حتي وقت قريب كانت "القرصنة" أول السطو علي الأفلام السينمائية تقف عند حد تصوير المصنف السينمائي في صالة العرب ونسخه علي C.D تم طرحه علي الأرصفة في الشوارع والميادين بأبخس الأثمان، نظرا لسوء التصوير ورداءة النسخة التي كان من السهل عليك أن تكتشف أنها صورت في قاعة العرض، لظهور الجمهور في "الكادر" والصوت الضعيف الذي يصعب عليك أن تتبين من خلاله مخارج ألفاظ الممثلين! لكن هذا النوع من "القرصنة" أصبح "موضة" قديمة بعدما تفتق ذهن "القراصنة" عن حيلة أخري "جهنمية" نجحوا بمقتضاها في بث الأفلام الجديدة، بعد أسبوع تقريبا من عرضها في صالات العرض، علي مواقع إلكترونية لا يتحرج أصحابها من ذكر عناوينها علي الملأ، فيما يشبه الإعلان عن أنفسهم، ووصلات عبر شبكة من الدوائر الخاصة المغلقة، في الوقت الذي لا تتحرك فيه جهة مسئولة واحدة؛ سواء شرطة المصنفات الفنية أو غرفة صناعة السينما، لمصادرة هذه المواقع والوصلات والقبض علي أصحابها الذين يدمرون صناعة تدر دخلا كبيرا يسهم في الاقتصاد الوطني ودون أن تتكلف الدولة مليما واحدا في بنائها أو حمايتها! القول إن ملاحقة هؤلاء "القراصنة" صعب إلكترونيا يدحضه الواقع الذي يؤكد قدرة ونجاح الأجهزة الأمنية في الكشف عن الجرائم الجنسية التي ترتكب عبر المواقع الإلكترونية، من فضائح وبث صور عارية للفتيات بإرادتهن أو كنوع من الانتقام منهن، بما يعني أن ملاحقة هذا النوع من الجرائم وضبط المتورطين فيه سهل وممكن. فما الذي يحول دون قيام الأجهزة الأمنية بدورها في مواجهة قرصنة تطور أدواتها وأساليبها لدرجة أن أفلاما جديدة مثل: "كباريه" و"كابتن هيما" مازالت تعرض في الصالات أخذت طريقها إلي جمهور المشاهدين في المنازل مع أفلام أخري رُفعت من الصالات لكنها لم تُُعرض بعد في الفضائيات مثل: "الأوله في الغرام"، "صباحو كدب"، "الجزيرة" و"مرجان أحمد مرجان". المؤلم في الأمر أننا فوجئنا عند مناقشتنا للجريمة مع المتضررين، ومنهم مبدعين ومهيمنون علي الصناعة، أن حالة من الإحباط تملكتهم، وكأنهم أعلنوا هزيمتهم ورفعوا الرايات البيضاء أمام القراصنة، بما يشجع علي استفحال الظاهرة، واستمرارها وكأنها "أمر واقع"، وهو ما لمسناه في حديث المخرج خالد يوسف عندما قال: لقد سمعت بما يحدث، وعلمت أن فيلمي "هي فوضي" و"حين ميسرة" تعرضا لهذه القرصنة المتطورة، لكن مواجهة القراصنة ليس دوري بل دور الدولة، التي ينبغي عليها بناء علي الاتفاقات الدولية التي وقعتها لحماية حقوق الملكية الفكرية أن تتحرك لملاحقة هؤلاء القراصنة، والحد من ارتكاب هذه الجرائم التي باتت ترتكب في العلن بشكل سافر لا يخفي نوعا من التحدي لسلطات الدولة. وفي تحرك يعكس سلبية أكثر منه رغبة في المواجهة الإيجابية يقول المنتج وليد التابعي: لقد أغلقت شركتي التي كانت تعمل في مجال الفيديو منذ عام 1984، بعدما اكتشفت أنني غير قادر علي مواجهة القراصنة ووسائلهم غير الشريفة وأصبحت أتكبد خسائر طائلة لأنني أتبع السبل القانونية بينما هم يجنون الملايين لاتباعهم الأساليب الملوثة وغير القانونية لذا اتخذت قراري منذ 4 أعوام بإغلاق الشركة وقت أن كان الفيلم يتم نسخه علي "سي دي" سعره لا يتجاوز السبعين قرشا ليباع بعد ذلك بخمسة جنيهات لكن هذا الأسلوب أصبح قديما وطرأت عليه أشكال متطورة كثيرة