لست ادري علي وجه التحديد ما الذي يستوقفني عند متابعتي الكتابات التي تدور حول الدعوة للهرولة والاندفاع بشدة للمطالبة بازالة كل الاشياء التي تعترض طريق الخصخصة، ويحضرني في هذا السياق قراءة مقالة للسيد عبده مباشر ورد في صحيفة الاهرام يوم 13/1/2008 تحت عنوان "متاعب علي طريق الخصخصة" وفيه هاجم بشدة فكرة الابقاء علي فندق سان استيفانو بمدينة الاسكندرية وعدم هدمه. واعتقد ان الكثيرين يتفقون معي في حقيقة ان هذا الفندق الرائع هندسيا ومعماريا كان بمثابة علامة من بين علامات جمال الاسكندرية وروعتها، ولذلك فانني لا استطيع ان امنع نفسي من التساؤل حول الدافع القوي لإزالته، ألم يكن هناك امكانية لاقامة الصرح الضخم الذي اقيم في مكانه في اي منطقة اخري داخل او خارج الاسكندرية؟ لماذا لا يكون الجمال وتراثنا الثري احد المحددات التي تحول بيننا وبين الاندفاع لاهالة التراب فوق ما نملكه من كنوز اثرية ومعمارية فريدة؟ لماذا هذه الرغبة المجنونة في ازالة القيم الرائعة في حياتنا ومن حولنا؟ ألم يكن من العبث ان نسمح بتشييد ما أسميه "سد الاسكندرية العظيم" وأقصد بذلك طابور الابراج والبنايات العملاقة التي حالت بين البحر وبين من عاشوا زمن الاسكندرية الهادئة الرائعة؟ تري ما الذي اصابنا لتفضيل القبح عن الجمال؟ لماذا لا نهتم بقضية ضرورة خلخلة التراكم والتزاحم السكاني المهول الذي بات يطبق علي انفاسنا لا في الاسكندرية وحدها، ولكن في كل المدن كالقاهرة وغيرها وفي القري المصرية ايضا؟ هذه نقطة، اما الاخري والتي جعلتني اكتب لكم تلك السطور واتساقا معها، فانها تأتي في اطار انبهارنا الدائم بترديد الالفاظ الغامضة مثل الخصخصة وتقديسها، وليسمح لي القارئ العزيز بسرد تجربة خاصة بي حول ذات الموضوع، فمنذ البدايات الاولي لشبابنا، ونحن نردد بوعي وبدون وعي وفي حواراتنا الخاصة الكثير من تلك المصطلحات وهذه الالفاظ، فعادة ما كنا ننبهر بها، كما كان البعض منا يرددها دون فهم معناها، وفي ذاكرتي الحاضرة الان الكثير منها، مثل ضرورة ان يكون الانسان ماديا جدليا، او ان يكون خلية ثورية، وحتمية ان يصبح تقدميا او راديكاليا.. الخ، ما يهمني هنا وما لا اخجل من احاطتكم به، هو استمرار عدم فهمي لكل تلك الالفاظ حتي الان بكل ما تحمله من معان او دلالات. وذلك علي الرغم من صداقتي ومزاملتي للمرحوم المهندس الكاتب والمفكر محمد سيد احمد ، في سنوات الدراسة الاولي بكلية الهندسة جامعة القاهرة، حيث تخرجنا معا في قسم الاتصالات السلكية واللاسلكية، فرغم كونه - يرحمه الله- من المنتسبين اجتماعيا لعلية القوم واكثرهم ثراء، ورغم كونه شيوعيا حاد الذكاء، الا انه عاني كثيرا من اعتناقه لهذا المذهب، ودفع ثمن ذلك في الكثير من السجون والمعتقلات، وهنا فانني اشهد بان الرجل - علي كل الحميمية في علاقتي به لم يصدر منه او عنه ولو كلمة واحدة لي لاستقطابي او جذبي لمعتقداته أو ايديولوجيته، مما يشجعني للدخول في دائرة اهتماماته الفكرية حينذاك، المهم انه حدث بعد ذلك بسنوات ان اقمت في الاتحاد السوفيتي "هكذا كان يسمي وقتها" لسنوات في بعثة دراسية طويلة، الا ان اللافت للنظر طوال مدة اقامتنا هناك ان احدا منا لم يعتنق المذهب الشيوعي السائد هناك آنذاك او يتحمس له، وبعد عودتي من البعثة الدراسية التي اشرت اليها منذ قليل، ومن بعد فترة طويلة لم التق فيها بزميل الدراسة لانشغال كل منا بحياته واعماله الخاصة، فاذا بي اقرأ في احد اعداد مجلة "وجهات نظر" مقالا للمرحوم محمد سيد احمد دار حول تاريخه مع الحركة الشيوعية المصرية بدءا بتعرفه علي مؤسس تلك الحركة اليهودي "هنري كوريل" وانتهاء باكتشافه انه كان واهما بل ومخطئا حينما انجذب لهذه الحركة من الاساس!! ما اريد التأكيد عليه هنا - وبعيدا عن المعتقدات السياسية او الايديولوجية- ومن واقع تجربتي المعيشية طوال مدة بعثتي الدراسية بالاتحاد السوفيتي سابقا، وفي ظل حرب الشعارات التي تظهر او تخبو احيانا هنا او هناك، ان الذي عايشناه وكنا شهودا عليه في فترة الستينيات من القرن الماضي، كان يبين بوضوح لا لبس فيه، ان الذي كان يدور هناك كان عملا جادا من الجميع، حيث كان القطاع العام بالدولة يكفل للشعب بأكمله كل احتياجاته الاساسية. ولذلك فانني لا اصدق ان روسيا الحالية -وهي الجمهورية الاكبر والاهم في الاتحاد السوفيتي السابق- قد انهارت او خرجت من التاريخ كما روج البعض، بل ان الحقيقي هو تمكنها من الوصول الي مراحل متقدمة في سباق التقدم العلمي والتكنولوجي ، يشهد علي ذلك ويبرهن عليه انجازاتها الضخمة في انتاج وتطوير ادوات ووسائل الحروب الحديثة، فضلا عن بناء وتطوير قاعدة علمية ضخمة ومشهود لها، وللتاريخ فقد شاهدت بعيني هناك وبالتحديد في مدينة "ليننجراد" او مدينة "بطرسبورج" حاليا بعض مراحل تصنيع مولدات الكهرباء الخاصة بالسد العالي اثناء تصنيعها، بالاضافة الي ما تلا ذلك من ارتياد الفضاء.