وفي تفسير آخر قيل بالحرف الواحد: "إن نجاح أي مشروع تطويري لا يعتمد علي الميزانيات المخصصة أو الوسائل المهيأة له، بقدر ما يعتمد علي إرادة الأفراد المستهدفين بالتطوير، وقابليتهم الذهنية لهذا التطوير المنشود، ومن ثم يصبح السؤال الأهم والواجب علي "التطويريين"، البحث عن جواب شاف له هو: "كيف يمكن تنشيط الإرادة وتفجير القابلية للتطوير في النفوس ".." فالتطوير قضية مصيرية لحياة الفرد ورقيه الشخصي قبل أن يكون قضية مصيرية لتنمية المجتمع بأكمله وازدهاره الاقتصادي. باختصار إذن، فهناك اجماع علي أن التطوير ينبغي أن يتحول لدي الفرد إلي يقين جازم بأنه "واجب"، قبل أن يكون استجابة ل"أمر" أو رضوخا ل"تعليمات"، ووقتها يتحول "الهدف"، سواء كيان اقتصادي عاجز أو مشروع تجاري متعثر، إلي ما يشبه "المشروع القومي"، الذي يهب الجميع إلي تحقيقه، ولدي الواحد منا إحساس بأن نجاحه فيه مصلحة للجميع، ونهضة تنموية تعكس آثارها علي المجتمع بأسره، وليس جماعة بعينها أو أفراد "طفيليين"، لا يهمهم سوي توطيد مصالحهم الشخصية، وتوظيف "التطوير" لتصفية حسابات شخصية. مقدمة لابد منها قبل الحديث عن خطوات التطوير كما تتم في اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو "مبني ماسبيرو"، كما اصطلح الخبراء والعامة علي تسميته، فالأمر الواضح أن خطة التطوير التي بدأ العمل علي تطبيقها في "ماسبيرو"، تجاهلت العنصر الأهم، والمطلوب لانجاحها، وهو العنصر البشري المتمثل في أبناء "ماسبيرو"، الذين يفترض انهم أدوات هذا التطوير، وهم أيضا المستهدفون منه، لكن تجاهل "التطويريين" لهذا العنصر وسيطرة الاحساس لديهم بأن "التطوير"، لن يتحقق إلا "باستيراد الأدوات"، من الخارج، وتغليب سيطرة "الوافد"، الذي ينظر إليه البعض داخل "ماسبيرو"، بأنه "دخيل"، قلب الأوضاع، وتسبب في تعثر خطوات "التطوير"، فالجميع في ماسبيرو سيطرت عليه مشاعر الكراهية سيكون السبب في "قطع لقمة العيش"، وربما "تشريد العيال، وهي مشاعر يعود السبب فيها إلي غياب "التأهيل النفسي"، الذي أشار الخبراء إلي أهميته، فقد غاب علي منظمة "التطويريين"، ليس في ماسبيرو فحسب بل في كل مكان من الدولة، أن يدرك "الفرد"، بأنه الأداة والوسيلة لهذا التطوير، وليس غيره، وأن نجاح التطوير فيه ارتقاء لعمله وابقاء علي وظيفته ودوره، وعندما يترسخ لديه هذا الشعور سينظر إلي "التطوير"، من وجهة نظر أخري، وسيكون أول من ينبري لتفعيله وحماية خطواته، ليقينه أنه "المشروع القومي"، الذي يحقق مصلحته ومصلحة الوطن، فأبناء ماسبيرو يؤرقهم الشعور بأن لديهم امكانات وقدرات لم توظف بعد، لأسباب خارجة عن إراداتهم أولها ضآلة الميزانية، وعدم تهيئة الظروف التي تقود إلي الابداع، وأن "الرجل المناسب في غير المكان المناسب"، وانقلب هذا الشعور إلي احساس بالاستفزاز وهم يتطلعون ويتابعون مراحل في التطوير توافرت فيها الميزانيات الطائلة، وبسخاء يصل إلي حد السفه والتبذير، ومراحل أخري ظن "التطويريون"، خلالها أن الاستعانة بعناصر الخارج هي الوسيلة المثلي للتطوير والتغيير، وفي الوقت الذي بخلوا فيه، دائما علي أبناء "ماسبيرو"، أجذلوا العطاء "المادي" علي "الوافدين"، وكأنهم خبراء أجانب! بل إن "التطوير" كان فرصة لدي بعض المسئولين للتنكيل بمرؤوسيهم، إما عن طريق التجميد أو الإطاحة بعيدا عن المشاركة أو تفعيل دورهم في "التطوير"، وغالبا ما كانت قرارات التنكيل تأتي من مساعدين لهؤلاء المسئولين هم: في الأول والآخر "أهل ثقة لا أهل خبرة"، وكانت النتيجة