علي مدي ايام قليلة قضيتها في الولاياتالمتحدة، تمكنت من القاء نظرة سريعة علي الحالة المزاجية العامة للجمهور الامريكي بالنسبة للانتخابات الرئاسية، سواء من تعليقات رجل الشارع أو من الصحافة المحلية. والخلاصة السريعة هي ان الرئيس جورج دبليو بوش ربما يفوز بفارق ضيق في الانتخابات التي تجري في الثاني من نوفمبر المقبل. ولا تستند هذه الخلاصة الي المعايير التي يناقشها المثقفون والمعلقون مثل الاقتصاد أو السياسة الخارجية أو "القضايا الكبري" الأخري، بل علي الاستلطاف الشخصي فالرئيس بوش مقبول جماهيريا اكثر من المرشح الديمقراطي للرئاسة السناتور جون كيري. ومع السماح، بقرار محكمة، لرالف نادر بالمنافسة في فلوريدا فقد يسحب بعض الاصوات "المعادية لبوش" مقللا من نصيب كيري من اصوات الولاية الحاسمة في المجمع الانتخابي. وتعد نتيجة فلوريدا في غاية الأهمية، فاذا فاز بها بوش بقي في البيت الأبيض أربع سنوات أخري، وإذا خسر فلوريدا خسر معها الرئاسة. ومع اشتداد حمية الحملة الانتخابية في الاسابيع المتبقية علي موعد الانتخابات، يتحول التركيز الي الجوانب الشخصية وقد اضطر المذيع التليفزيوني الأشهر، دان راذر مذيع محطة سي بي اس، للاعتذار علي استخدامه وثيقة مشكوكاً في صدقيتها تتهم بوش بعصيان الأوامر خلال خدمته في الحرس الوطني. وبعد تدقيق التوقيعات علي الوثيقة، وتعرضها لانتقادات من الخبراء اعترف راذر بأن المعارضين لبوش ربما "فبركوا" المسألة وتورط هو في استخدام الوثيقة المزورة. وكان الأثر سلبيا علي حملة الديمقراطيين الانتخابية، رغم انه لم تثبت اي علاقة بين الوثيقة وحملة كيري. علي النقيض، كان لوثيقة سابقة نشرها محاربون في حرب فيتنام تتهم كيري بالكذب بشأن خدمته في افغانستان وعدم احقيته في أوسمة الشرف ونياشين المديح اثر سلبي علي حملة كيري واضطر بوش الي ادانة الوثيقة واعلان عدم معرفته بها رغم تمويل الدعاية من جمهوريين وعلاقة محام مقرب من بوش بمن نشروها. وأضاف موقف بوش الي صورته الشخصية المقبولة لدي الجماهير الامريكية. ومع ما نشهده من زوال ايام الايديولوجيا والمبادئ في السياسة، تسود سياسات العواطف والشخصانية ونشهد هذا بوضوح في السياسة البريطانية، مثلا الآن حيث تقتصر اخبار ويستمنستر علي كل ما هو شخصي وعاطفي بدلا من مفاضلة السياسات والقدرات المهنية. وعلي رغم الحرب المكروهة في العراق وتباطؤ الاقتصاد، يكسب الرئيس بوش في استطلاعات الرأي ومع ان كيري يتخطي بوش في الاستطلاعات بشأن قضايا مثل الرعاية الصحية وتوفير الوظائف، قد تجلب ميزة الوجود في السلطة بعض الأصوات لبوش كذلك التركيز علي قضايا الأمن الوطني تعطي بوش ميزة كبيرة علي كيري في استطلاعات الرأي وبمراجعة ارقام الانتخابات الامريكية منذ عام 1948 نجد ان الرئيس الحالي يحصل عادة علي نصيب اكبر من الأصوات في يوم الانتخابات عما تظهره استطلاعات الرأي ويعني ذلك ان الرئيس الذي يسعي لفترة رئاسة ثانية لديه احتياطي تصويت لا يظهر قبل الانتخابات، ربما لميزة ان الجماهير جربته وعلي مدي المئة عام الماضية لم يفشل في الفوز بفترة رئاسة ثانية سوي ثلاثة رؤساء فقط هم هربرت هوفر عام 1932 وجيمي كارتر عام 1980 وجورج بوش الاب عام 1992 وكان الثلاثة قد رشحوا لفترة ثانية في وقت شهد فيه الاقتصاد ركودا. أما الآن فإن الاقتصاد الامريكي ليس بهذه الدرجة من السوء ويتوقع المحللون نموا بنحو اربعة في المئة هذه السنة. وعلي رغم تباطؤ نمو الوظائف في الصيف، الا انه من المتوقع ان تعاود النمو، كما ان ثقة المستثمرين والمستهلكين في الاقتصاد لا تزال قوية وهكذا لا يبدو ان الاقتصاد سيزيح بوش من البيت الأبيض، ويثبت التاريخ انه لا يوجد عامل آخر يمكنه ازاحته مادمنا قد استبعدنا الاقتصاد اما بالنسبة للحرب علي الارهاب، فإن استطلاعات الرأي تعطي بوش الافضلية ومع تعاظم اهمية الامن الوطني بهذه الدرجة، للمرة الأولي منذ حرب فيتنام، تقدم استطلاعات الرأي السياسة الخارجية علي الاقتصاد. وهذا الدعم لبوش في ذلك المجال قد يكون في غاية الأهمية. ومما ساعد بوش ايضا قوة الدفع من مؤتمر الحزب الجمهوري لترشيحه في نيويورك فقد تحرك الحزب نحو الوسط بالتركيز علي المعتدلين فيه من امثال السناتور عن اريزونا جون ماكين وحاكم كاليفورنيا ارنولد شوارزنجر وعمدة نيويورك السابق رودولف جيلياني وان ظل الحزب كما هو يمنيا بشدة، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية الا ان الدعم الذي تلقاه بوش من المعتدلين قد يساعده في كسب الأصوات غير المقررة حتي الآن. وربما يتقدم بوش اذا نجح في تركيز اهتمامات الناخبين علي قضية الأمن الوطني بدلاً من القضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية أو زواج المثليين جنسيا وفي معظم استطلاعات الرأي يتقدم بوش علي كيري بما بين 8 و10 نقاط في قضايا مثل "القيادة القوية" و"خوض الحرب ضد الإرهاب" ولا شك ان فريق بوش سيدفع بهذه القضايا الي مقدمة الحملة الانتخابية في الاسابيع المقبلة. والمعروف ان الرئيس الامريكي لا ينتخب بالتصويت الشعبي، بل بتصويت ما يسمي المجتمع الانتخابي، الذي يضم ممثلي الولايات ومن شأن اي تغيير، ولو طفيفاً، في المزاج الانتخابي لولاية واحدة ان يجعل كل نتائج استطلاعات الرأي الجماهيرية بلا معني علي الاطلاق لكن الشيء المؤكد ان جاذبية بل كلينتون واستلطاف الجماهير له لن تنفع زميله الديمقراطي مرشح الرئاسة ذا الشخصية الباهتة واذا لم يكن أمام الامريكيين سوي الاختيار بين بوش وكيري، كما هو الحال، فسيختارون بوش ولو بفارق ضئيل. وهذا ما يخص الشعب الامريكي، اما ما يخص بقية العالم اجمع الذي يتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية في القوة العظمي الوحيدة في العالم فله حديث آخر.