أمس السبت مرت الذكرى الثامنة والعشرون لرحيل الشاعر الكبير مرسى جميل عزيز، الذى غنى كلماته أساطين الغناء والطرب مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وفايزة وصباح وعبدالعزيز محمود ونجاة وشادية ومحرم فؤاد وحورية حسن وأحلام وفاطمة علي وكارم محمود ووردة، التى غنت بعد رحيله "أكدب عليك".. وهو الشاعر المعاصر المصرى الوحيد الذى غنت له فيروز قصيدته الرائعة "سوف أحيا" وصار اللقاء بينهما نقطة فارقة، ليس فى مسيرته الإبداعية فحسب، بل فى الحياة الثقافية العربية بوجه عام، وأصبحت الأغنية بعدها واحدة من أهم الأغنيات فى تراث الإذاعة المصرية، حيث سجلت فى ا ستديوهاتها أثناء زيارة فيروز والرحبانية لمصر، ومن بعدها توطدت العلاقة الإنسانية بينهم، وعلى الرغم من أن مرسى جميل عزيز متعدد الألقاب، والتى كان أشهرها "شاعر الألف أغنية"، لا يحتاج إلى تقديم لشخصه أو تنويه بمنجزه العظيم، إلا أن الإشارة واجبة إلى قدرته الفائقة على تنويع كلماته وأغنياته من الوطنية التى تغنت بالثورة والوحدة مع سوريا وأيضاً انتصار أكتوبر إلى الدينية والشعبية والرومانسية والعائلية، إذا جاز القول، فهو صاحب "بيت العز" و"زغرودة حلوة رنت فى بيتنا" والأغانى التي تبعث على الأمل والتفاؤل، كما فى "ليه تشغل بالك" و"ضحك ولعب" وهو أيضاً صاحب القصيدة الشعرية والأغنية الإنسانية التأملية مثل "غريبة منسية" لنجاة و"أعز الناس" لحليم و"من غير ليه" لعبد الوهاب، وهو الذى دفع حسين كمال لأن يجعل من عبدالمنعم مدبولى مطرباً فى فيلم "مولد يادنيا" عندما كتب له "طيب ياصبر طيب". هل تأخرنا فى تكريم الماسة العزيزة صاحب "بلدى أحببتك" لمحمد فوزى و"بلدى يا بلدى" لعبدالحليم و"الفوازير" التى التبس علي البعض مؤلفها حتى ظنوا أنها من تأليف صلاح جاهين؟! لقد بدأنا بأنفسنا، وخصصناً له هذه الصفحة التي استضفنا فيها ابنه اللواء مجدى مرسى جميل عزيز، ونقدمها تحية فى ذكراه العطرة، وتأكيداً على قيمة هذا المبدع الكبير، الذى لا نظن أنه ظلم حياً أو ميتاً، بعدما كرمته الدولة بوسام الجمهورية للآداب والفنون عام 1965، وأطلقت محافظة الشرقية اسمه على الشارع الذى كان يسكن فيه بمدينة الزقازيق، وفى واقعة هى الأولى من نوعها خصصت جامعة الزقازيق جائزة باسمه تقدم لأول خريجى قسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة. اللواء مجدى مرسي جميل عزيز يتحدث عن ابيه: ولد في عائلة كبيرة من كبار تجار الفاكهة بمدينة الزقازيق، ومكنه والده الحاج جميل مرسى عزيز من أن يشبع ميوله واهتماماته الأدبية والفنية، التى ظهرت مبكراً وتحديداً فى سن الثانية عشرة، فقد ولد فى 9 يونيه من عام 1921 بمدينة الزقازيق فى محافظة الشرقية، وفى مدرسته الثانوينة وبعدها كلية الحقوق أصبح رئيساً وعضواً لعدة جماعات أهمها الشعر، والآداب، وأيضاً فنون التصوير، والموسيقى، والتمثيل، كما انضم لفريق الرحلات واستمرت رحلته فى عالم الأدب والفن والثقافة