طالب ممثلو منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان وعدد من أعضاء مجلس الشعب وأساتذة الجامعات بسن مشروع قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية بديلا للقانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، يؤدي إلي إطلاق حرية تشكيل الجمعيات، ويسهل إجراءات تسجيلها، بأن يكون التسجيل فقط بإخطار الجهة الإدارية دون الحاجة للحصول علي ترخيص مسبق، كما يزيل العقبات القانونية والإدارية والمالية التي تواجه هذه الجمعيات أثناء عملها. جاء ذلك في ختام فعاليات المؤتمر العام الذي عقدته المنظمة المصرية لبدء "حملة المنظمة لإطلاق حرية الجمعيات الأهلية ولتعديل قانون الجمعيات في محافظات مصر"، وذلك بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية وبدعم من الاتحاد الأوروبي. وأوضح حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية أن الحملة تعتبر امتداداً للمشروع الذي بدأته المنظمة المصرية ومؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في سبتمبر 2007 لإصلاح القوانين (الأحزاب والجمعيات والنقابات العمالية) في 5 دول عربية من بينها مصر، وانتهي بمؤتمر إقليمي تحت رعاية جامعة الدول العربية بالقاهرة في منتصف يناير 2008، عرض فيه ما توصلت إليه مجموعات العمل في الدول العربية الخمس (مصر، الأردن، فلسطين، لبنان، اليمن). وأضاف أبو سعده أن الحملة تشمل محافظات شمال وجنوب مصر للنقاش حول مفهوم المجتمع المدني،والدور الواجب أن تلعبه الجمعيات الأهلية في دعم المجتمع كشريك في التنمية، والقيود التي تواجه هذه الجمعيات وكيفية التغلب عليها، وصولاً إلي مشروع قانون جديد للجمعيات الأهلية بديلا للقانون رقم 84 لسنة 2002. وأكد الأمين العام للمنظمة المصرية أن الحملة تهدف إلي تحقيق عدة أهداف من بينها، تحرير الجمعيات الأهلية من خلال تقديم تصور لقانون بديل عن القانون رقم 84 لسنة 2002 يحد من تدخل الجهات الحكومية ويشجع الجمعيات علي العمل بفاعلية في المجتمع، ويمكن الجمعيات الأهلية من التعبير عن أفكارها والمشاركة في صياغة قانون يساعدها علي العمل بحرية، ويزيل العقبات القانونية والإدارية والمالية التي تواجه عملها،ويفض الاشتباك بينها وبين الجهات الإدارية، ويجعل القضاء المصري الفيصل النهائي في الأمر. من جانبه أكد د. رونالد ماندريوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان أن حرية التجمع مبدأ أساسي لكل من الديمقراطيين والليبراليين، مشيراً إلي أنه لا توجد ديمقراطية بأي حال من الأحوال بدون حرية التجمع. وأعرب عن سعادته بالتعاون مع المنظمة المصرية في هذا الإطار. وأكد بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن الجمعيات الأهلية محبوسة في قفص، الأمر الذي يضع العديد من التحديات علي هذه الجمعيات، يأتي في مقدمتها القانون رقم 84 لسنة 2002. ووصف حسن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية بأنه بمثابة قانون للمنع وليس قانونا لتنظيم عمل ونشاط الجمعيات الأهلية، طبيعة هذا القانون وفلسفته وجوهره هو التحكم والتقييد، وليس حرية إنشاء وإدارة وتنظيم الجمعيات، فهو ينتهك بشكل واضح حقوق الجمعيات بداية من التأسيس، إذ يشترط الحصول علي تصريح من الجهات الإدارية خاص بذلك، الأمر الذي يتنافي شكلاً ومضموناً مع المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فضلاً عما لجهة الإدارة من حق في التدخل بشكل مستمر في شئون الجمعية بدءاً من تشكيل الجمعية إلي تفاصيل العمل اليومي. وطالب مدير مركز القاهرة بإطلاق حرية تكوين الجمعيات من خلال سن قانون جديد يقوم علي فلسفة تحريرية، مؤكداً أن هذا التعديل لا يعني فئة معينة ولكنه يعني كل مواطن مهموم بمشاكل هذا الوطن وقضاياه، كما أن هذا المطلب يتصل بتعديل القوانين الأخري المقيدة للحقوق والحريات العامة، ومنها قانون الأحزاب السياسية،و قانون النقابات المهنية، وقانون النقابات العمالية، وكذلك قانون الصحافة...