بعد توقف حرب لبنان بين إسرائيل وحزب الله في صيف 2006، كتب "أوزي رابين" دراسة طويلة لمركز بيجين_السادات للدراسات الاستراتيجية بعنوان "حملة الصواريخ ضد إسرائيل خلال حرب لبنان 2006". وبعد حرب غزة الأخيرة، حرص نفس الكاتب علي أن يكتب دراسة في نفس الموضوع بعنوان "الدفاع النشط ضد الصواريخ: دروس من عملية الرصاص المُنصهر وحرب لبنان 2006". وأوزي رابين من الخبراء المرموقين في إسرائيل في مجال الصواريخ، وقد رأس برنامج تطوير نظام الصاروخ "الأرو" الإسرائيلي المضاد للصواريخ، وهو النظام الوحيد تقريبا في الشرق الأوسط الذي تم تطويره خصيصا في إسرائيل وبمساعدة مالية وتكنولوجية هائلة من الولاياتالمتحدة لمواجهة تهديد الصواريخ البالستية بعيدة المدي المُنتشرة في المنطقة. ومن خلال مُتابعة أوزي روبين للحرب في غزة وخاصة ما يتعلق بالصواريخ فيها، لاحظ أن كثافة النيران الصاروخية لحماس ضد إسرائيل كانت أقل بكثير من كثافة الحملة الصاروخية لحزب الله. ولكن، وبالرغم من ذلك، كان الهدف من حملة حماس كما يري روبين إثبات وجود واستمرار هذه النيران الصاروخية في وجه القوة الإسرائيلية، وكذلك حرصها الشديد علي تسجيل نقاط فوز مُنعزلة وذات طابع إعلامي مُؤثر علي الجمهور الإسرائيلي بضربها مدناً إسرائيلية في العمق، بالإضافة إلي إحداث تآكل في قدرة الجمهور الإسرائيلي علي التحمل وزيادة الضغوط علي صانع القرار الإسرائيلي لوقف الحرب طبقا لشروط وأوضاع تٌناسب حماس وليس إسرائيل. ومن أبرز ما أرادت حماس استعراضه أمام إسرائيل، امتلاكها لصواريخ "جراد" مطورة يصل مداها إلي 40 كيلومتراً. ومن المعروف أن صاروخ جراد الأصلي وقبل التطوير مُتوفر بمدايات مختلفة تتراوح بين 15 كم إلي 20 كم. ثم أخذ هذا المدي في التطور بواسطة كثير من الدول المُنتجة للصاروخ محليا من خلال تغيير نوعية الوقود وكميته مع الحفاظ هندسيا علي توازن الصاروخ خلال الطيران. وحتي تُعلن حماس _من وجهة نظر رابين- امتلاكها لتلك الصواريخ المطورة بعيدة المدي، أطلقت في البداية صواريخ قصيرة المدي علي مدينة أشكيلون، ثم وسعت من مدي صواريخها لتصل إلي مدن أشدود وبير سبع وغيرها من مدن الجنوب البعيدة نسبيا وكانت تُصنف من قبل باعتبارها مدنا آمنة وبعيدة عن تهديد حماس الصاروخي. ثم صار التهديد مُزعجا عندما طال أماكن بها بنية أساسية حساسة علي مستوي الدولة الإسرائيلية مثل الموانيء، ومصانع تكرير البترول، ومحطات الطاقة الكهربية، ومصانع الكيماويات والتكنولوجيات المتقدمة. وهو ما يماثل ما حدث في حرب 2006 حين تعرضت مناطق مماثلة لهذا النوع من التهديد. وقد كان كافيا -كما يقول رابين- أن يصل مدي الصاروخ جراد إلي 40 كيلومتراً و20 كيلومترا للأنواع القديمة، ليصبح نصف مليون مواطن من إسرائيل تحت التهديد المباشر لصواريخ حماس. لم يختلف رد الفعل الإسرائيلي كثيرا في مواجهة إطلاق الصواريخ القادمة من غزة في حرب 2008-2009 مقارنة بتلك التي أطلقت علي إسرائيل من الشمال بواسطة حزب الله في 2006 ولكن النتائج جاءت مختلفة. في 2006 كان رد الفعل الإسرائيلي المباشر علي إطلاق الصواريخ شن غارات جوية علي المناطق المُتوقع إطلاق الصواريخ منها، وأيضا بغرض العقاب والردع، لكن النتيجة لم تكن مرضية تماما. أما في حالة حماس، فقد خف معدل إطلاق الصواريخ بدرجة ملحوظة بعد الأسبوع الأول من الحملة الجوية. والسبب يتأرجح بين إعطاب قدرات حماس الصاروخية نتيجة للضرب الجوي والغارات البرية بواسطة إسرائيل علي مواقع الإطلاق، وبين رغبة حماس في الحفاظ علي مخزون الصواريخ الموجودة في مستودعاتها لمراحل المعركة التالية خاصة أن تعويض السلاح بالنسبة لحماس كان أصعب بكثير منه في حالة حزب الله حيث حصار غزة الشامل من البر والبحر. لكن الأحوال تغيرت في الأسبوع الأخير من الحرب بحيث زادت معدلات إطلاق حماس للصواريخ مرة أخري لسبب غير معلوم وعلي الأرجح تأكيد أنها مازالت بعافيتها ولإفساد ادعاء إسرائيل قدرتها علي إيقاف إطلاق الصواريخ. تمثل رد الفعل الثاني لإسرائيل في 2006 في إجراءات "الدفاع السلبي"، وهو مفهوم يتصل برد فعل