أن "عاثوا في ماسبيرو فسادا"! من هنا نرصد ما يجري في "ماسبيرو"، من ظواهر لم يشهدها المبني طوال تاريخه، فاحتجاج مديري التصوير، الذي وصل إلي حد التهديد والاعتصام، لم يكن سوي بداية، والقول بإن "نادية الريس" لم تعالج الأمر بحكمة وروية، لم يكن سوي محاولة للعثور علي "كبش الفداء"، أو "المتهم الذي يشيل القضية أمام الرأي العام"، وأمامنا الآن الحالة الأكثر تأكيدا علي أن "التطوير"، لا يسير بمعدله الصحيح، الذي يقود بالفعل إلي التغيير، وأن ضحاياه كثيرون بالصورة التي تؤكد أن "فيه حاجة غلط، فالقناة الثانية تشهد حالة "عصيان مدني" بكل ما تعنيه الكلمة بدليل انتقال عدد كبير من العاملين فيها إلي تنظيم وقفة احتجاجية عند مبني نقابة السينمائيين، طالبوا فيها بأن يكون لهم مكان، والأهم دور، في "عملية التطوير"، بعدما تبين لهم، كما جاء في رسالتهم التي بعثوا بها للسيدة فاطمة فؤاد رئيس القناة الثانية، أن البرامج التي ستنتجها القناة، سيتولي اخراجها مخرجون من خارج القناة والاتحاد بأكمله، ولان "الوعود هي سيدة الموقف"، فأغلب الظن أن "حالة العصيان"، لن تخمد، وستتنامي "ثورة الغضب"، لكن يبدون أن "الرهان" علي نقابة السينمائيين ليس "الرهان الصحيح"، بل يمكن أن يصبح اللجوء إليها سببا في تأزم الموقف وتعقيد المشكلة خصوصا إذا نظرت قيادات وزارة الإعلام، والمسئولون في اتحاد الإذاعة والتليفزيون وقطاعاته، بأن النقابة السينمائية ليس من حقها "التدخل في شأن داخلي"! حالة أخري صارخة تؤكد ما أشرنا إليه، بخصوص "تصفية الحسابات"، تتمثل فيما يتردد بقوة عن إلغاء "نادي السينما" واستبعاده من الشاشة بحجة التطوير، بينما يتعلم الكافة، من مخططين وخبراء ومتابعين ومواطنين عابرين، أنه البرنامج الوحيد الذي ليس له نظير عبر القنوات الفضائية والأرضية العربية، ناهيك عن الرسالة الثقافية التي دأب البرنامج علي تقديمها، فمن الخطأ أن ينظر إليه البعض بوصفه "برنامج للصفوة"، وهذا ليس عيبا، لكنه في حقيقة الأمر ظل بمثابة منبر التنوير، وحائط الصد الثقافي، في مواجهة أولئك الذين يكفرون الفن، ويحرضون علي نبذ الثقافة، وتسيطر عليهم الرغبة في إعادة المجتمع إلي الوراء، وفي سبيل تحقيق مخططاتهم هذه، يناصرون البرامج التي تتاجر بالدين، أو تتستر تحت عباءته فتنشر الجهل والدجل والشعوذة والخرافة، أو يشجعون البرامج التافهة، التي تشيع الجهل نفسه، وتعمد علي تغييب الوعي، وفي هذا الاتجاه استقرار رأي "دعاة التطوير"، إلي الغاء برنامج "نادي السينما"، علي وجه التحديد، وكأنه المثال للبرامج التي استنفدت أغراضها، وتجاهلوا برامج كثيرة استمرت، وستظل، ب"وضع اليد"، علي الرغم من تفاهتها وسطحيتها وركاكتها، بل إن بعضها لجأ أصحابها إلي "الخديعة"، و"التحايل"، فأجروا تغييرات طفيفة علي شكل البرنامج، وأبقوا علي فكرته الساذجة نفسها، لكنهم تمكنوا من اقناع أصحاب القرار بأنهم "واكبوا التطوير" بل هم "رجاله الأوفياء"، و"حرسه المخلصون". فهل هذا هو التطوير؟ وهل تغيير شاشات التليفزيون المصري يكمن في الغاء "نادي السينما"؟ الوضع يدعو للتشاؤم، ليس لأن "التطوير" مرفوض، بل لأن "الاستراتيجية" و"الفلسفة"، التي تضمن نجاح التطوير غائبة، والقرارات في حاجة إلي مراجعة وتصويب، والخطوة الأولي في سبيل التطوير النظر بعين الرعاية والعطف إلي هؤلاء الذين يحملون جنسية "ماسبيرو"، بدلا من الاعتماد علي "الوافدين"، أو "البدون"، كما يقول الخليجيون، ثم نبحث عن الطريقة التي نمنحهم بها الجنسية.. والميزانية!