في القرصنة والسرقة وأصبح الفيلم يتسلل إلي مواقع ووصلات في نفس توقيت عرضه في الصالات في غياب يصل إلي حد المهزلة ويعكس حالة من الفوضي للقوانين التي تنظم هذه المسألة وتحمي حقوقنا كمبدعين ومنتجين وكأن الدولة غير دارية بأهمية هذه الصناعة والدور الذي تلعبه في الاقتصاد القومي، فهناك تسيب في دور العرض في السماح للأفراد بدخول الصالات بكاميرات أو توظيف "الموبايلات" لأداء هذه المهمة ولا أستبعد وجود تواطؤ من بعض رجال الأمن في هذه الصالات مع "القراصنة".. فقد كنت أطارد اللصوص بنفسي، لأنني أعرف أماكنهم وقدت عدة حملات ضدهم وبعدما أقبض عليهم وأسلمهم للشرطة أفاجأ بالإفراج عنهم نظير كفالة لا تتجاوز الخمسين جنيها "!". الفنان صلاح عبدالله يحذر من خطورة القضية قائلا: لقد علمت أن فيلم "الريس عمر حرب" يباع علي "سي دي" علي الأرصفة في وسط البلد كما سمعت أن أفلاما مثل "كباريه" و"مسجون ترانزيت" تعرضت للسطو وهذا أمر خطير لا ينبغي السكوت عليه لأنه سيؤثر في المستقبل القريب علي المنتجين ويتسبب في توقف العجلة الإنتاجية إذا أحس المنتج بأنه تكبد خسائر مادية فوق طاقته وأن الجمهور بات ينتظر رؤية الأفلام بوسائل أخري غير الذهاب لمشاهدتها في دور العرض علي الرغم من سوء الصورة والصوت في مثل هذه الأفلام الناتجة عن "القرصنة" والسطو وهو ما يدعونا لتنظيم حملات للتوعية من خطورة هذا الاتجاه والتأكيد علي أن المشاهدة الصحيحة ينبغي أن تكون في صالات العرض حيث الصوت الديجيتال والصورة الناتجة عن أحدث نظم العرض، والتحذير من الآثار السلبية لهذه القرصنة المتطورة علي صناعة السينما.. وتقليل فرص المنتجين والمستثمرين في الإقبال عليها واستثمار أموالهم فيها. ويقول المنتج كامل أبوعلي: سرقة الأفلام وهي مازالت في دور العرض كارثة كبري علينا أن نتصدي لها بكل ما أوتينا من قوة وأسلحة في المواجهة، فالقضية كبيرة لأنها ستتسبب في انسحاب المنتجين وإغلاق الشركات الإنتاجية في حال الخسارة المتوقعة وينبغي علي الدولة أن تفعل قانون حماية الملكية الفكرية للأفلام المصرية كما تفعل مع الأفلام الأمريكية، وتجريم هذا النوع من السرقات بقانون رادع سيجعل هؤلاء القراصنة يفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام علي ارتكاب جرائمهم. ماذا تفعل غرفة صناعة السينما؟ وما الخطوات التي تتخذها لمواجهة الظاهرة؟ يجيب منيب شافعي رئيس الغرفة: لقد أصبحنا نواجه أساليب متطورة في القرصنة بما يجعل المواجهة فوق طاقتنا فأنواع السرقة تعددت وتنوعت من النسخ عبر السيديهات إلي البث عبر الوصلات والقنوات المغلقة مجهولة المصدر، ولا أحد يهتم بمصلحة السينما بل الأولوية للكسب السريع حتي لو أدي إلي تدمير هذه الصناعة ومن ناحيتنا تبنينا عدة خطوات لحماية الصناعة لكن فوجئنا بأن القراصنة لجأوا إلي أساليب تكنولوجية متطورة كما يفعل أباطرة المخدرات في محاولاتهم الالتفاف علي الطرق التي تتبعها الأجهزة الأمنية في مكافحتهم والقبض عليهم، فالعبء أكبر من أن تواجهه الدولة نفسها وليس الغرفة وحدها وقد يكون صحيحا ما يتردد عن وجود تواطؤ من جانب بعض موظفي دور العرض لكن الموبايل، وحده يكفي اليوم خصوصا في تطور أشكاله وإمكاناته والمهمة صعبة بلا شك والتكاتف بين أجهزة الدولة وغرفة صناعة السينما لابد أن يستمر.