المدنيين لتجنب الضرر والتقليل من أثره إذا وقع. وفي حرب 2006 أُطلق علي إسرائيل حوالي 4000 صاروخ نتج عنها 53 قتيلا أي بمعدل 75 صاروخا لكل قتيل. وبالنسبة للحرب الأخيرة في غزة لا يوجد رقم معروف عن عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس علي إسرائيل. والمتوقع أن عدد الصواريخ يقع ما بين 550 صاروخا إلي 660 صاروخا طبقا للتقديرات المختلفة. وفي حالة عملية "الرصاص المُنصهر" ارتفع عدد الصواريخ لكل قتيل إلي "183 -220" مقارنة بحرب 2006 وكان المعدل فيها 75 صاروخا فقط لكل إسرائيلي قتل بواسطة الصواريخ. ويفسر ذلك أن عدد صواريخ القسام التي أطلقت من غزة من صنع الفلسطينيين، وأن دقتها في الضرب أقل من الأنواع الأخري المُستخدمة والتي تعاني من خلل الاتزان والصناعة الدقيقة. الغرض من تفسير نتائج الضرب الصاروخي لحماس علي إسرائيل التركيز علي تقييم الإجراءات التي اتخذتها القيادة الداخلية في إسرائيل، وكفاءة نظم الإنذار المبكر علي تنبيه المدنيين وإرشادهم، وكذلك الحلول الذاتية، ومستوي استجابة المدنيين للتعليمات، والتعاون مع السلطات المدنية والعسكرية. وعلي سبيل المثال، وفي حالتين، تعرض مبني سكني متعدد الأدوار للضرب بواسطة صواريخ جراد في أشدود ولم يصب السكان إلا بالصدمة وبجروح بسيطة بفضل لجوئهم إلي أماكن محمية طبقا للمعلومات السابق إعلامهم بها وتدريبهم عليها. ولاشك أن الإنذار المبكر له دور كبير في تحذير المدنيين للتوجه إلي أماكن الحماية. ولقد أثبتت تجربة حرب غزة إمكانية رصد الصواريخ بمجرد إطلاقها، وزمن ومكان وصولها إلي الأرض، وتوصيل تلك المعلومات إلي السكان وأجهزة الدفاع المدني. ونفس الشئ ينطبق علي "الدفاع الإيجابي"، ومعناه اعتراض الصواريخ المُهاجمة قبل أن تصل إلي أهدافها. وتمتلك إسرائيل وسيلتين للدفاع الإيجابي هما: نظام "الباتريوت" الأمريكي، ونظام "الأرو" الإسرائيلي. وخلال الحربين، ( 2006 و 2008/2009) لم تُستخدم وسائل للدفاع الإيجابي علي الإطلاق. وفي الحقيقة قامت القوات الجوية الإسرائيلية في 2006 بنشر عدد من بطاريات "الباتريوت" المضاد للصواريخ في الشمال لأسباب غير معلنة، وربما كانت للتصدي لصواريخ حزب الله الهجومية عيار 320 مم، وهي من مصدر سوري وأطلقت بالفعل علي مدن "أفولا"، و "حيدرا"، وحيفا. وفي كل الأحوال لم تُستخدم بطاريات الباتريوت في مواجهات فعلية، ولم يمتحن مستوي كفاءتها في الحرب. هذه الثغرة في منظومة الدفاع الإسرائيلية قد تم تداركها في 2008 بتبني مشروع "القبة الحديدية" المكون من صواريخ صغيرة يمكنها اعتراض الصواريخ المهاجمة من مسافة 4 إلي 40 كيلومترا. وطبقا لتصريحات وزارة الدفاع الإسرائيلية وسوف يكون هذا النظام مُتاحا للاستخدام علي المستوي العملياتي في 2010 ومثل هذه الأنظمة تحتاج إلي تجارب كثيرة، وفي بعض الأحوال تغييرات في مكونات النظام وطريقة عمله، لكن ذلك لن يوفر حماية غير قابلة للاختراق أو "قبة حديدية" كما يشي اسم النظام. وهناك من يعتقد أن وجود نظام دفاعي مثل "القبة الحديدية" لن يغير كثيرا من نتائج الحرب وخاصة عدد الضحايا نتيجة استخدام الصواريخ، وكل ما في الأمر هو ما سوف يبثه النظام من طمأنينة بين المواطنين لمجرد وجوده بينهم. وهناك في المقابل من يقول إن حوالي 40% من ضحايا الصواريخ نتجت من عدد محدود جدا من الصواريخ أصابت عمارات سكنية، وأن اعتراض مثل هذه الصواريخ _وليس كلها- كان سيغير كثيرا من النتيجة النهائية في صالح النظام الدفاعي. وكذلك قدرة النظام علي حساب مكان سقوط الصاروخ المهاجم بمجرد رصده، سوف يوفر عليه جهد اعتراضه إذا اكتشف أنه سوف يسقط في النهاية علي أرض مكشوفة أو حديقة أو مسطح مائي. والمقصود في الحقيقة ليس منع الضرر تماما فليس ذلك مُتخيلا، ولكن الهدف تقليل الضرر بشكل ملموس، أي بنسبة (30 _ 50) % مثلا، وهذا ما يتوقعه المتحمسون لنظام "القبة الحديدية". فهم يراهنون علي قدرته في إنقاذ العديد من ضحايا الصواريخ، ويثقون أنه لن يكون موضع سخرية للمتشائمين في قدرته علي حماية كثير من المدنيين ضد تهديد الصواريخ المنقضة من السماء.