هما شيخان، أحدهما وصل في موكب سيارات مع الحراس، والآخر كان يتلمس طريقه كأعمي وهو يسير مشيا علي الرصيف بعصاه، ولكن في لحظة معينة تداخل مسارهما، وأعني مداري، الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، والمواطن الإثيوبي ميكونين ليكا في ميدان القتال القصي في جنوب إثيوبيا. وميكونين، الذي يعتقد انه في الثامنة والسبعين من العمر، مريض يندرج في حرب كارتر الحالية علي مرض عمي النهر. وهو من العمي لدرجة انه نادرا ما يغادر بيته، ولكن في هذه المناسبة توجه إلي عيادة قرية أفيتا للحصول علي علاج للديدان التي تسكنه. وهناك بقع في بشرته لأن الديدان تسبب الحكة خصوصا عندما تكون نشطة في الليل. وهو وضحايا آخرون يهرشون أجسادهم الي أن تنزف بشراتهم دما. وفي خاتمة المطاف تنتقل الديدان الي العين حيث غالبا ما تدمر نظر الضحية. وفي إثيوبيا أعلي نسبة للعميان في العالم وتبلغ 1.2 في المائة بسبب الآثار المشتركة لعمي النهر والتراخوما. وكما في الكثير من الدول الأفريقية فان شعار الفقر تمثله صورة لطفل صغير يقود شحاذا أعمي بعصاه. وبينما كان ميكونين ينتظر علي مصطبة عند العيادة كانت هناك ضجة من النشاط، وأعلن إثيوبي باللغة الأمهرية أن "شخصا عظيما" كان قد وصل. وسمع ميكونين أصواتا تتحدث بلغة أجنبية وحركة كاميرات وأخيرا الضجة التي أحاطت بوصول كارتر. سألت ميكونين: هل تعرف من القادم؟ أجاب: لا أستطيع الرؤية. وقلت: هل سمعت بجيمي كارتر؟ فأجاب: كلا. غير أنه في أماكن قصية مثل هذا، يقود الرئيس كارتر ،82 عاما، حربا جيدة وملهمة وخاصة علي مرض عضال، ولا بد لها من أن تلهم الرئيس بوش وزعماء آخرين في العالم، بل وتوبخهم وتحفزهم علي الانضمام إليها. وهنا لا يقتصر الأمر علي مجرد أن حروب كارتر هي أكثر نجاحا من حروب بوش، فكارتر يعيد أيضا تأهيل صورة الولاياتالمتحدة في الخارج، ويحول حياة أكثر شعوب العالم معاناة نحو اتجاه جديد. وفي الليلة السابقة كان ميكونين قد نام تحت ناموسية للمرة الأولي في حياته كجزء من مبادرة كارتر للقضاء علي الملاريا وداء الفيل في المنطقة. ويستخدم ميكونين الآن بيتا صغيرا نتيجة لمبادرة مركز كارتر لبناء 350 ألفا من هذه البيوت في أرياف إثيوبيا للقضاء علي العمي الناجم عن التراكوما. وقد أفلح كارتر تقريبا في إزالة داء مروّع يحمل اسم ديدان غينيا، وحقق تقدما كبيرا في مكافحة أمراض أخري بينها عمي النهر وداء الفيل. وفي هذه المنطقة يتناول الناس جرعة سنوية من دواء اسمه مكتيزان، وقد تبرعت به شركة ميرك التي تستحق تقديرا رفيعا، وهو يمنع الحكة والعمي. كما أن مكتيزان يقضي علي الديدان المعوية، ويجعل القرويين الإثيوبيين أقوي وأكثر قدرة علي العمل أو الذهاب إلي المدارس. وبين البالغين يؤدي التخلص من الديدان إلي تنشيط الدافع الجنسي ولهذا سمي بعض الناس أطفالهم باسم مكتيزان. وحملة كارتر الخاصة ضد أمراض الفقر تعتبر نموذجا لما يمكن أن تقوم به حكومتنا. تخيلوا لو أن الولاياتالمتحدة عقدت العزم علي القضاء علي الملاريا وداء الفيل. وماذا لو أننا احتفينا بالعلم ليس عبر الذهاب إلي المريخ وإنما عبر القضاء علي الملاريا؟ وماذا لو أننا حاولنا صقل صورة أمريكا في الخارج ليس فقط عبر البيانات الصحفية والدعاية الإعلامية، وإنما أيضا عبر حملة جريئة ضد المرض! ولهذا فإنني أتمني لو أن بوش استطاع زيارة قري مثل قرية أفيتا هذه ليري ما حققه كارتر كشخص. فقد موّل بوش حملة كبري لمكافحة الايدز ستنقذ تسعة ملايين شخص، كما أنه يزيد من الإنفاق لمكافحة الملاريا، ولكن ليس بما يقترب من الحيوية التي يزيد بها أعداد القوات الأمريكية في العراق. ولهذا سألت كارتر عما إذا كان يتعين علي بوش أن يدفع الأمور لا باتجاه حرب مع إيران، وإنما باتجاه حرب علي الملاريا. وقال "سيكون ذلك بالتأكيد ما أفضله، فاعتقادي أن الحرب في العراق واحدة من أفدح الأخطاء التي ارتكبتها بلادنا، ومن المحتمل أننا علي وشك ارتكاب خطأ أكثر فداحة عبر إثارة حرب مع إيران. ولكنني أود أن أري انتقالنا من الحرب كأولوية إلي الدبلوماسية وقضايا الخير". إذن أيها الرئيس بوش: ماذا لو أننا كبلد التحقنا بحرب كارتر علي الأمراض التي تفتك بأفقر شعوب العالم، وتعتبر أحد أسباب فقرهم. تلك حرب يمكن أن توحد الأمريكيين ولا تقسمهم. هيا أيها السيد بوش اقرع الطبول.