للمرة الثانية، وخلال فترة وجيزة، تتعرض سوريا إلي هجوم عسكري جوي قادم من الخارج. الأول قامت به إسرائيل ضد هدف أرضي في شمال سوريا تم قصفه بوصفه مُنشأة نووية لها علاقة بتعاون سوري-كوري شمالي في هذا المجال، وتردد وقتها كلام عن دور الولاياتالمتحدة في هذا الهجوم من خلال مساهمة قاعدتها العسكرية في جنوب تركيا ونظم الرادار المتقدمة الموجودة فيها في كشف الشمال السوري، ومساعدة الطائرات الإسرائيلية العبور من الحدود التركية بعد رحلة طيران طويلة فوق مياه البحر الأبيض المتوسط. والهجوم الثاني، وطبقا لما جاء في وسائل الإعلام ولم تنفه المصادر الرسمية الأمريكية، كان هجوما بطائرات هيلكوبتر علي هدف قُرب الحدود السورية العسكرية يعتقد أنه مركز لتجمع أفراد يتم الدفع بهم إلي الأرض العراقية للقيام بعمليات إرهابية. ولم يصدر شئ يشير هذه المرة إلي مشاركة إسرائيلية مباشرة في هذه العملية بالمعلومات أو بالمتابعة عن بعد أو الإرشاد الراداري أو الفضائي وإن لم يكن كل ذلك مُستبعدا في ضوء التطور في علاقات التعاون العسكري المشترك علي المستوي "العملياتي" بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. والمتابع للأحداث خلال 2008 وقبلها سوف يكتشف أن الولاياتالمتحدة قد عزمت أمرها علي تطوير علاقات التنسيق العسكري مع إسرائيل ودمج القدرات المشتركة واستبعاد حالة الحرج والخجل من أن تظهر إسرائيل في الصورة إلي جانب الولاياتالمتحدة في عمل عسكري موجه إلي دولة عربية أو إسلامية. لقد مضي زمن أن يخرج من واشنطن أمر صارم إلي تل أبيب بإتباع الصمت والخروج من صورة الأحداث تماما كما حدث في حرب الخليج 1991 عندما أرسل بوش الأب مبعوثا من جانبه إلي إسرائيل لمراقبة تصرفاتها خلال الحرب حتي لا ينهار التآلف الدولي بانسحاب دول مثل مصر والسعودية والمغرب إذا بدت إسرائيل عضوا ظاهرا في هذا التآلف ضد صدام حسين. وقد حاول صدام حسين بالفعل جر إسرائيل إلي المعركة بضربها بالصواريخ في نفس الوقت الذي أطلق صواريخه علي السعودية ودول الخليج إلا أن الولاياتالمتحدة أصرت علي أن تبقي إسرائيل خارج المعركة، ودفعت إليها علي وجه السرعة وحدات من صواريخ الباتريوت مُجهزة بأطقم أمريكية، وبقي بعضها حتي بعد انتهاء الحرب. وظلت فكرة استبعاد إسرائيل من الصورة العملياتية مُستمرة حتي في حربي أفغانستان والعراق وإن لم تُستبعد من مستوي التخطيط الاستراتيجي والمعلوماتي في أي وقت. كل ذلك الحرص علي وضع إسرائيل خارج الصورة في طريقه إلي الزوال تدريجيا، وعلينا أن نتوقع وبصورة متكررة أن نري إسرائيل بجانب الولاياتالمتحدة في عمليات عسكرية ضد أهداف عربية أو إسلامية في المنطقة وبصورة ظاهرة وبدون تخف أو اعتذار. ومنذ أيام قليلة كشفت إسرائيل والولاياتالمتحدة عن وصول وحدة رادار أمريكي متطور جدا بطاقمه الأمريكي المُكون من 120 فردا والغرض زيادة قدرات الكشف والإنذار المبكر في إسرائيل ضد أي هجوم صاروخي خارجي. وفي هذا المجال بالذات _ مجال الدفاع الصاروخي _ استثمرت أمريكا من حُرْ مالها الكثير في إقامة منظومة متكاملة للدفاع الصاروخي في إسرائيل، بدأت بدعوتها الاشتراك في مبادرة الرئيس ريجان للدفاع الصاروخي، ثم مَوْلت بالكامل تقريبا مشروع أرو الذي يصنع حاليا في كل من إسرائيل وأمريكا، وتم نشر وحدات كاملة منه بعد أن تم اختباره ضد أهداف مختلفة ويجري حاليا تطوير أجيال جديدة منه. والجديد في هذا التعاون أن البلدين يعملان منذ فترة من أجل زيادة كفاءة نظام الدفاع الصاروخي من خلال دمج قدراتهم المختلفة في أكثر من مجال للوصول إلي أفضل مستوي ممكن في الكشف عن الأهداف المُعادية "مبكرا" واعتراضها "بدقة". لذلك يجري ومنذ سنوات التنسيق الفني والعملياتي بين النظم الأمريكية والإسرائيلية بما يعني "التناغم" بين الأقمار الصناعية الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك نظم الرادار الاستراتيجية والتكتيكية في البلدين والقدرات البشرية. فليس المهم في خصائص الصاروخ الاعتراضي نفسه الفنية والتكتيكية، ولكن في باقي أجزاء المنظومة التي تقوده إلي الهدف تحت ضغوط هائلة من السرعة والزمن. لذلك تُجري أمريكا وإسرائيل وبصورة دورية تدريبات مشتركة داخل إسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي للتأكد من قدرة الطرفين علي العمل معا في كل وقت. موضوع الدفاع الصاروخي ليس إلا مُجرد مثال، فمعظم قدرات إسرائيل الذرية والفضائية وفي مجال الطيران والتسليح كلها جاءت إما من أوروبا أو من الولاياتالمتحدة نتيجة الضغط الإسرائيلي الذي لا يتوقف والحماس ومهارة المعرفة بفن التحالف وأصوله الفكرية والعملية والتي لا نُجيدها في العالم العربي. وتصدر إسرائيل حاليا ما يقرب من 4 مليارات دولار في العام الواحد من الأسلحة المتقدمة، ويتهافت علي خبرتها كل من الهند والصين للحصول علي بعض ما استولت عليه إسرائيل من تكنولوجيا أمريكية متقدمة إلي درجة أن الولاياتالمتحدة هددتها بقطع هذه العلاقة إذا لم تلغ صفقة رادار متقدم جدا إلي الصين عقدتها إسرائيل من وراء ظهر الحكومة الأمريكية. وهناك ما يشير إلي أننا في مصر قد دُعينا في نفس الوقت للمشاركة في مبادرة الرئيس ريجان للدفاع الصاروخي، كما دُعيت الدول العربية وخصوصا دول الخليج للتنسيق الإقليمي علي مستوي الدفاع الصاروخي لكن لم يتحقق شيء ذو بال بسبب إسرائيل، وبسبب أزمة الثقة مع أمريكا نفسها، برغم أننا حاربنا بجانبها في 1991 . أتصور أن المنطقة والعالم مقبلون الآن علي مشارف تقاطع طرق بعد ثماني سنوات من تجربة أمريكية أسفرت عن نتائج متضاربة تتطلب الغربلة والفحص والاختيار. وأبرز هذه النتائج وإن لم تكن أهمها أن أمريكا والعالم الغربي بوجه عام، وبرغم انتقاداته أحيانا لإسرائيل، إلا أنه يثق فيها أكثر من الآخرين، وسوف يعتمد عليها أكثر من الدول العربية المُصنفة بأنها معتدلة والموالية للغرب لكنها مُفتقدة لرؤية استراتيجية واضحة، واختيارات حاسمة علي المستوي الإقليمي والدولي. فالواقع بالنسبة للولايات المتحدة _ وهذا ما نجحت إسرائيل بسهولة في ترسيخه _ أن عملية 11 سبتمبر قد خرجت من رحم هذه الدول، وأن شعوب الغالبية العظمي فيها كانت متعاطفة مع نتائج عملية 11 سبتمبر، وأن هذا مازال مستمرا حتي الآن طبقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة. كما أن التحولات والإصلاحات الداخلية في الدول العربية المعتدلة وغير المعتدلة تتحرك ببطء السُلحفاء ومازالت محكومة بتراث وتقاليد وممارسات تُرسخ العداء للغرب، وتدعوا إلي قيم تتعارض معه. وهناك في نفس الوقت وعلي الجهة المقابلة، تحالفات إقليمية تُنادي بصدام تاريخي مع الغرب ومع الدول المتعاونة معه، كما تنادي كل يوم بإزالة إسرائيل من خريطة العالم وهو ما قد يؤدي في النهاية إلي مواجهة شاملة مع العالم الغربي. وهذا يعني أن دولا مثل مصر والسعودية والأردن وغيرهم مستهدفون من الجانبين، وأن عليهم الاختيار بين إيران في جانب، وأمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي علي الجانب الآخر. وأتصور أن هذا الامتحان والاختيار الاستراتيجي الحاكم سوف يزداد صعوبة مع الإدارة الأمريكيةالجديدة، والسياسات الأوروبية الخارجية والأمنية في ظل ساركوزي، وفي إطار تصور أوروبي شامل ينظر لجغرافية المتوسط من منظور تعاوني صارم ممتد حتي إيران في الشرق، ويهدف من جهة إلي حل المسائل التاريخية المستعصية، ومن جهة أخري لن يقبل إقصاء إسرائيل أو إبعادها خارج الصورة خاصة أن سياسة التدخل العسكري المباشر داخل إقليم الشرق الأوسط لن تكون هي الاختيار المفضل للدول الكبري، وسوف يترك مسئولية ذلك للقوي الإقليمية القادرة علي الفعل والتغيير.