الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة في حاجة الي قادة لهم عقول يفكرون بها ولديهم مقدرة علي وزن الامور وقياسها بنتائجها وليس بانفعالاتهم وكم من انفعالات عربية قادت بلادنا الي كوارث ونكبات لم نتخلص من اثارها بل دمرت اقتصادنا وجيشنا والحمد لله ان قيادة مصر ممثلة في الرئيس مبارك تتحكم فيها العقلانية. العرب أمة عظيمة هكذا تعلمنا في دراسة الادب والتاريخ العربي، لقد كان العرب والمسلمون امة حضارية متقدمة عندما كانت اوروبا تغط في سبات عميق، وكانت تعيش في عصور الظلام. وبغض النظر عن مدي دقة هذه المقولات والتي بلا شك فيها جزء لا يستهان به من واقع تلك الايام الخوالي فان الذي حدث بعد ذلك هو العكس فانطلقت اوروبا نحو الحضارة والتقدم، نحو الديمقراطية وحقوق الانسان وعاش العرب والمسلمون في سبات عميق طويل وليل مظلم لا يبدو ان النهار بشمسه سوف تسطع ثانية عليه لسبب بسيط وهو غياب العقل العربي، وما نقصده بغياب العقل هو غياب الفكر العقلاني المتزن الذي يحسب الامور بميزان العقل وفقا للمزايا والخسائر وليس من منطلق العاطفة التي تندفع بلا ضوابط كما يقول المثل (كمن يساق بظلفه الي حتفه). ولهذا طور العقل العربي والاسلامي الحديث او بعض من يتحدثون باسمه مفهوم الشهادة وتحولت من معني اسلامي سليم الي معني متخلف بل بالغ التخلف فاصبحت تسمي الانتحار عمليا من خلال الاحزمة الناسفة التي احيانا لا تصيب سوي من يتحزم بها. واصبح الاسم الرمزي للعرب والمسلمين انهم عشاق الموت وليسوا عشاق الحياة انهم يفضلون الاستشهاد والخروج من الحياة علي الفكر العقلاني وبناء اسباب التقدم من خلال البحث العلمي والتنقيب العقلي كما دعا لذلك القرآن الكريم واخذت آيات الجهاد والاستشهاد خارج سياقها المعنوي وخارج سياقها التاريخي وهكذا انقلبت الامور وسيقت الجماهير الي المعاناة زمرا في حين استمتع وما زال يستمتع القادة بفنادق النجوم الزاهرة. ولعل هذا ما ينطبق علي حالة العدوان علي غزة ، انه عدوان اسرائيلي غاشم ومبيت ومفاجئ وغير متناسب مع الصواريخ التي اطلقتها حركة حماس وان العرب يتفرجون وغزة تحترق، وان حماس لن تتراجع عن موقفها حتي لو ابيدت غزة بكاملها هكذا نطق وتكلم رئيس الحكومة المقالة السيد هنية، ثم وجه خالد مشعل زعيم حماس نداءه من دمشق مطالبا الجماهير بالتحرك ومتقمصا شخصية اسامة بن لادن، ثم جاء احد قادة حماس يوم 4 يناير ليطلق من بيروت نداءه الخطير للفلسطينيين في اراضي 48 بانه قد جاءت ساعة اختبار صدق مواقفهم وان عليهم التحرك لارباك اسرائيل من الداخل. وحسنا فعل احد قادة فتح مؤكدا في رده ان هذه وصفة خطيرة لايجاد كارثة جديدة للفلسطينيين في اراضي 1948، وزاد الطين بلة زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بدعوته للجيش والشرطة في مصر للتحرك واتهامه القيادة المصرية بالتخاذل، وهكذا شعارات من قادة يفترض فيهم قمة العقل والعقلانية. وهم فعلا عقلأ تماما لامتثالهم لتعليمات من يزودونهم بالاموال وبعض السلاح فهم يعملون لصالحهم وليس لصالح شعب فلسطين. وقامت جماهير غفيرة في عدة دول عربية بالهجوم علي السفارات المصرية وكأنها سفارات معادية او ان مصر هي التي تحتل غزة وتهاجمها بطائراتها ودباباتها وهذه كلها حركات مشبوهة هدفا القضاء علي ما تبقي من قضية فلسطين لكي تدفع اسرائيل بالملايين خارج فلسطين 1948 وخارج غزة الي مخيمات جديدة للاجئين وتوجد مشكلة لمصر وهذا كله لا يهم اصحاب الايديولوجيات السياسية او الدينية، اصحاب القرار لدي حزب الله وحماس. لقد اختفي هنية من الساحة وكان مفترضا ان يقود شعبه للنضال