السرد لديها لايعرف لغة القيود, ويقفز علي الحواجز بجرأة واطمئنان عجيب, وشاعرية متدفقة, وصراحة تتخطي ما استقر في خواطرنا, الي درجة الصدمة, من أجل ان نعيد فتح ملف حياتنا ونواجه أنفسنا. أثارت روايتها لهو الأبالسة لغطا في البرلمان انتهي بمطالبة بعض النواب بسحبها من الأسواق بعد أن اصابتهم صدمة المكاشفة والتعرية لسوءات المجتمع. ود. سهير المصادفة وان كانت موهبة روائية حقيقية انزلقت في هوة الشوفينية ضد الرجل, الذي تعتبره المسئول الأول عن التراجع الحضاري ومعاناة المجتمع, كذلك تصوير العلاقات الحميمة بين الجنسين بأسلوب يجنح الي التصريح لا التلميح, كما تحفل ابداعاتها بالانتقالات الفجائية للسرد مما يشتت تركيز القاريء. أبطالك من الرجال عاجزون ومشوهون نفسيا ولايرون في المرأة إلا جسدها, بينما تصفين بطلاتك بالرقي! * نعم.. أنا شوفينية ضد الرجل, واعتبره المسئول عن الكبوة الحضارية للمجتمع العربي, إنه أناني, ولايريد التنازل عن مكتسباته غير المشرفة, لذلك من الطبيعي ان تجد شخوصا مشوهة من الرجال في رواياتي يقهرون نماذج نسائية منكسرة تظهر في شكل ضحايا للمجتمع الذكوري. ومن ناحية أخري أري ان سلبية الرجل قد تسببت في اصابته بالقهر وفقدات الهوية, وبهذا صار من تجليات الانهيار الحضاري. وابطال روايةلهو الأبالسة ضعفاء ومن يتولون مقدراتهم عاجزون عن اخراجهم من الحي العشوائي الذي يعيشون فيه. وكنت متشائمة الي درجة إظهارهذا الحي عاجزا عن انتاج الثورة, وان هناك فئة لن تسمح له بذلك. وتلك صورة مصغرة لواقعنا. ورواياتي تفصح عن سبب بلوغنا هذه اللحظة. وبطلات رواياتي, وخاصة مها السويفي, مثل سمكة الجيتار تري مالا يراه أحد في النفق المظلم, وتبوح بما لايصرح به من قبل, وتقدم شهادة عن لحظة مريرة ومؤلمة تدعو الي تجاوزها. رواياتك حافلة بتفاصيل العلاقات الجنسية لماذا لم تكتفي بالتلميح دون التصريح؟. * أردت أن اصدم القاريء, فعلي القاريء ان يري ما لايراه عندما يضع رأسه في الرمال. فالرجل الشرقي يتعامل مع المرأة بطريقة بدائية ولايري فيها إلا جسدها الذي أصبح سلعة يستغلها, وعليه أن يدرك بشاعة فعلته, وأن يراجع نفسه. وبهذا المنطق تناولت المسكوت عنه في كتاباتي, فأنا لا أريد ان أكتب ما تمت كتابته, او اتباع طريقة في الكتابة تتقبل عيوب المجتمع, بل يجب ان نطرح المساويء لمحاولة اصلاحها. واذا كانت مشاهد العلاقات الحميمة قد بدت مفصلة في رواية ميس ايجبت فإنها اتخذت بعدا شاعريا في رواية لهو الأبالسة. تأثرك بألف ليلة وليلة في السرد بدا واضحا في لهو الأبالسة حيث الاستعانة بالخرافات والاساطير الشعبية, ألا ترين ان هذا الاسلوب قد تجاوزته الرواية الحديثة؟ * لا يوجد كاتب في العالم لم يتأثر بألف ليلة وليلة بشكل او بآخر, حتي أصحاب الأساليب المبتكرة في السرد مثل بورخيس وغيره واستخدام عناصر الموروث الخرافي والاسطوري هو محاولة لقراءة وفهم كيف تكون مجتمعنا, لأن تلك العناصر شاركت في انتاج هذا الوجود. ونحن بطبعنا شغوفون بالحكايات الشعبية. وللأسف الشديد رغم اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين, فاننا لم نتعرف بعد علي جذورنا الثقافية. ونحن في أمس الحاجة الي الرجوع اليها لأن تراثنا يتجاوز واقعنا من حيث النضج. وماذا عن الانتقالات الفجائية للسرد, وقطعه للحديث عن ذكريات الماضي مما يشتت القاريء؟ * الزمن في كتاباتي أراه دائريا, بمعني أن الماضي قد يكون اكثر حضورا من الحاضر والمستقبل, وقد يكون هو المستقبل اذا كانت لدي رؤية استشرافية قوية, والمستقبل هو ما يضيء الماضي.. وقد يكون الحاضر الآن غير مفهوم علي الاطلاق, إلا اذا كان ماضويا بشراسة, وبالنسبة للمكان فهو ليس ثابتا في رواياتي, ولا أدعه يلعب دورا في تحريك الأحداث بل اتجاوزه دائما, لأن ما يعنيني هو الشخوص. ولكنني شعرت بأنه كلما تأزمت الظروف الاجتماعية وازدادت حدة كانت مها السويفي تتذكر ايامها الجميلة في الاتحاد السوفيتي؟ * أنا لا أعتبر سرد ذكريات البطلة هروبا بقدر ما هو اضاءة لفهم الملابسات التي أدت الي انهيار الاتحاد السوفيتي, الذي يماثل بشكل ما انهيار مجتمعنا العربي.