والمعرفة التى أعلنت انتماءه دائما لبيئته المحلية، وتجلى هذا فى أصالته، وطابعه الواقعى المتطور والممتدة جذوره إلى أعماق التربة المصرية، كما اكتسبت طابعه الحضارى المتميز ورومانسيته وقدرته المستمرة على التجديد من حساسيته وشاعريته المفرطة، وكانت أول أغنية تذاع فى الإذاعة المصرية عام 39، ولم يتجاوز عمره وقتها 18 عاماً وكانت باسم "الفراشة" ولحنها الموسيقار رياض السنباطى وفى نفس العام ذاعت، شهرته عندما كتب أغنية "يامزوق ياورد لى عود" التي غناها المطرب عبدالعزيز محمود وبعدها انطلق كالصاروخ فكتب كلمات لكبار الملحنين ليغنيها كبار المطربين والمطربات، ولم يكتف بهذا وإنما اتجه للدراسة وحصل على دبلوم في فن كتابة السيناريو عام 1963. وماذا عن حياته الأسرية بعيداً عن الفن؟ - لقد تزوج وعمره 23 عاماً وكان ذلك فى عام 1946 وأنجبنى أنا وثلاثة بنات هن "وجدان" الكبرى رحمها الله وكانت دارسة للحقوق ووصلت حتى الاستئناف فى القضاء وهي زوجة د. محمد زكى وزير الدولة للتنمية الإدارية الأسبق، أما أختى الوسطى فهى د. ماجدة "دكتوراة في الفلسفة" ولأن فارق السن بينى وبينه لم يكن كبيراً قامت بيننا علاقة صداقة، خصوصاً أنه كان يولى عناية كبيرة ببيته وكان شديد الحنان لدرجة أنه لو مرض أحدنا يظل جالساً بجواره، وأتذكر أنه تعلم إعطاء "الحقن" حتى لا يرى أحداً غريباً يعطيها لنا. وماذا عن الأجر الذى كان يتقاضاه.. هل كان يرفض الإلحاح على المبلغ الأكبر لكونه ميسور الحال؟ - بالعكس فقد كان معروفاً عنه أنه كان حريصاً على أن يتقاضى أعلى أجر وهذا أمر مهم جداً بالنسبة له وأذكر أن شيخ النقاد والمؤرخين حسن إمام عمر كتب بعد رحيله مقالة بعنوان "كرامة الفنان" أشار فيها إلى أنه أعاد الاعتبار لمهنة المؤلف بعدما كانت مهضومة، وجاء إبداعه ليغير هذه المفاهيم وجعل للمهنة قيمة معنوية ومادية من خلال اعتزازه بنفسه وحرصه على تقاضى أعلى أجر عن كل كلمة يكتبها. ألم يكن يشعر بغيرة أبناء جيله؟ - أبداً فقد كان محبوباً وساد إجماع على هذا الحب وحتى أبناء الجيل التالى أحبوه وأشادوا بوقوفه إلي جانبهم، وطالما ردد "الأبنودى" قوله إن مرسى جميل عزيز هو الوحيد الذى وقف بجانبه ودافع عنه. وأذكر أن محمد حمزة فى بداياته اشترك مع مرسى جميل عزيز فى كتابة أغانى فيلم، فطلب منه والدى أن يختار المواقف التي يجب أن يكتب عنها، فشعر "حمزة" بالحرج قائلاً: انت الذى تختار فأنت الاستاذ.. لكن والدى أصر أن يبدأ حمزة بالاختيار لأنه إذا كان الاستاذ بالفعل فهو قادر على الكتابة فى أى مجال وعندما بدأ "سيد حجاب يكتب الشعر بالعامية شجعه والدى على أن يكتب الأغانى، وكان الشاعر صلاح فايز يقول عن والدى ورصيده: "العبرة فى أغانيه، ليس فى عددها بل لأن كل أغنية تساوى 300 أغنية وإذا لم يظهر مرسى جميل عزيز فى حياتنا لفقدنا أكثر من ثلث تراثنا الغنائى، فإليه يرجع الفضل فى عشقه للناس ومحبتهم له، وتواصله معهم، والتسامح الذى كان سمة لشخصيته.