في نهاية شهر فبراير الماضي حددت المحكمة الجنائية الدولية أسماء اثنين ممن تدعي أنهما مجرما حرب، وذلك بعد أن كانت قد أجرت تحقيقات مفصلة في الفظائع التي تمت في إقليم دارفور السوداني. يذكر أن مجلس الأمن الدولي، كان قد أعلن مسبقاً عن أسماء 51 شخصاً يشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية قيل إن من أهمهم "أحمد هارون" وزير الشئون الإنسانية في الحكومة السودانية. ويزعم أن هارون قد أعطي أوامر بتسليح رجال "الجنجويد" وهي مليشيات تنتمي إلي قبائل عربية تعمل أساساً بالرعي. ولو حدثت إدانة هارون رسمياً من قبل المحكمة الجنائية الدولية فسيعني ذلك إمكانية الحديث عن علاقة بين أنشطة أشخاص ذوي صلة بالحكومة السودانية وبين الجنجويد علي رغم أن الحكومة السودانية أنكرت بشدة وجود مثل تلك العلاقة، بل ولا تزال تواصل إنكارها. وتزعم إفادات الشهود الذين جرت مقابلتهم، وبني الادعاء علي مزاعمهم، أن هارون حث عناصر مليشيات "الجنجويد" علي مواجهة قبائل "الفور" في إطار حملة ضد المتمردين في الإقليم. ويزعم الادعاء أيضاً أن هارون قد مول حملته من ميزانية مفتوحة وغير خاضعة للمراجعة المالية العلنية، وأنه متهم بالإشراف علي عمليات الاغتصاب، والقتل والتعذيب. ويستشهد رجال الادعاء التابعون للمحكمة الجنائية الدولية بتصريحات للوزير ادعي فيها أنه قد أُعطي: "كل السلطات التي تخوله أن يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء في دارفور". وقد جمع فريق الادعاء 100 إفادة من الشهود في 17 دولة، هي ما يزعم أنه الأساس الذي بني عليه صحيفة الادعاء الموجهة ضد السيد هارون. أما الشخص الثاني الذي حددت المحكمة الجنائية الدولية اسمه فهو "علي كشيب" المتهم بارتكاب 51 جريمة ضد الإنسانية تشمل جرائم الاغتصاب والقتل في قري الإقليم وحولها. ويعتقد أنه كان يقود مليشيات "الجنجويد" نظراً لما يتمتع به من خبرة عسكرية استمدها من فترة خدمته في الجيش السوداني، وقيل إنه عمل بعد ذلك كمحارب لدي القبائل التي كانت تستأجره للقتال في صراعاتها المحلية. وكما هو متوقع فقد رفضت الخرطوم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وأعلنت أنه لا توجد لديها نية في تسليم أي من الرجلين، اللذين اتهما بارتكاب جرائم حرب. وليس هذا فحسب بل إنها وصفت الأدلة التي بُنيت علي مزاعم اللاجئين في العديد من المعسكرات بأنها "حفنة من الأكاذيب". والسؤال الآن هو: هل هذه هي نهاية القصة؟ هل سيدير العالم ظهره لدارفور الآن؟ هل المحكمة الجنائية الدولية غير فعالة تماماً وتعمل في كوكب آخر؟ لا أعتقد أن الأمر كذلك. في روما عام 1998، وعندما كان مفهوم المحكمة الجنائية الدولية لا يزال قيد المناقشة من قبل الوفود المجتمعة هناك، كان ثمة توقع بأن بعض الدول ستمتنع عن تسليم المتهمين الذين ستطلب المحكمة منها تسلميهم لمحاكمتهم. وكانت هناك حجتان رئيسيتان يتوقع استخدامهما من قبل تلك الدول. الأولي، أن الدول المختلفة ستدعي سواء كان ذلك صحيحاً أم كاذباً أنها كانت ترغب في محاكمة مواطنيها المتهمين في محاكمها وهو ما قدمت الحكومة السودانية مؤخراً دليلاً علي صحته عندما أدلي وزير العدل فيها "علي المرضي" بتصريح قال فيه: "إن القضاء السوداني لديه القدرة والإرادة لمحاكمة هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم حرب في دارفور". الحجة الثانية، أن الدولة المعنية قد تدعي أن عملية التسوية السليمة فيها قد تتعرض للضرر إذا ما قامت بتسليم مثل هؤلاء الأشخاص. أما مؤيدو المحكمة الجنائية الدولية، فقد دافعوا بحماس عن حجتهم القائلة إن الوقت قد حان لإحضار أولئك الذين يدعي أنهم قد ارتكبوا مثل هذه الجرائم الفظيعة أمام محكمة خاصة أو محكمة تمييز دولية. والحقيقة أن علي السودان أن يقدر أن هناك غضباً وإحباطاً حقيقيين لدي الأممالمتحدة بسبب الوضع في دارفور. وعلي رغم أن هناك جهداً دبلوماسياً معتبراً قد تم في هذا المجال، شمل من ضمن ما شمل تمرير عدة قرارات من مجلس الأمن الدولي، إلا أن بعض المنظمات الطوعية لا تزال تواصل إخبارنا بأن هناك تطهيراً عرقياً وجرائم حرب يتم ارتكابها حتي الآن في دارفور، وأن دولة تشاد المجاورة مهددة بعدم الاستقرار نتيجة للقتال الدائر بالقرب حدودها مع السودان. إن حكومة الخرطوم بحاجة إلي أصدقاء في المجتمع الدولي للمساعدة في جهود إعادة البناء بعد سنوات الحرب الرهيبة. ومعظم الدول باستثناء الولاياتالمتحدة وهو ما يدعو للخجل في الحقيقة تؤيد المحكمة الجنائية الدولية، وتري أنها تمثل طريقة صحيحة ومعقولة للتماشي مع ظروف وأحوال عالمنا المتغيرة.. والسؤال الآن: هل من الحصافة في مثل هذه الأوضاع أن تقوم الخرطوم بعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية؟ في رأيي أن ذلك يمثل تصرفاً أبعد ما يكون عن الحكمة.