بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    السفن الملوثة في موانئ بريطانيا.. أسوأ من ملايين السيارات    «حياة كريمة» تُضيء مسار الطلاب في جامعة بني سويف بمبادرة وى سابورت    «الغد»: نؤيد طلب الجنائية الدولية وننتظر قرار المحكمة بهذا الشأن    كوكا والدبيس ينافسان كريم فؤاد على قيادة الجبهة اليسرى للأهلي ضد الترجي    انفراد| أول صورة لإحدى السيدات بعد تعرضها للدهس من عباس أبو الحسن    النائب محمد زين الدين: مشروع قانون المستريح الإلكترونى يغلظ العقوبة    إصابة 8 أشخاص في تصادم ميكروباص بسيارة نقل ب «طريق مصر- أسوان الزراعي»    «القراء» تنفي تجميد عضوية السلكاوي.. وحشاد: النقابة تبحث مصيره    نصائح لتعامل طالب الثانوية العامة مع موجات الطقس الحارة    رياضة النواب تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 ناديا شعبيا بالإسكندرية    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    رايان رينولدز يتصدر إيرادات السينما العالمية بفيلم الأصدقاء الخياليين - IF ويحقق 59 مليون دولار    التربية النوعية بطنطا تنظم ملتقى التوظيف الثالث للطلاب والخريجين    أخبار الأهلي : أحمد الطيب عن لاعب الأهلي : هاتوه لو مش عاوزينه وهتتفرجوا عليه بنسخة زملكاوية    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    أحمد موسى عن تحطم مروحية الرئيس الإيراني: محدش عارف الحقيقية -(فيديو)    النجمة ديمي مور تخطف الأنظار في فعاليات اليوم السادس لمهرجان كان السينمائي    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    الرياضية: جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    لحرق الدهون- 6 مشروبات تناولها في الصيف    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    وكيل صحة الشرقية يتفقد أعمال التطوير بمستشفى سنهوت التخصصي    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردا علي دعاوي العنصرية "2 2"
نشر في نهضة مصر يوم 17 - 01 - 2007

استعرضنا امس كيف ان المسيحيين لم يكونوا في تاريخ الوطنية المصرية الا جزءا من النسيج الوطني المصري وانهم لم يكونوا اقلية كما اراد ذلك الانجليز في بدايات القرن العشرين وكما يريد الامريكان في بداية القرن الواحد والعشرين، وقد عرضنا جزءا من محاضر اجتماعات لجنة الثلاثين التي أنيط بها وضع دستور 1923 والتي رفضت تماما تمثيل الاقباط بنسبة معينة في البرلمان لانها لا تعترف بأن المسيحيين اقلية في مصر وقد اكد ذلك الاقباط بأنفسهم واليوم في الحلقة الثانية والاخيرة نستكمل عرض نقاش اللجنة واقتراح توفيق دوس بأنه يمكن تمثيل الاقباط كأقلية في البرلمان ولكنه ربط ذلك بالمصلحة الوطنية فإذا كان ذلك يسبب ضررا لمصر فهو لا يرضي بذلك، وهكذا نستكمل العرض التاريخي ومناقشة هذا الاقتراح.
أما النقطة الثالثة فأنا اعترض كل الاعتراض علي من يقول بوجوب تمثيل الاقليات الجنسية. تلك الاقليات اما ان تعتبر نفسها مصرية فتندمج مع المصريين المسلم منهم مع المسلم المصري والمسيحي مع المسيحي المصري واليهودي مع اليهودي المصري أو تعتبر نفسها غير مصرية فلا شأن لها بمجلس لنواب وبحقوق المصريين. ولقد اعجبني الحديث الذي فاه به بطريرك الارمن في هذا الصدد حيث ذكر انه يري وجوب تمثل الاقليات ولكنه لم يطلب للأرمن تمثيلا خاصا بل باعتبارهم مسيحيين يري أن يندمجوا في الأقباط.
بقيت النقطة الأخيرة وهي أن وجود هذا النص قد يؤدي إلي تداخل الانجليز بحجة حماية الاقليات وانه يخلد تخليدا تلك الفروقات الدينية التي تريد العمل علي محوها من الدستور.
