سمعت أن الوزير بطرس غالي قال "خلي البلية تلعب"، أما السيد الوزير المهندس محمد منصور وزير النقل فقد أطار "البلية" من قطارنا المتجه إلي أسيوط، لكن الله سلم، و"سلم لي علي البلية" يا سيادة الوزير، أنا لا أكتب قصة كوميدية هزلية أو خيالية فهذا حدث فعلا حينما ركبنا قطار الصعيد رقم 998 مساء الجمعة 20 فبراير في السادسة إلا عشر متجهين إلي أسيوط، حيث تلقينا دعوة جامعة أسيوط للاحتفال باللغة القومية بالاشتراك مع جمعية لسان العرب.. لكن دعك من المؤتمر والمؤتمرين وبحوثهم وتوصياتهم.. فقد توقف بنا القطار عند مدينة "الفانت" آخر حدود بني سويف لأن مراقب برج التحويلة لاحظ بالصدفة تطاير الشرر والنيران من عربة توليد القوي "الباور" ونزلنا إلي الرصيف وسمعنا عن انصهار "الأكس" وطيران البلية لأن الشحم حولها لم يكن كافيا وبدأت المشاورات والاتصالات وبعض الفتاوي ثم خرجت بعض المقترحات بأن نسير بسرعة 8 كيلو في الساعة إلي أن نصل إلي محطة المنيا علي بعد 77 كيلو تخيل سيادتك نسير كل هذه المسافة بسرعة 8 كيلو في الساعة أي نصل المنيا بعد تسع ساعات، أما الوصول إلي أسيوط فخليها علي الله.. ثم جاء الحل العبقري أن تفصل عربة الباور، وتحمل السائق الشجاع المسئولية وسار إلي المنيا دون كهرباء ونحن في القطار دون تكييف أو كهرباء ودون دورات مياه، وهي بالمناسبة لا تصلح للآدميين تخيل سيادتك أننا نركب درجة أولي ممتازة مكيفة فما بال سيادتك بالدرجة الثالثة وكيف حالها مثلا بلا كهرباء أو مياه أو خلافه، هل تتصور السرقات والتحرش وخلافه؟ هل تتصور عزيزي القارئ حجم المعاناة حينما يقف قطار في ليل بارد وتري أطفالا ونساء وكبار السن الذين لهم حاجات أو أشخاص لديهم أعمال صباح اليوم التالي، قد تكون محاكم أو جامعات أو مسئوليات جسام أنها مآسي.. اكتشفت أن كل من يركب قطار الصعيد اعتاد هذه الأمور حتي أنك تسأل أي مسئول في السكة الحديد عن موعد وصول القطار رقم كذا فيبتسم قائلا خليها علي الله.. تصور أن هذا هو حال ذلك المرفق الحيوي الخطير. كلنا نعلم أن سكة حديد مصر هو ثاني سكة حديد في العالم كله ولم يسبق إلا بسكة حديد إنجلترا، فقد كان لدينا قطارات نركبها والناس من حولنا كانت تركب الحمير والبغال أو الجمال، ثم تطور العالم من حولنا ونحن أهملنا مرافقنا لسنوات طويلة، نحن لم نشتر جرارات منذ عام 82 حتي أضحت جراراتنا أشبه بالخردة مثلها مثل مترو مصر الجديدة الذي لم يجدد منذ ذلك التاريخ، ثم جاء الفرج حينما تبرع لنا رئيس دولة عربية وأحد الأمراء من الخليجيين وهو أمير الدولة وقد تبرعا بثمن 120 جرارا تعاقدنا مع شركة جنرال الكترك سعر الجرار الواحد ثلاثة ملايين دولار أي بإجمالي 360 مليون دولار أي أقل كثيرا مما أخذه أحد المقترضين من بنك ثم هرب بأموالنا خذ مثالا فلو أننا أخذنا من دخل قناة السويس ثلاثة ملايين دولار كل أسبوع، لكنا في خلال سنتين قد اشترينا بأموالنا هذه الجرارات ولما حدثت هذه الكوارث ما بين انقلاب قطار أو حريق لقطار آخر، ولعلنا نتذكر الوزير المحترم المهندس إبراهيم الدميري الذي استقال أو أقيل بعد حريق أحد قطارات الصعيد ومنذ هذا الوزير لم يستقل أحد بعد أي كارثة سواء لقطار أو لهضبة الدويقة أو غيرها من كوارثنا.. لقد كثرت الحوادث والأحداث الجسام، وفي الكثير من المؤسسات بعضها كان يحتاج إلي الصيانة إلي التجديد إلي الإدارة الرشيدة التي لا تعتمد علي الصدفة مثلما اكتشف مراقب برج الفانت "البلية" بالصدفة فأوقف القطار الذي كنا نستقله وكان هناك سائق شجاع وصريح، ولم نجد في المنيا حينما وقفنا من يقومون بالإصلاح ولذلك سرنا إلي أسيوط في الظلام، أتمني أن نخرج من هذا الظلام لنساير العالم المتحضر الذي من سماته مواصلات محترمة ومواعيد محترمة وصيانة محترمة واستراتيجيات محترمة تخطط لمستقبل أبنائنا الذين نحب أن يروا قدوة حسنة في كل موقع ليكون لهم مستقبل أفضل مما نراه حتي لا نظل نكرر التوصيات والمقترحات في كل المؤتمرات نريد حلولا جادة واقعية من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا، بل لمصر التي هي أغلي عندنا من كل غال وثمين. بقي أن أشكر سائق القطار الشجاع إبراهيم الدسوقي ومعاونه فرج المغاوري وعامل الكهرباء البسيط سيد عبدالهادي ومراقب برج التحويلة في الفانت الذي لم نعرف اسمه تحية لهؤلاء البسطاء الشرفاء فمازال في مصر شرفاء يعشقون هذا الوطن فإلي لقاء مع كل الشرفاء في كل موقع تحية لهؤلاء الذين قد لا يقرأون هذه الكلمات لأنهم لا يملكون ثمن نسختها ونحن لا نعرف عنوانا لهم. ملحوظة اعتذر لأنني لم أتحدث عن مؤتمر جامعة أسيوط لكننا بفضل الشرفاء الذين ذكرتهم وصلنا أسيوط بعد الواحدة صباحا وذهبنا إلي قاعة المؤتمرات صباحا قدمنا الأبحاث والكلمات وكتبت التوصيات، ولعل أهم توصية أن نهتم بمصر في كل المجالات تعليما وصحة ونقلا ومواصلات وسياحة وانتصارات، عن طريق المنصور أو غيره، نصرنا الله وإياكم من أجل مصر. ورجاء أن نحافظ علي البلية لتبقي في حوزتنا دائما.