ضد العدو وهل هو اكثر قيمة من محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان يتربص به الاعداء ولكنه يتقدم صفوف انصاره، كما اختفي نصر الله في لبنان حتي انتهت حرب ال33 يوما ثم خرج ليعلن النصر وهو نصر شكلي ووهمي لان قواعد اللعبة الجديدة في جنوب لبنان حرمته من التواجد في الجنوب او اطلاق صاروخ جديد علي اسرائيل فاتجه لنشر الاضطراب في لبنان الدولة والمجتمع. وهكذا يسعي هنية واعوانه ليفعلوا في غزةوفلسطين ويتنازعون مع فتح ايهما له السلطة وهي سلطة وهمية فاسرائيل تحول دون حركتهم جميعا وخروجهم من مخابئهم او من مكاتبهم. ويتهمون مصر بعدم المساعدة ويتهمون العرب بعدم التحرك لانقاذ شعب غزة من الابادة، ولكن الجماهير المغيبة عقليا والقادة الذين لا عقلانية لديهم لم يسألوا انفسهم من الذي نصبهم قادة وحكاماً علي مصر وغيرها من الدول العربية حتي اذا تحركت حماس بموقف فعلي الجميع السمع والطاعة وهل استشارت احدا من القادة ام يتصور هنية او خالد مشعل انهما اصبحا حكاما مطلقين علي كل الدول العربية والاسلامية. ان المرء لا يستطيع ان يلوم اسرائيل علي كارثة غزة فهذا امر طبيعي لديها فهي دولة عدو ومعتادة علي العدوان والقتل والمذابح في جنين ودير ياسين وأبادت قري فلسطينية عن بكرة ابيها مثل اللد والرملة وغيرهما.. ولكن اللوم ينبغي ان يوجه الي قادة حماس الذين يعلمون قوتهم وقوة العدو ولا يتشاورون مع اشقائهم ولا يأخذون بنصيحتهم فاذا لم يتحرك القادة العرب لانقاذهم فيوجهون لهم الله. المؤسف في العملية كلها هو حالة الشعب المدني في غزة من الجماهير الغفيرة التي تعاني القتل والدمار والجوع والعطش ونقص الدواء في حين ان قادتهم العظام في اختفاء تام ويظهرون بعد تحقق النصر المبين والوعد الصادق. ان السلطة الفلسطينية وجهت دعوة لحماس والجهاد للحضور والمشاركة في مؤتمر مصالحة وطنية والاخيرتان ترفضان ونتساءل اذا كان الفلسطينيون لا يتفقون ولا يجتمعون معا لمواجهة كارثة غزة ودمارها فكيف يلومون العرب علي عدم اتفاقهم وعدم تدخلهم في غزة لانقاذهم ، ان العرب لا يستطيعون تحدي الارادة الدولية الممثلة في امريكا واوروبا المسيطرين علي مقدرات السياسة الكونية، وليس لدي العرب سلاح وليس لديهم معدات ينقلونها لفلسطين وليست لديهم جيوش متدربة بمثل تدريب اسرائيل. وكيف يقرر العرب الحرب ويدخلونها بارادة اسماعيل هنية وخالد مشعل وامثالهما. هل هناك قائد في اية دولة في العالم يتخذ قرار الحرب بسهولة ويسر وكأنه علي مصطبة عبر الميكروفونات والخطب النارية بلا استعداد؟! ان مثل هذا القائد إن وجد لابد ان يكون مغيبا او تابعا لسلطة اعلي منه تأمره فيطيع. ان الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة في حاجة الي قادة لهم عقول يفكرون بها ولديهم مقدرة علي وزن الامور وقياسها بنتائجها وليس بانفعالاتهم وكم من انفعالات عربية قادت بلادنا الي كوارث ونكبات لم نتخلص من اثارها بل دمرت اقتصادنا وجيشنا والحمد لله ان قيادة مصر ممثلة في الرئيس مبارك تتحكم فيها العقلانية، وتقدير عواقب الامور وهذه احسن صفة من صفات هذا الزعيم وهي عدم الانسياق للعواطف او الانحناء للضغوط غير العقلانية لهذا لم يزر اسرائيل طوال سني حكمه كما لم يزر امريكا في السنوات الثماني الماضية .. أليس هذا دليلاً علي ان قرار مصر هو قرار نابع من ارادتها وان قيادتها وطنية مؤمنة بقوميتها اما الانجرار في الحروب وكأنها فسحة وبقرار من خارج ارض الوطن وضد امن البلاد واستقرارها فليس الا عملا عشوائيا يدمر ولا يبني، يخرب الاوطان بدلا من ان يحميها ويصون امنها ووحدتها.