مصلحة البلد فوق كل شئ
أما عن القسم الثاني من الاعتراض فقد يكون في ظاهره صحيحا ولكنه نتج لأن هذا الفرق الديني باق وسيبقي طالما اننا نرتكن علي الدين في كل معاملاتنا الشخصية. طالما ان القبطي يتزوج في الكنيسة ويقضي مصلحته الشخصية في المجلس الملي والمسلم يتزوج لدي المأذون ويرفع منازعاته الشخصية إلي المحكمة الشرعية، طالما بقي هذا سيبقي الفرق قائما.
ذلك مبلغ ما وصل اليه بحثي في مسألة تمثيل الاقليات ولأنكر عليكم أن المسألة دقيقة جدا وفيها من كل وجهة ما يقال لها وعليها، فأرجو أن تبحثوها بتلك الدقة التي سيتم بها دفة الدستور للآن وأرجو ان تنسوا دائما ان رافع هذه المسألة قبطي. بل تذكروا دائما أنه يرفعها بصفته مصريا وارجوكم ان لا تجعلوا لمصلحة الاقباط خاصة أو الاقليات عامة أي نصيب من اهتمامكم بل كل ما ارجوه هو مصلحة البلد فإن رأيتم أن مصلحة البلد تستدعي هذا النص فقرروه بشجاعة وان وجدتم غير ذلك فارفضوه بشجاعة وأنا اول من يوافقكم علي ما تري الاغلبية خلافا لحضرة زميلي قليني باشا الذي كان في احد الطرفين بالامس فانقلب الي الطرف الآخر اليوم.
وهنا نتوقف قليلا عن استكمال عرض المناقشة التي دارت بعد انتهاء حديث توفيق دوس بك وذلك لاستبيان مدي وجاهة مبرراته للاخذ بتمثيل الاقليات في مجلس النواب طبقا لنص دستوري جديد، والي اي مدي تبدو هذه المبررات ليس لتحقيق هدفه انما تخدم من جانب آخر مبررات عدم النص علي تمثيل الاقليات في الدستور.
1 ان الرجل يعترف برد فعل الاقباط الذين تظاهروا ضد التمثيل وكذلك وجود حملة صحفية ضد ذلك وان كانت هذه المظاهرات لا تعبر عن اقباط مصر جميعا فعلي الاقل هناك اختلاف بينهم علي ذلك الأمر.
2 يطرح الرجل خشيته من الإنجليز بأنه لا يوجد في الدستور نص يحمي الاقليات ويتدخلون تبعا لذلك في الشئون الداخلية والخارجية لمصر وبنفس المنطق كما ذكر ان عدم النص علي ذلك فلا توجد حجة لدي الانجليز للتدخل لانه لا توجد اقليات.
3 إقراره بأن الاغلبية اذا ارادت ظلما للاقلية فإن عددا قليلا في مجلس النواب لن يتمكنوا من مقاومة او صد هذا الظلم، وهنا تقع الطامة الكبري وهي تدخل الانجليز في الشئون الداخلية رغم النص الدستوري بتمثيلهم في مجلس النواب.
4 وقد ساق اتهاما ضد الاقلية بأنهم يعيشون بالحيلة والممالأة والنفاق والواقع ينطق بالعكس حيث ان الاقباط لا يعتبرون انفسهم اقلية انما هم جزء من نسيج واحد مصري تاريخي وانهم كذلك من ملاك واصحاب البلد تاريخيا.
5 اعترافه واقراره انه ليس هناك دستور واحد في العالم ينص علي تمثيل الاقليات الدينية انما هناك دساتير تنص علي الاقليات السياسية.. ويبدو هذا سليما لان الاقليات السياسية في الغالب عربية الاصل واللغة ولا يجوز التعلل بأنه في الشرق هناك مسحة دينية في حياتنا السياسية وان كان الافضل هو ان نقول ان هناك مسحة اخلاقية بواعثها الاديان وبذلك فهناك محاولات او مساع لربط الاخلاق بالسياسة.