إلخ. وعن التحديات التي تجابه الجمعيات الأهلية في مصر، أوضح د. مجدي عبد الحميد رئيس جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية أن هناك تحديات أساسية أولها : عدم رغبة الحكومة أو الحزب الحاكم في أي مشاركة جادة من المواطنين في الانتخابات والاستفتاءات العامة، وثانيها : عزوف المواطنين عن المشاركة نتيجة الاستبداد، وثالثها: القانون المنظم للعمل الأهلي رقم 84 لسنة 2002 والذي يفرض قيوداً مشددة علي الجمعيات والمؤسسات الأهلية، رابعها: استحواذ الأمن علي اتخاذ القرار، فالأمن هو المتحكم بشكل أساسي في سير عملية المشاركة. وأكد د. إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أنه لا قيمة للتعددية بدون حق التجمع، فالنظام الحاكم أصبح مسيطرا علي كل أركان الحكم مع إقصاء واضح وصريح لكل السلطات الأخري، ولهذا ونحن بصدد الحديث عن الجمعيات يجب أن ندرك جيداً أن الأزمة ليست في قانون بعينه،بقدر ما هي نابعة من أزمة مجتمع كامل يسعي النظام إلي تهميشه. أما د. أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب فقد أكد أن حق التنظيم هو حق طبيعي سابق في الوجود علي الدولة والدستور، فالمجتمع لا ينهض دونما حق التنظيم كما أن هذا الأمر مرتبط بالطبيعة الإنسانية،فالإنسان مدني بطبعه يميل إلي الاجتماع،و لهذا فقد عمد أساطين القانون الدستوري علي التأكيد علي هذا الحق من خلال مداولات مجلس الأمة المصري عقب إقرار دستور 1923 والذي أكد بأن حق التجمع هو حق مكفول لكل فرد. وتناول أبو بركة بالنقد والتحليل مساوئ قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 والتي تتمثل في القيود المشددة المفروضة علي حق التأسيس وإشهار الجمعية، والتشكيل المعيب للجنة الخاصة بفض المنازعات وما تتمتع به من سلطات واختصاصات جمة، وحل الجمعيات. وانتقد أبو بركة المادة 11فقرة 3 والمادة 20 فقرة 2 والمادة 23 من القانون لما تتسم به من عمومية مطلقة. وأكد أحمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك للقانون أن التشريع في مصر يتسم بثلاث سمات جوهرية آلا وهي : طريقة إعداد التشريعات، إذ تعد بمنطق الهجوم علي المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، مناقشة التشريعات، من المتعارف عليه في الدول المتقدمة والمتحضرة أن تجري مناقشة هذه التشريعات والحوار حولها مرتين أو أكثر، بغية معرفة الهدف منها، ولكن ذلك لا يحدث في التشريع المصري، ماهية الهدف من التشريعات، وينحصر الهدف من القوانين بين السيطرة علي المجتمع أو التعبير عنه، وما يحدث في الواقع المصري هو السيطرة، إذ تسعي الدولة إلي إسكات جميع الأصوات، ومن بينها صوت الجمعيات، وصوت الأحزاب، وصوت النقابات...