نحن هنا لا نتهم البشير بأي جرائم، ولكن عقلي البسيط يقول لي : البشير رئيس دولة وقعت فيها مجازر وعمليات قتل بشعة في إقليم دارفور وجرائم اغتصاب خسيسة كما أكدت ذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية المحترمة، وبدل أن يحقق نظام البشير السوداني في هذه الجرائم، تفنن النظام السوداني في إنكار وجود أي مشكلة تماما في البداية في إقليم دارفور - وهذه في نظري جريمة كبري في حد ذاتها من رئيس دولة قُتل آلاف المواطنين من شعبه بدون أن يحرك ساكنا بل أنكر الأمر برمته علي أساس أنه شأن داخلي ومؤامرة صهيو-أمريكية علي نظامه «الإسلامي». ومن المفارقة قيام فناني وفنانات هوليوود المسيحيين بنصرة أهالي دارفور المسلمين ، بقيادة الفنان الرائع صاحب الضمير الواعي جورج كلوني الذي زار دارفور عدة مرات وأنتج عدة برامج وثائقية لشرح معاناتهم للعالم الخارجي وقاد حملات عديدة لجمع التبرعات. وبينما يقوم كلوني ومات ديمون وبراد بت وغيرهم من فناني هوليوود بواجبهم الأخلاقي الإنساني بعمل حملات لمناصرة أهالي دارفور المسلمين، يواصل العربان النوم وممارسة «الكسل اللذيذ» المتمثل في الشتم واللعن للمدعي العام أوكامبو والإيمان بنظرية المؤامرة ضد حكومة السودان «الإسلامية»!! في 14 يوليو عام 2008 طلب أوكامبو من المحكمة إصدار مذكرة رسمية بأمر للقبض علي الرئيس السوداني عمر البشير علي أساس لائحة إتهام تتضمن: جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور السوداني. تطعن السودان في الأهلية الأخلاقية لأوكامبو علي خلفية اتهام سابق له بالتحرش الجنسي حيث تزعم بأنه أخذ مفاتيح سيارة تخص صحفية جنوب أفريقية واشترط ممارسة الجنس معها كي تستعيدها، وهذا ما نشره أوكامبو بشجاعة في موقعه ونفاه جملة وتفصيلا وهذه في الغالب تهمة سياسية هزلية معلبة ومرسلة لا أدلة عليها وهي في الغالب من ابتكار النظام السوداني، كما لم أجد أي أثر لها في النت سوي في مواقع عربية أصولية تؤيد النظام السوداني ظالما ومظلوما!! في 4 مارس 2009 وافقت المحكمة الجنائية الدولية علي طلب المدعي العام أوكامبو لإصدار مذكرة اعتقال لعمر البشير بتهمة تصفية مدنيين وتهجير قسري وتعذيب واغتصاب في إقليم دارفور. يذكر أن أوكامبو دعا مجلس الأمن إلي الإسراع في تنفيذ أمر القبض علي البشير بسبب بشاعة ما حدث في دارفور وضغوط منظمات حقوق الإنسان الدولية عليه. أثارت هذه المذكرة ردود فعل متباينة تجاه المحكمة والمدعي العام في الأوساط العربية والافريقية والعالمية. تطعن حكومة السودان في عدالة أوكامبو بدون أدلة مقنعة أو موثقة بسبب ما تزعم عن «تواطئه» مع جرائم إسرائيل ضد الإنسانية وانحيازه للأجندة الأمريكية التي تسعي لخلق التوتر في المناطق التي يتزعمها من لهم توجهات مناهضة للمشاريع الغربية حيث يصفونها بالمشاريع الاستعمارية. وهي تهم سياسية كيدية لا تدعمها أدلة. المحكمة الجنائية الدولية تأسست المحكمة سنة 2002 كأول محكمة قادرة علي محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء علي الغير. تعمل هذه المحكمة علي إتمام الأجهزة القضائية الموجودة فيها، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة علي التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل والملجأ الأخير لتحقيق العدالة. فالمسئولية الأولية تتجه إلي الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة علي النظر في الجرائم المرتكبة بعد تاريخ إنشائها في 1 يوليو 2002، ، عندما دخل قانون معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ. تلقت