6 يري توفيق دوس بك ان المرشح المسلم فرصته اكثر واكبر من المرشح المسيحي باعتبار الاغلبية المسلمة، الا ان الواقع جسد الامر بصورة رائعة ومثالية.. فقد كان النائب اسطفان باسيلي نائبا عن حي باب الشعرية ذات المسحة الدينية الاسلامية ومع ذلك فقد انتخبه المسلمون ليكون نائبا لهم، بل انه كما ذكر لي انه كان يحصل علي اعتمادات من النحاس باشا رئيس الوزراء الوفدي وذلك لترميم بعض المساجد، هذا وكان يوسف قطاوي باشا وهو يهودي وزميله في اللجنة العامة لوضع الدستور قد نجح في دائرة كوم امبو باسوان وكان الناخبون مسلمين وكذلك وليم مكرم عبيد المسيحي كان موضع حب وتقدير من الشعب المصري وينتخب وناخبوه معظمهم من المسلمين.. ولذلك لا محل للتساؤل الاستنكاري او المثال الذي فرضه توفيق دوس بك بالنسبة للمرشحين مسلمين او اقباط.
مصر ليست دولة دينية
7 كما ان استناد توفيق دوس بك علي المسيحيين كأقلية دينية فإ مصر ليست دولة دينية حتي يستند الي التفرقة بين اكثرية مسلمة واقلية مسيحية.
8 أنه ليس هناك اضطرار بالموافقة ثم التراجع من اللجنة حيث ان الموافقة كانت علي القراءة الأولي للجنة الفرعية حول المبادئ التي يسترشد بها واضعو الدستور واما القراءة الثانية كانت تدور حول مشروع الدستور نفسه وانه اعترف بأنه اللجنة الفرعية عندما دارت فيها مناقشة طويلة حول هذا الامر ارجأت مناقشته ورفعه للجنة العامة وهذا ما حدث.
9 وقد استند الي الفرق الديني في الاحوال الشخصية فقط ومؤدي ذلك يري ضرورة تمثيل الاقلية، الا انه تجاهل ان هذا الفرق حتمي بين اي ديانات سماوية او غير سماوية بل ان العادات والتقاليد وهي ادني درجة من الاديان فإنها تراعي لدي الفئات او الطوائف هذه التقاليد فما بالنا بأحوال شخصية وهي تمس خصوصيات الناس ولابد من اتباع اديانهم فيها مهما كانت فهذا الفرق هو احترام حقوق الانسان في معتقداته وشعائرها ولا تفرق بين الناس علي مستوي الحقوق السياسية لهم، واذا كان قد استند الي القوانين المدنية في فرنسا او الغرب عموما في مسائل الاحوال الشخصية فإنه استند الي القوانين المدنية في فرنسا او الغرب عموما في مسائل الاحوال الشخصية فإنه استند الي اصحاب الديانة المسيحية الواحدة ولذلك حاولت هذه القوانين تجاوز عوائق في الاحوال الشخصية لاصحاب الديانة الواحدة مع اختلاف مذاهبهم ومع ذلك فالمعروف ان الغالبية من المسيحيين في اي مكان يفضلون زواج الكنيسة لتقديسهم لشعائر ومناسك ومراسم الديانة المسيحية في ذلك الامر وقدسية الحياة الزوجية رغم وجود قوانين مدنية لذلك، وكما سبق القول لا يمكن ان تكون الفروق في هذا الشأن ذريعة لتمثيل الاقلية في الدستور لانه تمثيل ديني لا يجوز مطلقا.
10 وعندما تهكم علي زميله المسيحي قلليني باشا بين تأييده وعدم ذلك للتمثيل فإنه اذا ما تراجع فلأنه راجع فكره وضميره ورأي الاصوب ذهب اليه بدون اندفاع او سوء فهم والرجوع للحق والفضيلة حق.
11 وقد لاحظنا رغم طلاقة لسانه الا انه لم يكن ذو اتساق منطقي في عرضه حيث انه يقفز من مصلحة البلد وهي الهدف الاسمي ثم تراجع بعض الجهات المسيحية تجنبا لغضب المسلمين ثم التمسك بالتمثيل النيابي في الدستور ثم طرح الامر بين اختيارين مع التلميح بالضغط الانجليزي وعدم الفكاك منه بضرورة الاعتراف بالاقلية في الدستور حتي لا نثير حفيظة الانجليز وتدخلهم في البلد تحت دعوي حماية الاقليات.