إلخ. وقال المستشار محمد عامر عضو مجلس الشعب أننا بحاجة إلي تعديل جذري لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، مطالباً بأن يكون إنشاء الجمعيات بالإخطار، مع كبح جماح اختصاصات السلطة الإدارية في شأن حل الجمعيات،حيث لا يصبح الحل إلا بقرار من القاضي المختص، وأن يكون الأصل في تلقي الهبات والمنح الإباحة مع إخطار الجهة الإدارية بتفاصيل هذه المنح أو الهبات، فالأصل هو الحق المطلق في التأسيس وغل يد الجهات الإدارية. واتفق معه في الرأي فريد زهران مدير مركز المحروسة، مؤكداً أن القانون رقم 84 لسنة 2002 يسلب حق الجمعيات في حرية الاجتماع والتنظيم والتكوين، إذ تفرض السلطات الإدارية والجهات الأمنية قيوداً مشددة علي هذه الجمعيات، إذ تتعامل أجهزة الدولة مع الجمعيات من منطلق الوصي عليها، مطالباً بضرورة سن قانون جديد للجمعيات يحقق آمال وطموحات منظمات العمل الأهلي. وأوضح أحمد عبد الحفيظ نائب رئيس المنظمة المصرية أن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية يتضمن العديد من السلبيات، إذ نصت المواد من 2 إلي 5 من القانون علي الشروط الواجب توافرها للتقدم لجهة الإدارة بطلب قيد إحدي الجمعيات في السجل الخاص المعد لذلك. وهي شروط كثيرة ومتعددة،ويقدم الطلب علي نموذج خاص معد لذلك،مؤكداً أن كثرة الشروط علي هذا النحو يتيح للإدارة فرصة الاعتراض علي ما تقدره من مخالفات في النظام الأساسي للجمعية أو القانون أو فيما يتعلق بالمؤسسين، وهو ما نصت عليه بوضوح المادة الثامنة من القانون. ومن السلبيات الأخري التي تعتري القانون، أشار عبد الحفيظ إلي أن القانون قد أعطي لوزير الشئون الاجتماعية (التضامن الاجتماعي حاليا) سلطة حل الجمعية بقرار مسبب منه بعد أخذ رأي الاتحاد العام للجمعيات وبعد سماع أقوال الجمعية وذلك إذا وقعت من الجمعية أحدي المخالفات الست التي حددها القانون وهي....الحصول علي أموال من الخارج او ارسال أموال دون إذن،والتصرف في أموالها في غير أغراضها،وارتكاب مخالفة جسيمة للقانون أو النظام العام أو الآداب، والانضمام أو الاشتراك أو الانتساب لنادي أو جمعية أو هيئة خارج البلاد،أو جمع تبرعات في الداخل دون إذن، أو ثبوت أن حقيقة أهدافها هو ممارسة أنشطة من التي حظر القانون ممارسة الجمعيات لها. وأكد أ. أبو العز الحريري عضو مجلس الشعب الأسبق أهمية إصلاح البيئة السياسية والقانونية في مصر، إذ لا يقتصر الأمر علي القانون المنظم لعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضيق النطاق علي تلك الجمعيات، وإنما الأمر يمتد ليشمل الأحزاب والنقابات والصحافة والقضاء، فجميع هذه القوانين بحاجة إلي إصلاح جذري وفوري، ولكن يجب قبل كل ذلك إصلاح البيئة السياسية أولاً. وطالب الحريري الجمعيات الأهلية النزول إلي الجماهير بهدف معرفة مشاكلها واحتياجاتها، فالجماهير هي الطريق الوحيد إلي التغيير. وأشارت د. هويدا عدلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا إلي أن الجمعيات الحقوقية هي التي تطالب وحدها بتعديل قانون الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة، الأمر الذي يمثل طائفة محددة من الجمعيات، وعليه يجب تكاتف كل الجمعيات سواء الحقوقية أو الأهلية الأخري من أجل مجابهة التحديات التي تواجه جميع الجمعيات سواء كانت تنموية أو حقوقية وتعديل القانون الخاص بها، داعية إلي فتح حوار مشترك بين الجمعيات والحكومة حول التعديلات المطلوبة في القانون رقم 84 لسنة 2002. وأوضح د. أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن العمل الأهلي في مصر يعاني من العديد من مواطن الخلل ومن بينها، قيام أغلب المنظمات علي الشخصنة والمركزية في القرار، وغياب ثقافة التطوع، وغياب الشفافية والمحاسبة، يضاف إلي ذلك البيئة السياسية والتشريعية المعيقة لعمل هذه الجمعيات.