أنا من الذين يعتقدون في موهبة الكاتب الساخر يوسف معاطي، لكنني أومن أيضا انه يفسد تلك الموهبة بما يطلق عليه متطلبات السوق! ومتطلبات السوق هنا هي تلك التوليفة من الأفكار البراقة والشخوص العاجزة التي تتحول الي ابطال بالاضافة الي الافراط في استخدام التلميحات والايحاءات الجنسية، مع بعض المفارقات الدرامية. والافكار البراقة كأن يجاور مواطن مصري مقر السفارة الاسرائيلية مثل فيلمه "السفار في العمارة"، أو يتحول شخص فاشل رديء الأخلاق الي بطل في عيون الاطفال كما في مسلسل "حمادة عزو" أو يصبح مواطن بسيط ملاصقا لرئيس الجمهورية يستمد منه معلوماته وقراراته، كما في فيلم "طباخ الرئيس"! صحيح ان هذه التوليفة تؤتي اكلها وقد تعجب الجمهور ولكن الي حين، اما الفن الخالد فله توليفة اخري اعتقد ان القائمين علي الافلام المطروحة في سوق الفيلم حاليا لا تهمهم كثير! ومن هنا فإني أشعر بتبدد موهبة يوسف معاطي، الذي هو بالفعل يملك افكارا جيدة لكنها تتواري امام توليفة السوق تلك! ولعل فيلم "طباخ الرئيس" الذي يعرض حاليًا في دور العرض هو ابلغ مثال علي ذلك! فالفكرة كانت متوقعة لأي مشاهد ذهب لرؤية الفيلم، وهي ان انسانا بسيطا اصبح في حضرة رئيس الجمهورية، ثم المواقف والحوارات والمفارقات المترتبة علي هذه العلاقة! كلها اشياء متوقعة ولكن غير المتوقع هو معالجة هذه العلاقة وكيفية صعودها! الفيلم تدور احداثه في حي شعبي حيث يعمل البطل طباخا أو بائعا للطواجن - واعتقد اني ما رأيت بائعا للطواجن متجولا ابدا! المهم.. هذا الطباخ متزوج من فتاة حسناء لا يستطيع ان يعيش معها حياة زوجية كاملة لانه يعيش هو وامها في بيت خالها الذي لا عمل ولا مهنة له الا اقامة حياة زوجية كاملة بسبب وبدون سبب حتي تستمر تلك الايحاءات الجنسية المفرطة طوال الفيلم! والزوجة مدرسة تربية رياضية لها اراء معارضة وتتخذ من المظاهرات والاحتجاجات اسلوبا لها. وعلي الجانب الآخر رئيس الدولة المحاط بعدد من الكذابين والمضللين يضيق بهم ويقرر النزول الي الشعب ومعرفة مشكلاته عن قرب فيكتشف ان الشعب قد اختفي من الشوارع ويظل يبحث عنه حتي يسوقه الحظ الي هذا الطباخ الذي رفض اغلاق باب رزقه وهو سيارة الاطعمة التي يمتلكها - بعد انتشار تحذير من انتشار اشعة تصيب بالعمي اخترعته الحكومة حتي لا يلتقي الرئيس بالشعب! يدور حوار قصير بين الرذيس والطباخ ينتقل علي اثره الطباخ الي القصر الجمهوري حيث الدسائس والمكائد التي تعزل الرئيس عن شعبه وعن الحقيقة، التي تتسرب الي الرئيس عن طريق هذا الطباخ، فيصبح الطباخ ضحية موامرة لابعاده عن القصر، ومنعه من دخوله ليتحول الي مواطن مضطهد هو وزوجته لان بعض المحيطين بالرئيس قد ضاقوا به ذرعا لما يمثله من وسيلة لإلمام الرئيس بالحقيقة. الفكرة لا اراها جديدة، بل حتي المواقف التي شهدها الفيلم كان يمكن ان تكون اكثر اثارة لو راجع المؤلف مواقف حقيقية حدثت بالفعل وكانت اكثر كوميدية مما كتب. اذكر علي سبيل المثال انه منذ عدة سنوات كان الرئيس مبارك يتفقد احد المشروعات فيالصعيد، وسلم علي احد البسطاء الذي قال للرئيس ان له طلبًا فاستمع له الرئيس ونادي للمحافظ وامره ان يحل مشكلة الرجل! ولكن المفاجأة ان الرجل اصر ان يعطيه الرئيس "كارت" توصية لمأمور القسم!! لقد شاهدتها وشاهدها ملايين غيري وكانت مثارا لكتابات كثيرة! اذن لم يكن التخيل صعبا لفكرة لقاء الرئيس بمواطن بسيط، وبالتالي فالفيلم علي المستوي الفني اراه محدودا جدا باستثناء مشاهد موكب الرئيس، التي هي بالفعل مشاهد جيدة، وان كان يقابلها مشاهد ساذجة لجولات الرئيس في مشروعات ساذجة ايضا، ويقابلها ايضا تفاصيل كلها خاطئة بدءا من تواجد الطباخ في حضرة الرئيس وطريقة عمل الرئيس وملابسه الرسمية "عمال علي بطال"، والقصر الذي هو ما هو الا ديكورات مسلسل "الملك فاروق". ولكن السؤال الذي يجب طرحه ماذا يريد الفيلم ان يقول؟ وما هي الرسالة التي يريد ان يبعث بها؟ انه يستخدم الاسلوب الناصري في اعفاء الرئيس من مسئولية السلبيات التي تقع في عهده والقائها علي معاونيه، وهو ما يردده الناصريون حين تطرح فكرة التعذيب الذي يوصم به العهد الناصري، فيكون ردهم الرئيس عبدالناصر لم يكن يعرف شيئا، وهذا عذر اقبح من ذنب. الفيلم في النهاية جعل الشعب هو الذي ينجب كثيرا ويزيد النسل فلا تحل مشاكله ورجال الدين منافقين، حتي انه استخدم نفس الآية التي استخدمت ببراعة من قبل في فيلم الزوجة الثانية وهي "واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم" وان الشعب هو الذي يلوث النيل، وهو الذي لا يعرف كيف يحكمه اولي الامر. اذا كان ذا ما يريد قوله السيد يوسف معاطي من خلال الفيلم فقد اخطأ خطأ كبيرا، لان فكرة القاء المسئولية علي التابعين هي خطأ فادح، لانهم في الناهية تابعون، اما الفكرة الاسوأ هي هذا الجهل المطبق الذي احاط به شخصية الرئيس، والذي لا يدري شيئا عن ثمن رغيف الخبز او طبق الكشري، أو معاملة المواطنين في اقسام البوليس فاذا ما عرف اقال هذا وعزل ذاك، انها فكرة خطيرة تدمر اكثر مما تخدم. ان الكوميديا اصبحت الآن - مع الاسف الشديد - تكاد تكون هي الوسيلة الاكثر انتشارًا بين الشباب للمعرفة، فاذا كانت تقودهم في هذا الاتجاه الخاطيء فانها بالتالي تضللهم وتضللنا، وتجعلنا نزداد اسفا علي موهبة عبقرية مثل موهبة الكاتب يوسف معاطي التي تحتاج ان تتحرر من قيود السوق، حتي تأخذ مكانها الذي تستحق في تاريخ الفن المصري.