تشكيك في شعار "الدولتين" يستند الي عدد من الحقائق من بينها انه يعني قبول الدولة الصهيونية العنصرية علي اكثر من 80% من مساحة فلسطين، وحتي العشرين في المائة التي يفترض نظريا ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية مقطعة الاوصال ولا تعاني فقط من فصل قطاع غزة في ظل الإخفاقات العربية المتتالية لكبح جماح العدو الاسرائيلي المسعور اصبح هناك وعي متزايد بأن هذه الاخفاقات لا تعود فقط الي اسباب "ذاتية"، من قبيل جدارة هذا "الزعيم"، او عدم جدارته، او صواب تكتيكات هذا الفصيل الفلسطيني او مجانبته للصواب. وإنما ربما تعود ايضا - وبالأساس- الي خلل في "الرؤية" الشاملة لمستقبل الصراع العربي- الاسرائيلي، يؤدي الي خلل في "الاستراتيجية" او الهدف الاستراتيجي للجانب العربي في هذا الصراع المزمن. وفي هذا السياق بدأ البعض في اعادة النظر في شعار "الدولتين" -دولة فلسطينية الي جانب الدولة اليهودية - كهدف استراتيجي يسعي اليه الجانب العربي، لكنه يبدو هدفا مراوغا، إن لم يكن مستحيلا، يبتعد عن التحقيق كلما تصور البعض انه اصبح في متناول اليد. والتشكيك في شعار "الدولتين" يستند الي عدد من الحقائق من بينها انه يعني قبول الدولة الصهيونية العنصرية علي اكثر من 80% من مساحة فلسطين، وحتي العشرين في المائة التي يفترض نظريا ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية مقطعة الاوصال ولا تعاني فقط من فصل قطاع غزة عن الضفة المغربية، بل تعاني ايضا من تبعثر الارض في معظم الاماكن بحواجز وجدار عازل ومستوطنات يهودية. واذا افترضنا نظريا انه نشأت موازين قوي اقليمية ودولية ترغم اسرائيل علي الموافقة علي قيام هذه الدولة -وهو امر مستبعد حاليا علي الاقل- فإن هذه الدولة الفلسطينية ستكون مفتقرة الي المقومات الاساسية، السياسية والاقتصادية والجغرافية، بما سيجعل منها دويلة كرتونية لا تلبي الاحتياجات الحقيقية للنضال الفلسطيني. والسؤال هو: إذا كان شعار الدولتين يبدو مراوغا فما هو البديل؟ البديل في رأي الكثيرين الآن -وكاتب هذه السطور منهم- هو خيار الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية. وهذا البديل ليس "اختراعا" جديدا، وانما هو مشروع نضالي قديم تبنته "عصبة التحرر الوطني" الفلسطينية منذ عام 1947، وتضمنته ادبيات وبرامج الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحركة "ابناء البلد" الفلسطينية. بل إن هذه الفكرة وجدت من يتبناها من اليهود، مثل مارتن بابر وجودا ماجنس. لكن معظم الدعم اليهودي لخيار الدولة الواحدة تبخر بعد قيام اسرائيل عام 1948 علي اساس قرار التقسيم رقم 181 الذي اصدرته الاممالمتحدة في 29 نوفمبر 1947. واختفت الفكرة -عمليا- حتي حرب 1967، حيث عادت للظهور لكن بمحتوي صهيوني بحت تبنته التيارات الصهيونية الاكثر يمينية التي طالبت بسياسة "الترانسفير" الذي يعني طرد العرب المتواجدين داخل اسرائيل سواء بعد حرب 1948 او حرب 1967، الي الأردن، وهو تيار يجد من يطالب بنفس الدعوة حاليا لكن عنوان الترانسفير لديهم الآن هو سيناء المصرية. وهناك وثائق اسرائيلية كثيرة تتحدث عن ذلك، وليس الامر مقتصرا علي اوراق اسرائيلية وانما العدوان الاسرائيلي الغاشم علي غزة حاليا ربما تكون له صلة مباشرة او غير مباشرة بهذا الهدف. وعلي الجانب العربي.. ظل شعار الدولة الواحدة منسيا في الادراج الي ان اخرجه منها بعض المفكرين، ومن بينهم المفكر الراحل إدوارد سعيد الذي كتب عام 1999 "بعد خمسين عاما من تاريخ اسرائيل لم تقدم الصهيونية الكلاسيكية اي حل للوجود الفلسطيني، ولذلك لا اري اي طريق آخر سوي التحدث عن تشاطر الارض التي جمعتنا معا، تشاطر في اطار ديمقراطي حقيقي يضمن الحقوق المتساوية لكل المواطنين. لكن كان هناك من قام علي الجانب العربي باحياء مفهوم الدولة الواحدة، لكن من منظور مختلف تماما لما سبق هو مفهوم حركة حماس التي توافق علي شعار الدولة الواحدة ولكن باعتبار هذه الدولة "وقفا اسلاميا". وتقول المادة الحادية عشرة من ميثاق "حماس": "تعتقد حركة المقاومة الإسلامية ان ارض فلسطين ارض وقف اسلامي علي اجيال المسلمين الي يوم القيامة، لا يصح التفريط بها او بجزء منها او التنازل عنها او عن جزء منها. هكذا حكمها في الشريعة الإسلامية". وهو الامر الذي تعود المادة الثالثة عشرة لتقول ان "التفريط في اي جزء من فلسطين هو تفريط في جزء من الدين". واذا سألتهم عن مصير اتباع الديانات الاخري قالوا لك "في ظل الإسلام يمكن ان يتعايش اتباع الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية، واليهودية، في أمن وامان، ولا يتوافر الأمن والأمان الا في ظل الإسلام.. وعلي اتباع الديانات الاخري الكف عن منازعة الإسلام في السيادة علي هذه المنطقة". بينما الدولة الواحدة من منظور اليسار دولة ديمقراطية علمانية. فما هي ماهية هذه الدولة الديمقراطية العلمانية، وهل هي قابلة للقيام فعلا، وما هي التحديات التي تواجهها، وبالمقابل ما هي الفرص المتاحة أمامها؟