غالبا ما تواجه الموافقة المشروطة، في كل مفاوضات، بالرفض القاطع؛ إذ إن القبول بها يعني من جانب كل الأطراف نوعا من الاستسلام أو الخضوع والإذعان، ويؤكد ضمنيا أن طرفا انتصر علي الآخر، وهذا ما لا يرضاه الطرف الثاني حتي لا ينظر إليه بأنه مهزوم (!) غير أننا في حالة مثل التي وجدنا أنفسنا فيها مؤخرا والتي نتبني فيها مبادرة لعودة الفنانة الكبيرة شادية للساحة الغنائية؛ حتي لو اقتصرت عودتها علي تقديم الأغنية الدينية فقط، نعلن موافقتنا علي هذه العودة المشروطة! ربما يثور تساؤل عن السر وراء إعلان مبادرة كهذه، أو المغزي وراء إطلاقها في هذا التوقيت، والإجابة يحملها إلينا الحفل الذي أعادت إذاعة الأغاني بثه مع الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، والذي جرت وقائعه في مسرح الجمهورية في الثالث عشر من شهر نوفمبر من عام 1986، وكان الحفل الأخير الذي أحيته الفنانة الكبيرة شادية؛ ففي هذا الحفل الذي شهد تدشين "الليلة المحمدية" في أروع صورها، والتي لم تتكرر من بعد علي الرغم من استمرار هذه الليالي بمطربين ومنشدين آخرين، كانت "حبيبة مصر" في أوج تألقها، وهي تشدو، لأول مرة، بأغنية "خد بايدي" من كلمات علية الجعار وألحان عبدالمنعم البارودي، وكأنها علي موعد مع القدر، فاستقبال الأغنية كان غير عادي من جانب الجمهور، الذي لم يكتف بالتصفيق كعلامة علي الاستحسان والتجاوب، بل أصر علي مطالبتها بإعادة أكثر من "كوبليه" خصوصا الذي تقول فيه: "وادي حالي وحال جميع المؤمنين.. اللي آمنوا بالنبي الهادي الأمين.. اللي جه رحمة لكل العالمين.. يا نبينا يا ختام المرسلين" لكن المشاعر بلغت ذروتها، وهي تنادي بكل ما أوتيت من خشوع وتوحد: "خد بايدي"، التي قالتها ثلاث مرات، وكأنها تطلب النجاة من شيء نجهله، ومرة أخري استوقفها الجمهور فقالت كلمتها الأخيرة التي رأت أنها الفصل، ولم تزايد بعدها، أو تزيد بكلمة، والتي كان نصها: "أنا سعيدة بتعاوننا إحنا الثلاثة تشير إلي علية الجعار وعبدالمنعم البارودي لأول مرة، وأتمني أن نتقدم في هذا اللون الغنائي الجميل.. ومن هنا، وبمناسبة إعادة الحفل والكلمة عبر إذاعة الأغاني رأينا أن نتبني مبادرة لعودة المطربة الكبيرة شادية إلي الساحة، حتي لو كانت عودة مشروطة بتقديم الأغنية الدينية فقط، وإليها نتوجه بهذه المبادرة، التي نطالبها فيها بأن تحقق أمنيتها التي أعلنتها علي الملأ في تلك الليلة، بأن تواصل تقديم هذا اللون الغنائي الجميل. فهل تعيد "حبيبة مصر" موقفها، وتراجع قرارها، وتستجيب للمبادرة وتعود للساحة.. والغناء؟! لقد جرت العادة أن ندبج المقالات المستنكرة ونرفع اللافتات الرافضة في وجه كل فنانة اختارت ارتداء الحجاب والاعتزال بإرادتها ثم أعلنت التراجع والعودة بشروطها، والمثال علي هذا في حالة الفنانات اللاتي اعتزلن ثم عدن فجأة مثل: سهير البابلي وسهير رمزي وصابرين وحنان ترك وغيرهن، وليس هناك تناقض علي الإطلاق بين موقفنا الرافض لعودتهن المشروطة، ومبادرتنا التي نناشد فيها شادية بالعودة للساحة، حتي لو كانت عودة مرهونة بالغناء الديني فقط، فالفارق كبير بينهن وبين شادية، التي عف لسانها طوال الوقت، فلم يذكر مثلا أنها أدلت بحديث في أي مناسبة تهاجم فيه الفن وتكفره أو تجرم العاملين به أو فيه، مثلما لم تتباه يوما بأنها تابت وأنابت وأبدت ندمها علي الفترة التي أمضتها كفنانة أو تمنت لو أنها استطاعت شراء أفلامها لتحرقها، كما حدث من الفنانات اللاتي سارعن بتكفير الفن، فور إعلان اعتزالهن، ولم يوفرن وسيلة للهجوم عليه وتحذير الفنانين من مغبة الاستمرار في غيهن وضلالهن، حتي لو أدي الأمر إلي الاجتماع بهن، أو حثهن علي حضور مجالس الدعاة الجدد لاستتابتهن (!) وفجأة كن أول من انقلبن علي أنفسهن، وبدلن مواقفهن، وقررن العودة للتمثيل والتكسب من الفن، الذي كان "حراما" حتي وقت قريب (!) لهذا كانت ردة الفعل الرافضة لقراراتهن طبيعية وتعكس استنكارا لازدواجية مواقفهن ودهشة مصحوبة بالسخرية تجاه الشطط الدائم من جانبهن، بينما زاد إكبارنا وتقديرنا وتبجيلنا لمواقف العظيمة شادية وقراراتها التي لم تبدلها الظروف أو تغيرها. وجاء حفل الليلة المحمدية، الذي أذيع بعد 22 عاما من اعتزالها في هدوء، ليدعونا لمناشدتها العودة في وقت لا تتردد فيه عن مطالبة كثيرات غيرها بالرحيل.