ليخلص السلطان؟ الذي غضب للمفارقة بعدما اكتشف أن الغانية ملتزمة وشريفة وتبقي نهاية السلطان الحائر مفتوحة. عرض يحمل الكثير من الدلالات والإيحاءات والإسقاطات أيضا من دون مباشرة أو فجاجة أو مبالغة وترخص ولهذا احترمه الجمهور الذي تابعه وقدر لمخرجه نجاحه في توظيف كل عناصره لخدمة العرض، بداية من الشاشة التي شاركت في لعبة الإيهام وربما التنوير بأن كل ما يحدث ينتمي للواقع المعاصر وانتهاء بصيحة الديك، الذي أعلن سكوت شهرزاد عن الكلام المباح.. وهو التوظيف الذي يبدو واضحا في اختيار الممثلين في أدوار تليق بهم وإمكاناتهم بل ربما رفعت من رصيدهم كثيرا فأجاد محمد رياض في دور شهريار وبدت هيئتي وطريقة كلامه مناسبة لإضفاء مهابة علي الشخصية ونفس الأمر مع حنان مطاوع في دور شهرزاد فتملكت مفاتيح شخصية الغانية وحافظت علي الخيط الرفيع بين احترام الشخصية وامتنانها وقدم خالد جمال نفسه ككوميديان خفيف الظل جسد ببراعة دور السجين المظلوم وكذلك مفيد عاشور ولا يمكن الحديث عن العرض دون التوقف عند ديكور وملابس د. محمود سامي ليضيف عنصرين مهمين أسهما في إضفاء رمزية ومصداقية وواقعية علي العرض وكذلك استعراضات عاطف عوض.