يقترح المرشحون للانتخابات الرئاسية في أمريكا وصفات لجميع المشاكل بدءاً من العراق وانتهاء بالرعاية الصحية، لكن الحلول التي يطرحونها تظل ظرفية وغير شاملة. الواقع أن المشاكل البنيوية في الحياة السياسية الأمريكية هي ذات طبيعة هيكلية، وتعيق، في الكثير من الأحيان، مواجهة التحديات المستعصية. فإذا كنا نسعي إلي تحقيق التقدم وترسيخ المزيد من المساواة بين أفراد مجتمعنا فقد حان الوقت لإقرار تغييرات جوهرية، وعلينا أن نبدأ أولاً بالوثيقة الأساسية وعقد مؤتمر جديد لتعديل الدستور. وإذا بدا هذا الاقتراح راديكالياً، فهل كان الآباء المؤسسون الذين صاغوا الدستور وعدلوه راديكاليين؟ بل لعلهم سيصابون بالذهول والخيبة من أنه بعد مرور 220 عاماً علي كتابة الدستور الأمريكي لم يتجشم أحفادهم عناء التكيف مع التطورات الجديدة التي لم يكن بمقدور المؤسسين التنبؤ بها في عام 1787 بفيلادلفيا. ومع أن الدستور مازال جيداً في شكله العام، ومازال مصراً علي احترام ميثاق حقوق الإنسان وفصل السلطات، إلا أن هناك العديد من الأحكام التي تعوق التغيير البنَّاء والتأقلم الفعال مع المستجدات الطارئة. وإليكم بعض الأمثلة: استعادة التوازن لسلطات الحرب: لقد قسم واضعو الدستور الأوائل سلطة إعلان الحرب بين الرئيس (القائد الأعلي للقوات المسلحة) والكونجرس. فهل من الممكن الاعتقاد بأنهم كانوا سيوافقون علي منح السلطة التنفيذية صلاحية شن حروب طويلة تمتد لسنوات دون الموافقة الصريحة من السلطة التشريعية؟ ومع ذلك تحول الرئيس بفضل الامتيازات التي يتمتع بها -الطبيعة الموحدة لمكتب الرئيس، وسرعة اتخاذ القرار، وهيمنته علي وسائل الإعلام ومخاطبة الشعب مباشرة- إلي إمبراطور أكثر من كونه رئيساً لجمهورية. لذا تتعين استعادة التوازن الدستوري الذي يقسم صلاحية إعلان أو شن الحرب بين السلطتين. وفي هذا السياق يحق للرئيس نشر الجنود لفترة لا تزيد علي ستة أشهر بموجب قانون سلطات الحرب لعام 1973. لكن أي تعديل جديد للدستور يتعين عليه المطالبة بموافقة الكونجرس بمجلسيه علي قرار تمديد الحرب بعد انقضاء الستة أشهر الأولي، أو كلما مرت ستة أشهر أخري علي الحرب، علي أن تتم الموافقة عبر تصويت إيجابي ودون وضع عراقيل. وإذا ما صوت أحد المجلسين لغير صالح تمديد الحرب، فإنه يتعين سحب القوات خلال عام واحد. * تشكيل مجلس للشيوخ أكثر تمثيلاً: اللافت اليوم أن 17% فقط من سكان أمريكا الحاليين ينتخبون أغلبية النواب في مجلس الشيوخ. ويرجع السبب إلي أنه رغم العدد الكبير لسكان كاليفورنيا والذي يفوق سكان ولاية "وايومينج" بسبعين مرة، تمثل الولايتان نفس عدد النواب في مجلس الشيوخ، نائبان لكل منهما. وبالطبع لم يكن الاختلاف بين سكان الولايات بهذه الحدة وبعدم المساواة الموجودين حالياً أيام الآباء المؤسسين الذين صاغوا الدستور الأمريكي. ومع أن بنية الغرفة العليا للكونجرس أصبحت متجاوزة اليوم، إلا أنه يمكن تغيير ذلك من خلال منح الولايات العشر الأولي من حيث عدد السكان مقعدين إضافيين، ثم منح الولايات 15 التي تأتي بعدها مقعداً إضافياً. تغيير نظام الانتخابات الرئاسية: لا نحتاج إلي الكثير من الوقت لإقناع الأمريكيين بأن نظام انتخاباتنا الرئاسية يعاني من خلل واضح. فالبلاد بحاجة إلي نظام معقول لتدوير الانتخابات المحلية حتي لا تسقط في فخ الرغبات الفردية للولايات. إنهاء مواطنة الدرجة الثانية: إننا كثيراً ما نروج لأسطورة أنه يحق لأي ابن، أو ابنة من أم أمريكية الترشح للرئاسة، لكن الواقع يشير إلي غير ذلك. فقد كان الآباء المؤسسون خائفين من الدسائس التي قد تقوض بنيان الجمهورية الوليدة، لذا قصروا الرئاسة علي الذين ولدوا في أمريكا. غير أن البوتقة المتنوعة من الأجناس التي أصبحتها الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم، بمن فيها 14.4 مليون أمريكي ولدوا خارج التراب الأمريكي، تحتم علينا مراجعة الدستور لتخويلهم حق الترشح والوصول إلي البيت الأبيض. وبالطبع لا يوجد شخص عاقل يطالب بتعديل الدستور بين عشية وضحاها، بل سيستغرق الأمر سنوات طويلة ليبقي الأهم في هذه اللحظة فتح النقاش وتهييء الطريق أمام عملية طويلة ستنتهي بمراجعة الدستور الأمريكي يوماً ما.