الحركة الساعية لإنشاء محكمة دولية للنظر في الجرائم ضد الإنسانية دفعة قوية بعد محكمة نورمبرغ وطوكيو التي تأسست لمعاقبة الجرائم التي اتهمت بها الأطراف التي خسرت الحرب العالمية الثانية. وقامت لجنة خاصة بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقديم مسودتين لنظام المحكمة الجنائية في مطلع الخمسينات، لكنه حفظ علي الرف تحت وطأة الحرب الباردة التي جعلت تأسيس المحكمة من الناحية السياسية أمراً غير واقعي. في عام 1998 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بأغلبية 120 صوتاً مقابل 7 وامتناع 21 عن التصويت. (الدول السبعة الممتنعة كانت: أمريكا، إسرائيل، الصين، العراق، قطر، ليبيا، اليمن). تحول قانون المحكمة التي وضعته معاهدة روما لقانون المحكمة الجنائية الدولية، إلي معاهدة ملزمة مع توقيع الدولة رقم 60 ومصداقيتها عليه، وهو الحدث الذي تم الاحتفال به في 11 أبريل 2002. تقدمت عشر دول بقرارات مصادقتها علي القانون دفعة واحدة مما رفع عدد الدول المصادقة إلي 66 فوراً، وحال دون تمتع دولة واحدة منفردة بشرف تقديمها المصادقة رقم 60. يقول نقادها من دكتاتوريو العالم الثالث إن المحكمة تخدم أجندة دول عظمي لها مصالح دولية كما في مسألة دارفوار، ويظهر ذلك أيضا في عدم التحقيق فضلا عن إصدار أي عقوبة في جرائم دولة إسرائيل المتتابعة علي المدنيين العزل، وهي تلك الجرائم التي لا ينكرها أحد!! ظهرت المحكمة إلي الوجود بصفة قانونية في الأول من يوليو تموز 2002، ولا يمكنها النظر في الجرائم المرتكبة قبل ذلك. حتي أكتوبر 2009، صادقت 110 دولة علي قانون المحكمة (معاهدة روما لقانون محكمة الجنايات الدولية) ، تشمل غالبية أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونصف أفريقيا، و41 دولة أخري وقعت علي القانون لكن لم تصادق عليه بعد. في عام 2002، سحبت دولتان توقيعهما علي قانون المحكمة، وأشارتا إلي أنهما لا ترغبان بعد الآن بالعضوية وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما علي تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة، الدولتان هما: أمريكا وإسرائيل. وهذا دليل غير مباشر علي جدية وخطورة فكر هذه المحكمة وقدرتها علي التحقيق مستقبلا - بحول الله - في جرائم أمريكا وإسرائيل... وما أكثرها من جرائم لا تحتاج إلي أدلة لحسن الحظ!! الجرائم التي تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان. أما بالنسبة للاختصاص الإقليمي: ففي خلال مفاوضات نظام روما، حاولت الكثير من الدول جعل المحكمة ذات سلطة عالمية. لكن هذا الاقتراح فشل بسبب معارضة الولاياتالمتحدة. وتم التوصل إلي تفاهم يقضي بممارسة المحكمة لسلطتها فقط ضمن الظروف المحدودة التالية: (1) إذا كان المتهم بارتكاب الجرم مواطنا لإحدي الدول الأعضاء (أو إذا قبلت دولة المتهم بمحاكمته). (2) إذا وقع الجرم المزعوم في أراضي دولة عضو في المحكمة (أو إذا سمحت الدولة التي وقع الجرم علي أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية). (3) إذا أحيلت القضية للمحكمة من قبل مجلس الأمن. وبالنسبة للاختصاص الزماني: تستطيع المحكمة النظر فقط في القضايا المرتكبة في أو بعد 1 يوليو 2002. وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، تقوم المحكمة آليا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول ابتداءَ من تاريخ مصادقتها علي الاتفاقية. وهي منظمة دولية دائمة، تسعي إلي وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة - وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلي العدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله مائة ألف شخص مثلاً، فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظي بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري. بلغ عدد الدول الموقعة علي قانون إنشاء المحكمة 105 دول حتي تشرين الثاني نوفمبر 2007، وقد وقعت 41 دولة أخري علي قانون روما لكنها لم تصادق عليه بعد، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند وأمريكا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع علي ميثاق المحكمة. تعد المحكمة الجنائية هيئة مستقلة عن الأممالمتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية. وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في أربع قضايا: أوغندة الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والجمهورية الأفريقية الوسطي ودارفور. كما أنها أصدرت 9 مذكرات اعتقال وتحتجز أربعة مشتبه بهم ينتظرون المحاكمة. يقع المقر الرئيسي للمحكمة في مدينة لاهاي بهولندا، لكنها قادرة علي تنفيذ إجراءاتها في أي مكان. وقد يخلط البعض ما بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي تدعي اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية (وهي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول)، لذلك لابد من التنويه إلي أنهما نظامان قضائيان منفصلان. المدعي العام للمحكمة هو لويس مورينو اوكامبو وفيما يلي نص الحوار بين الصحفي باتريك سميث والسيد لويس مورينو أوكامبو مع ملاحظة أن الهوامش التي بين معكوفتين، كذا [ ]، هي من وضع المترجم باستثناء هامش يحتوي علي تحليل سياسي للصحفي باتريك سميث: «قدر البشير أن يواجه العدالة... إنها مسالة وقت فقط!!» من مكتبه في لاهاي يشرح لنا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو رؤيته لمسعاه الذي يهدف أن يواجه مجرمو الحروب عواقب جرائمهم ولماذا يعتبر هذا الأمر أساسيا ومهما من أجل السلامة والعدالة في العالم. المحكمة الجنائية الدولية يتم نقدها كثيرا لكونها اختيارية أو بطيئة في ملاحقة مجرمي الحرب، هنا المدعي العام للمحكمة يعطينا وجهة نظره في هذه القضية ويفند هذه التهم ويشرح لنا كيف تعمل المحكمة ويجيب علي الإنتقادات بخصوص قضايا: الرئيس السوداني عمر البشير والمتمرد الأوغندي جوزيف كوني(1)Joseph Kony. أجاب أوكامبو علي أسئلتنا المحرجة بمزيج عجيب من الصبر والشغف الكبير للسعي لتحقيق العدالة. سميث: خلال السنوات الست الماضية ماذا حققت في تأسيس نظام قضائي جنائي دولي؟ أوكامبو: لقد حولنا المشروع من حلم إلي واقع، المحكمة موجودة الآن ولدينا جميع الموظفين، ومن ضمنهم 80 قاضيا، وهناك 4 سجناء ومحاكمتين جاريتين، وأصبحنا جزءا لايتجزأ من العالم . المحكمة تؤسس فكرة قانونية مهمة وهي أنه لن يسمح للمجرمين بالإفلات من جرائمهم مهما كانت مناصبهم رفيعة. عندما كنت سابقا أُدَرِسُ في هارفرد، أخبرني زميل أكاديمي: «من المشرف أن تصبح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن أنصحك أن ترفض العرض، لأنك ستمكث 9 سنوات في لاهاي بدون عمل، فبدون دعم ومساندة أمريكا لن تستطيع عمل أي شيء أو أن تحقق في أي شيء ولا أن تقبض علي أي شخص». وهكذا كما تري قبل سنوات كان التحدي هو: هل تستطيع المحكمة ان تعمل بدون أمريكا؟ ولكن الآن أصبح السؤال هو كيف يمكن لأمريكا وغيرها من الدول التي رفضت الإنضمام رسميا أو التوقيع علي معاهدة روما التي أسست المحكمة التفاعل مع وجود المحكمة الدولية!! سميث: هل ستردع المحكمة بالفعل هؤلاء الذين يرتكبون جرائم حرب؟ أوكامبو: المستشار القانوني لحلف الناتو أخبرني أن حلف الناتو أبلغ «رسميا» جميع الضباط في جميع جيوش الدول التابعة لحلف الناتو توقع إمكانية حدوث السيناريو الآتي في المستقبل بشكل جدي لأي ضابط في جيوش حلف الناتو: «خلال ال 15 سنة القادمة، عندما تكون متقاعدا كجنرال بنجمتين وتجلس في عطلة صيف مع عائلتك علي شاطيء البحر، فجأة قد يحيط بك رجال بوليس ويضعوا كلبشات في يديك ويأخذونك إلي المحكمة الجنائية الدولية وستجد بالتأكيد دليلاً موثقاً ضدك مستخرجاً من أرشيف حلف الناتو. يجب ان تكون علي علم بأنه من الآن فصاعدا، عندما ترتكب جرائم في عملك، فمن الممكن جدا ملاحقتك قانونيا ومحاكمتك»!! هكذا فعل الناتو ببساطة. ولذلك أنا أقول إننا حققنا هدفنا والحلم الذي سعينا إليه. والجيوش في كل أنحاء العالم بدأت تتأقلم مع هذه الحقيقة. سؤال: كيف تجيب علي الانتقاد الذي يقول إن محكمة الجنايات الدولية تستهدف إفريقيا علي وجه التحديد ولهذا قرر الإتحاد الإفريقي تعليق تعاونه بخصوص المذكرة القضائية للقبض علي الرئيس البشير؟ أوكامبو: إنها مجرد بروباجاندا من الدول التوليتارية. استطلاعات الرأي كشفت أن 75% من المواطنين في إفريقيا يساندون مذكرة القبض علي البشير. والنسبة في الدول العربية مرتفعة أيضا في حدود 35-55%. «لماذا نركز علي إفريقيا؟». الجواب ببساطة هو لوجود جرائم رهيبة هناك والعديد من قادة الإتحاد الإفريقي طلبوا تدخلنا. نحن لا نحقق في سريلانكا أو بورما لأن هذه الحكومات لم توقع علي المعاهدة ولم يطلبوا تدخلنا بالتالي. وعلي أية حال «الصمت لن يساعد الضحايا، بل يساعد المجرمين فقط» (هامش (1): جوزيف كوني(1)Joseph Kony: مواطن أوغندي من مواليد 1961 وقائد «جيش المقاومة للرب»الإرهابي Lord Resistance Army LRA وهو مجموعة متمردة مقاتلة تحاول إنشاء حكومة ثيوقراطية كاثوليكية يكون دستورها الإنجيل المسيحي والوصايا العشر في شمال أوغاندا وجنوب السودان. قيل إن هذا الجيش الذي أسسه كوني خطف 300,000 طفل وطفلة وحولهم إلي مقاتلين ومقاتلات في جيشه بعد أن قام في معظم حالات التجنيد (104,000 حالة) بقتل أفراد عائلات هؤلاء الأطفال (أب، أم، إخوة، أخوات، وحتي جيران) حتي لا يوجد لديهم حافز لترك الجيش والعودة لعائلاتهم. وتسبب في نزوح مليون ونصف إنسان منذ بدأ التمرد عام 1986. وفي عام 1992، غير كوني اسم جيشه إلي "الجيش المسيحي الديمقراطي المتحد". ولقبه أتباعه بالمسيح وأعداؤه بالشيطان. قام بعملية غسل أدمغة الأطفال وأقنعهم برسم صلبان علي صدورهم لتحميهم من الرصاص والقنابل. ويصر كوني أنه وجيشه مجاهدون في سبيل الله لتحقيق العمل بالوصايا العشر الواردة في الكتاب المقدس قائلا: «نعم، نعمل لتطبيق الوصايا العشر! هل هذا سيء؟؟ هذا ليس ضد حقوق الإنسان والوصايا العشر ليست بشرية بل من عند الله». أصدرت محكمة الجنايات الدولية في أكتوبر 2005، خمس مذكرات للقبض علي كوني ونائبه فينسنت أووتي وثلاثة من كبار قادة جيشه لارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأعلن أوكامبو أن لائحة الاتهام ضد كوني تشمل 33 تهمة من ضمنها جرائم ضد الإنسانية وفرض العبودية الجنسية علي البنات والسخرة والاغتصاب وكذلك جرائم حرب مثل قتل وتعذيب ومهاجمة المدنيين وتجنيد الأطفال بالقوة وقيل إنه يخطف البنات ليقدمهم هدايا لممارسة الجنس لمن يبدعون من قادته في القتل. تزوج 60 امرأة وله 42 طفلاً)