من المتوقع بل ربما من المؤكد في ظل الحالة المتردية للاقتصاد الأمريكي نتاج سياسات إدارة بوش الابن علي ما يبدو أن الأمور في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تسير نحو استمرار الجمهوريين بمرشحهم جون ماكين في البيت الأبيض لفترة رئاسة أخري، خاصة مع ضعف المنافسين الديمقراطيين كلينتون وأوباما، وهو الأمر الذي يفرض علي العديد من دول العالم الاستعداد لأربعة سنوات أخري من التعامل مع اليمين المحافظ المتشدد في البيت الأبيض، وهي سنوات يتوقع لها البعض أن تكون امتدادا لسنوات الرئيس بوش الابن الثماني ويتوقع البعض الآخر أن تكون ربما أسوأ بكثير من سنوات بوش. جون ماكين الذي صرح أكثر من مرة بنيته إبقاء القوات الأمريكية في العراق بلا نهاية يعطي انطباعا بأن اليمين المحافظ الأمريكي مازال في جعبته الكثير الذي لم تنفذه إدارة الرئيس بوش الابن، وأن هناك ملفات معلقة يجب حسمها وغير مضمون حسمها في ظل إدارة الديمقراطيين في البيت الأبيض، ومنها ملف إيران النووي الذي ثبت خلال الأعوام القليلة الماضية أن إدارة الرئيس بوش كانت قد اتخذت قرارا قاطعا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران لكن الظروف الدولية لم تواتها لتنفيذ هذا القرار. وهناك أيضا ملف الدرع الأمريكية المضاد للصواريخ الذي يلقي معارضة شديدة من روسيا ودول أخري، وملف الشرق الأوسط الذي اعتادت الإدارات الأمريكية أن تتركه معلقا بدون حسم، ولكن إدارة بوش كانت قد قررت محاصرة سوريا ولم يسعفها الوقت لإكمال هذا الحصار وفرض العقوبات عليها وربما التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية لها أيضا بالتعاون مع إسرائيل، وهناك ملفات إفريقية هامة، علي رأسها ملف دارفور في السودان الذي ستتركه إدارة بوش وهو مشتعل وعلي وشك الانفجار ويحتاج لمن يحصد ثمار هذا الانفجار. هذه الملفات وغيرها لا يمكن الاعتماد علي إدارة الديمقراطيين في تنفيذها وحسمها، فقد اعتاد الأمريكيون علي انشغال الديمقراطيين في البيت الأبيض بالمسائل الاقتصادية والشأن الداخلي أكثر من اهتمامهم بالشأن الخارجي والتحركات العسكرية وإشعال الحروب. ومن المتوقع بل ربما من المؤكد في ظل الحالة المتردية للاقتصاد الأمريكي نتاج سياسات إدارة بوش الابن فإن أي رئيس ديمقراطي سيضع علي رأس أولوياته الإصلاح الاقتصادي، مما سيعني توجيه الميزانية والإنفاق داخليا وإهمال الميزانية العسكرية، الأمر الذي يهدد مصالح إمبراطوريات السلاح والنفط الأمريكية التي تتحكم إلي حد كبير في سير العملية الانتخابية الرئاسية. كل هذه الأمور ربما لا تدعو للتفاؤل لدي الكثيرين، لكنها لدي آخرين تدعو للتفاؤل لأسباب أخري، وربما يكون أكثر المتفائلين من بقاء اليمين المحافظ في البيت الأبيض الدول الكبري مثل روسيا والصين والهند ودول أوروبية مثل ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا وربما أيضا فرنسا. وكذلك يتفاءل بها دول أخري صغيرة مثل دول أمريكا اللاتينية فنزويلا وبوليفيا وكوبا وغيرها، ودول أخري مثل إيران وبعض دول الشرق الأوسط، وما يجمع كل هذه الدول معا ويحملها علي التفاؤل هو أن سياسة المحافظين الجمهوريين في البيت الأبيض هي الكفيلة في النهاية بتقهقر الهيمنة الأمريكية علي الساحة الدولية وأن استمرارها أربع سنوات أخري قد يضع حدا لسياسة هيمنة القطب الواحد علي الساحة الدولية والسائدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. لقد استطاعت سياسة اليمين المحافظ في البيت الأبيض خلال الأعوام الثمانية من حكم الرئيس بوش الابن أن تحشد العديد من شعوب وأنظمة الحكم في العالم علي كراهية الولاياتالمتحدة الأميركية، هذه السياسة التي تأسست علي الأكاذيب والخدع المتكررة والتي نتج عنها أكثر من مليون قتيل وملايين الجرحي والمشردين واللاجئين في العراق وأفغانستان، وهي السياسة التي أغرقت القوات العسكرية الأمريكية في حروب ومستنقعات لم تحصد منها حتي الآن أية انتصارات تذكر، وجعلتها في وضع هو الأسوأ لها في تاريخ الولاياتالمتحدة، مما أصاب هيبة القوة العظمي في الصميم وأفقد الشعب الأمريكي الإحساس بالانتماء للدولة العظمي. سياسة اليمين المحافظ في البيت الأبيض خلال الأعوام الماضية لعبت أيضا دورا فعالا في فقدان الولاياتالمتحدة للكثير من حلفائها وأصدقائها الأوروبيين القدامي الذين وصفتهم إدارة بوش ب "أوروبا العجوز" بحيث بات حلف شمال الأطلسي الذي كان يجمع هذه الدول تحت قيادة واشنطن يعاني من مشاكل معقدة يصعب حلها وبات علي وشك الانهيار بسبب تخلي الأوروبيين عن دعمه في جنوبأفغانستان. أيضا هذه السياسة لعبت دورا كبيرا في التقريب بين دول من خصوم واشنطن لم تكن أي ظروف لتقرب بينها لولا السياسة الفاشلة لليمين المحافظ الأمريكي، فمن كان يتصور أن تنهض روسيا بهذه السرعة وتستعيد مكانتها علي الساحة الدولية تحقق نجاحات هائلة علي المستوي الإقليمي والآسيوي في تكوين تحالفات وتجمعات بين دول في شكل منظمات كلها معادية للسياسة الأمريكية. ومن كان يتصور أن الهند والصين تصبحان دولتين صديقتين بعد سنوات العداء الطويلة بينهما، بل حتي من كان يصدق أن يحدث هذا المستوي من التقارب بين روسيا والصين، والذي وصل في إطار منظمة شنغهاي للتعاون إلي مستوي إجراء مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق بينهما طلبت واشنطن حضورها كمراقبة ورفض طلبها، ومن كان يصدق ظهور أنظمة ثورية جديدة في أمريكا اللاتينية التي كانت حديقة الأمن للولايات المتحدة وأهملتها إدارة بوش لدرجة أنها أصبحت في معظمها تقودها أنظمة حكم مناهضة للسياسة الأمريكية ورافضة لهيمنتها عليها.