سرعة البت في الحكم تعطي إشارة ضوئية للآخرين بالتروي والتدبير والروع وتشجيع الفتيات والنساء علي التعبير الصحيح وعلي الخروج من شرنقة الخوف والعيب الذي يضيع حقوق وإنسانية وكرامة الفتاة بحجة الصح والسمعة والشرف الذي يشبه عود الكبريت أو الولاعة الأتوماتيك حالة من الاستنكار الذكوري اشتعلت في الشارع المصري بعد الحكم القضائي الصادر في أول قضية تحرش جنسي أقامتها فتاة مصرية رفضت الخضوع لقانون العيب و"تابوه" الخطيئة التي تلصق بأي فتاة تتعرض لأي نوع من أنواع الامتهان الجسدي والإيذاء النفسي وتعامل كجسد متحرك مثير للشهوات ومستباح من قبل من لا يملكون صفات الإنسانية والآدمية، استنكر الرجل العادي في الشارع سرعة البت في قضية من منظوره الضيق هي قضية شخصية لا تهم سوي رجل فلت عياره أو رجل في حالة نشوة واستثارة جنسية فمن حقه التعبير بأي شكل وبأي صورة تجاه من لا تحترم دينها، من وجهة نظره طبعا، فتخرج إلي الطريق العام متبرجة متزينة غير محجبة أو مخمرة أو منقبة، وبالتالي فهي تستحق ما ينالها من أي رجل.. واستنكار الرجل العادي جاء أيضا تعبيرا عن رفضه للتباطؤ الذي تعامل به قضايا حيوية تمس آلاف المصريين مثل قضية العبارة التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص ولا يزال القضاء يتداول في توصيف الجريمة الجماعية. وأيضا قضية الفساد الإداري والمالي في البنوك والشركات وحريقي القطار والمسرح وهدمي العمارات والعشوائيات والاحتكار والقروض وغيرها مما يؤرق الشارع المصري فلماذا تلك السرعة الشديدة في الحكم وتطبيقه علي رجل انبسط شوية زيادة ولم يفعل شيئا سوي استباحة جسد فتاة أثارته وفتنته، فهل أصبح القانون يطبق علي البسطاء ولا يمس من لديهم حصانات حتي ولو كانت جرائمهم مدمرة ومؤثرة علي المئات من المواطنين المصريين؟! كيف وصل هذا الفكر وهذا السلوك وهذا الشعور إلي هؤلاء البسطاء الذين يستمعون ليل نهار لخطباء الزوايا والمساجد في الشوارع والقري وعلي منابر الفقهاء في بعض المحطات الفضائية يستمعون إليهم وهم يجرمون المرأة ويلقون بالتهم والخطايا علي تلك التي تخرج إلي الشارع والتي لا تلتزم بقواعد الشرع فتتخفي وتصبح مجرد خيمة سوداء تسير بلا ملامح أو شخصية، ومن الأفضل أن تقبع في بيتها وإلا فمصيرها ومآلها هو التحرش والإيذاء النفسي والبدني. ونسي هؤلاء أن المرأة المصرية منذ بدء الخليقة تخرج للزراعة والرعي والعمل أو التي لا تعمل فهي المرفهة الثرية، وجموع النساء جزء من نتاج المجتمع، وذلك الفكر السلفي بأن المرأة ملكية خاصة فكر يدمر ولا يبني، كما أن مظهر المرأة لا يعطي الرجل أي كان الحق أو الرخصة في انتهاك حرمتها، ففي الغرب معظم النساء يرتدين ملابس كاشفة ومع هذا لا يوجد تحرش إلا في مجال العمل وذلك ليس بناء علي الملابس ولكن لظن الرجل أن قدرته هي استغلال منصبه وكرسيه في تحقيق مآرب شخصية وهناك أيضا تحرش نسائي ببعض الرجال إذا كانت المرأة في وضع القيادة، فالقضية هناك قوة وسلطة وهي قضية متعلقة بالوضع الوظيفي أو المالي وليس بمفاهيم دينية أو عقائدية أو تراثية. وإذا كان القضاء قد تأخر في البت في قضايا أدمعت عيون وقلوب المصريين، فليس معني ذلك أن يصبح الخطأ مباحا وليس معني أن القضة فردية أن الحكم لا يهم المجتمع ككل ولكن سرعة البت في الحكم تعطي إشارة ضوئية للآخرين بالتروي والتدبير والروع وتشجيع الفتيات والنساء علي التعبير الصحيح وعلي الخروج من شرنقة الخوف والعيب الذي يضيع حقوق وإنسانية وكرامة الفتاة بحجة الصح والسمعة والشرف الذي يشبه عود الكبريت أو الولاعة الأتوماتيك. الشارع المصري يئن ويتوجع والجراح تنزف وحالة من الفوضي الأخلاقية تستشري حتي أن السباب والشتائم واللعان والكلمات الخادشة للحياء أصبحت نوعا من التباهي بالرجولة والقوة وعدم الاكتراث بأي شيء، وأيضا مظاهر الإباحية في الملابس والشيشة وبنات الليل والدعارة المعلنة للنساء والشواذ من الشباب صارت أيضا جزءا من الصورة القبيحة في الشارع المصري، فلا خجل ولا شعور بالاستياء ومع كل هذا تبلد المواطن المصري وتضخمت داخله "الانيماليزم" أو "أنا مالي" كشعار يحيا ويعيش به واختفت عبارات الجدعنة والرجولة والشهامة ولم يعد هناك وجود لابن الحتة "العترة" المجدع"، فهذه الصفات انقرضت مع عصر العولمة والدش ومنابر أنصاف الدعاة وطغيان المادة وغياب الرقابة والأمن من الشارع ولكأن سوق الأخلاق غير من بضاعته المصرية الأصيلة واستورد البضاعة الصيني المضروبة الباهتة الصفراء أو تلك البضاعة الأمريكية الصنع التي تسير وفق معايير الأيزو وفكرة قانون لكل كلمة ولكل فعل ولكل حركة. القانون جزاء وعقاب وثواب وردع وأمان لكن القانون الأخلاقي النابع من داخل الإنسان هو الذي يضمن الأمن والأمان الداخلي وينمي شعور الانتماء لتراب وطن كان يوما قبلة الغرباء ومسكن الأحياء وأمانا لكل عابر سبيل. التحرش ليس قضية امرأة ورجل ولكنها قضية مجتمع يحيا حالة من التحرش الجماعي كل في موقعه.