خلافا لمعظم دول العالم، نجد في الولاياتالمتحدة جماعات غير حكومية كثيرة مهتمة بقضية الأمن والتنظير لها، واستغلال مواسم الانتخابات الرئاسية في تسويق أفكارها ومفاهيمها الجديدة في الفكر العسكري والاستراتيجية. سوف يمارس الأمريكيون في 2008 عملية اختيار جماعية مُعقدة تنتهي عند صناديق الانتخاب، بصوت واحد لكل فرد واحد من الشعب الأمريكي. لكن العملية في الحقيقة أعقد من ذلك كثيرا، فوراء هذا الصوت المُفرد تفاعلات جماعية صاخبة داخل أمريكا علي مستوي المجتمع المدني والصحف والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والنقابات وكبار الفنانين ونجوم السينما والمسرح والغناء والموسيقي يتم من خلالها، وعلي مدي الموسم الانتخابي، مناقشة كل شئ تقريبا في شئون الحكم والسياسة والأمن والحرب والسلام. لقد أصبحت انتخابات الرئاسة الأمريكية شأنا يخص دولا أخري وجماعات تعيش بعيدا عن الولاياتالمتحدة. وبصرف النظر عن طبيعة العلاقة بين أمريكا وباقي دول العالم، ستكون انتخابات الرئاسة محل اهتمام الجميع بدون استثناء، وهذا يتطلب متابعة نشيطة وتحليلا جادا لموقف المرشحين من القضايا المختلفة وعلي رأسها القضايا الأمنية المؤثرة علي استقرار العالم وأمنه. ويمثل موقف المرشح من قضايا الأمن الدولي أهمية كبيرة بالنسبة للناخب الأمريكي خاصة بعد 11 سبتمبر، وتورط الولاياتالمتحدة في حرب أفغانستان والعراق؛ كما يعني أيضا أهمية علي نفس الدرجة بالنسبة للدول الأخري والإنسان العادي في مناطق الحروب والنزاعات. ولنا أن نتصور علي سبيل المثال حجم تأثير نتيجة الانتخابات الأمريكية وتوجهات الرئيس الجديد بالنسبة لإيران - حربا أو سلاما - علي مصير ملايين الأشخاص الأجانب من جنسيات لا حصر لها تعمل في منطقة الخليج. وتأتي أهمية موقف المرشحين للرئاسة في أمريكا من القضايا الأمنية من حقيقة أن الولاياتالمتحدة في حالة حرب فعلية في أفغانستان والعراق، وأنها ليست وحدها في هذه الحروب بل معها حلفاء لها، وأنها في نفس الوقت مُشتبكة في صدام سياسي حاد قد يقود إلي حرب مع إيران، فضلا عن سيطرة أجواء عالمية متوترة مُتصلة بموارد الطاقة والمياه والثروات الطبيعية وتغير المناخ قد يقود العالم في النهاية إلي حقبة من عدم الاستقرار والحروب، لن تكون الولاياتالمتحدة بمنأي عنها إن لم تكن أول من يتسبب في تفجرها. وهناك حقيقة أخري تُزيد من خطورة الموضوع وتتعلق بدور الرئيس الأمريكي نفسه في عملية الحرب والسلام. فهو القائد الأعلي للقوات المسلحة، وهو رأس المؤسسة التنفيذية بكل ما تملكه من سلطات في النظام الأمريكي. ونتيجة لكل هذه العوامل، سيكون علي كل مرشح للرئاسة، تحديد موقفه من الأزمات المشتعلة والتحديات الأمنية التي تواجه الولاياتالمتحدة في الحاضر والمستقبل. ووراء كل مرشح فريق متكامل يعمل علي ببلورة رؤي أمنية وتصورات للتعامل مع هذه التحديات، وعادة ما يتولي هذا الفريق المسئولية داخل وزارة الخارجية والدفاع في حالة نجاح المرشح في الانتخابات والجلوس علي كرسي الرئاسة في البيت الأبيض. وخلافا لمعظم دول العالم، نجد في الولاياتالمتحدة جماعات غير حكومية كثيرة مهتمة بقضية الأمن والتنظير لها، واستغلال مواسم الانتخابات الرئاسية في تسويق أفكارها ومفاهيمها الجديدة في الفكر العسكري والاستراتيجية. وليس شرطا أن يكون بعض هؤلاء قد خدم من قبل في الجيش أو تولي منصبا عسكريا أو شارك في أحد الحروب. وأهم ما يبحث عنه مرشح الرئاسة في أمريكا العثور علي فكرة جهنمية أو مفهوم جديد أو مبادرة مبتكرة في فن الحرب والتسليح وأساليب القتال تُبهر المستمع وتحرك العقل الراكد. وعلي الطريقة الأمريكية يتم التعبير عن هذه المفاهيم الجديدة بكلمات مختصرة تتحول بعد ذلك إلي عدد من الحروف القليلة يكرر قولها الناس وربما ينسون أصل الكلمات التي اختزلت منها. ونتذكر في هذا السياق مبادرة ريجان للدفاع الاستراتيجي في بداية الثمانينات Strategic Defense Initiative (SDI) ومفاهيم "مسرح القتال الممتد"Extended Battle Field و "الثورة في الشئون العسكرية" Revolution in Military Affairs في التسعينات. وبعض هذه الأفكار أثمرت بالتزاوج مع ثورة تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات والمواد الجديدة والفضاء وأسلحة لم تكن معروفة من قبل. وحاليا لا يتصدر الانتخابات الأمريكية موضوعات من هذا النوع ولكن تحديات سياسية وأمنية متصلة بصراعات قائمة مثل الحرب في العراق وأفغانستان، والتهديد الإيراني وأمن الخليج، ومعضلة الانتشار النووي علي مستوي العالم. وعلي كل مرشح للرئاسة الأمريكية أن يكون له موقف من حرب العراق وأفغانستان التي يسقط فيهما كل يوم ضحايا بالمئات وينفق عليها بلايين الدولارات. وأن يكون له تصور لكيفية التعامل مع إيران والتهديد الذي تمثله علي مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها. أما موضوع الترسانة النووية الأمريكية، فنجده متصلا بمصير