قبل تسلم "جوردون براون" لزمام السلطة كرئيس وزراء بريطانيا الجديد، راجت أحاديث كثيرة حول ما إذا كان الناخبون سيرحبون بالسياسي الأسكتلندي بأسلوبه الصارم والمنهجي وحبه للتفاصيل، لا سيما بعد سنوات عديدة من نبرة الخطابة العالية، التي ميزت سلفه "توني بلير"، أم أنهم سيرفضونه. وجاء الجواب أسرع من المتوقع في أعقاب الهجمات الإرهابية الفاشلة، التي طالت مدينة لندن، ومطار جلاسجو يومي الجمعة والسبت الماضيين علي التوالي بعد أيام فقط علي تسلم "براون" لمنصبه الجديد. وبالنسبة لمعجبيه تُشكل الصرامة التي تميز "براون" الترياق الأمثل لمعالجة الأسلوب المسرحي لرئيس الوزراء السابق "توني بلير". ففي خطاب خلا من التشنج والعاطفة ألقاه يوم السبت الماضي علي خلفية الهجمات الانتحارية، ثم في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) يوم الأحد قللَ "جوردون براون" من شأن التهديد، معتبراً أن ما حدث مجرد جريمة يتعين التعامل معها، وليس تهديدا كاسحا للحضارة. واللافت أن المقاربة البعيدة عن التهويل التي اتبعها "براون"، لاقت صدي طيباً لدي البريطانيين الذين سئموا من مقاربة "بلير" القائمة علي المبالغة والتهويل من خطر الإرهاب الماحق. وفي هذا السياق يقول "بيتر ريدل" معلق بريطاني في صحيفة "تايمز": "لقد خطا براون خطوته الأولي علي نحو جيد كرئيس للوزراء"، مضيفاً أن نتائج استطلاعات الرأي تشير إلي أن قيادة رئيس الوزراء وأسلوبه الجديد يحظيان بنسبة شعبية كبيرة بعد إجهاض الهجمات الإرهابية. وقد حصل "براون" أيضاً علي نقاط عالية من قبل الجماعات المدافعة عن الحقوق المدنية، حيث قال "شامي شكرابارتي"، مدير إحدي تلك الجماعات "إلي حد الآن استطاع "براون" اجتياز الاختبار الأول في إدارته، إنه لم يستغل المحاولات الإرهابية سياسياً، وتعامل مع الأحداث الأخيرة من ناحية إجرائية وليست باعتبارها قضية سياسية". ومع أن "براون" حريص علي الابتعاد قدر الإمكان عن تركة "بلير" السياسية وما خلفته من استياء لدي البريطانيين، إلا أن خصومه يسعون من جانبهم إلي ربطه بتلك السياسات التي ساهم في صياغتها. وفي هذا الصدد استغل "ديفيد كاميرون"، زعيم حزب المحافظين الغارق في مشاكله الداخلية، التاريخ السياسي لرئيس الوزراء "جوردون براون" إلي جانب "توني بلير" ليذكر الناخبين بالدور الكبير الذي لعبه "براون" في تلطيخ سمعة بريطانيا خارجياً وفي نشر ثقافة انعدام الثقة في السياسيين نتيجة الحرب علي العراق. وركز "كاميرون" نقده مثلا عن الفترة الطويلة التي قضاها "براون" إلي جانب "بلير" مسانداً سياساته غير الشعبية، والأكثر من ذلك هاجم "كاميرون" الشرعية السياسية "لبراون"، معتبراً أنه "كرئيس وزراء لم ينتخب من قبل الشعب البريطاني". ففي الوقت الذي اختير فيه "كامرون" كقائد لحزب المحافظين عام 2005 في انتخابات داخلية، ورث "براون" منصبه علي رأس حزب العمال دون منافسة. والواقع أن "براون" لم يتخلص تماماً من سطوة الماضي، إذ ما إن أُحبطت الهجمات الإرهابية التي استهدفت لندن حتي سارع إلي اتهام "القاعدة" حتي قبل أن يثبت المسئولون الأمنيون ذلك. وسيتعين علي "براون" أيضا إحداث التوازن المطلوب بين الحريات المدنية من جهة والإجراءات الأمنية من جهة أخري. وفي هذا الإطار يتعين عليه الاختيار بين تأييد إقرار فترة مطولة للحجز بالنسبة للمتهمين بالإرهاب من دون تهمة تدوم 90 يوماً، أو رفض ذلك، فضلا عن الترخيص باستخدام التنصت علي المكالمات كأدلة قانونية تعرض أمام المحاكم.