11 وقد لاحظنا رغم طلاقة لسانه الا انه لم يكن ذو اتساق منطقي في عرضه حيث انه يقفز من مصلحة البلد وهي الهدف الاسمي ثم تراجع بعض الجهات المسيحية تجنبا لغضب المسلمين ثم التمسك بالتمثيل النيابي في الدستور ثم طرح الامر بين اختيارين مع التلميح بالضغط الانجليزي وعدم الفكاك منه بضرورة الاعتراف بالاقلية في الدستور حتي لا نثير حفيظة الانجليز وتدخلهم في البلد تحت دعوي حماية الاقليات.
نسيج واحد
12 واخيرا فإن هجومه علي الوفد المصري كان تهكما وسخرية فإنه تجاهل ان هذا الوفد المصري برئاسة سعد باشا زغلول كان يحاول مفاوضة الانجليز علي استقلال مصر عام 1919 وكان هذا الوفد مفوضا من الشعب بالآلاف من التوكيلات والتوقيعات وكان هذا الوفد يضم مسلمين ومسيحيين وتقدموا للانجليز في نسيج وطني واحد ولم يتقدموا له ممثلين عن الاغلبية المسلمة والاقلية المسيحية وكان لهذا الوفد وثورة 1919 وحالات نقية من الاسباب المهمة والكبري لحصول مصر علي مساحة او جزء من الاستقلال الوطني ولولا ذلك ما تكونت اللجنة العامة لوضع الدستور الذي هو توفيق دوس بك احد اعضائها والذي نال الوقت الكامل لاحاديثه بكل حرية وطلاقه بلا حرج او موانع، ولان تهكمه وهجومه علي ذلك الوفد المصري الذي اصبح حزب الوفد كان اكبر رافضي هذا التمثيل النيابي للاقلية في الدستور لانه ادرك في ثورة 1919 والتي قادها لان المسلمين والمسيحيين تأكدوا انهم نسيج واحد ومثال رائع علي مستوي الدول المتحضر بل لان الوفد المصري عندما تكون كحزب للوفد فإن المسيحيين تبوأوا به اعلي المراتب واهم مراكز قيادية بل ان هذا الحزب عندما عاد في السبعينيات وحتي الآن مازال المسيحيون يتبوأون مراكز متقدمة في الحزب بل اذكر عندما اصدر نعمان جمعة قرارا بفصل منير فخري عبد النور من الحزب قام الشعب كله باستنكار ذلك وحدث خلاف جذري في الحزب كان احد اسبابه هذا الاجراء دفع بطرد وخروج نعمان جمعة من رئاسة الحزب وعودة منير فخري عبد النور للحزب مرة اخري، اذن فإن الوفد كان ومازال يؤمن بوحدة النسيج الوطني المصري من المسيحيين والمسلمين وهذه ارقي ايديولوجية حزبية في مصر منذ قرن من الزمان في الحياة السياسية وهذا ما يؤكده دائما ذلك الحزب العريق.
لابد من التوقف امام هذه المناقشة ايضا واستخلاص اهم وابرز ما فيها لمساندة الرأي القائل بعدم النص دستوريا علي تمثيل المسيحيين كأقلية.
1 من المعلوم ان بعض نصوص المعاهدات الدولية عندما تضم الي الدساتير الوطنية تعد هذه النصوص ضمن هذه الدساتير ملزمة التطبيق، ومن هنا أخذ مشروع دستور 1923 بالنص الذي جاء بمعاهدات الصلح الدولية للدول الكبري بعد الحرب العالمية وهذا ما حدث بالنسبة للاقليات ومع ذلك صدر الدستور في صورته النهائية لا ينص علي تمثيل الاقليات لان النتيجة الايجابية تأتي بعدم النص.
2 ان الدول الكبري في هذه المعاهدات لم تطلب امتيازا خاصا للاقليات انما طالبت بالمساواة بين الاقلية والاكثرية وبذا يتحقق العدل والإخاء لانه ليس هاك محل للتفريق بينهما في حالة المساواة بل ان الاقلية في هذا الوضع غالبا ما تذوب مع الاكثرية في اطار من المبادئ العامة التي تحكم الشعب بكل طوائفه وفئاته وليست لطائفة او فئة محددة لان لو حدث ذلك فإنما يعني انه يتقرر للاقلية امتيازا او مزايا خاصة لا تتمتع بها الاغلبية ولا يستوي ذلك مع قاعدة المساواة المنصوص عليها في الدستور والا اذا حدث هذا يعني ذلك تناقض نصوص الدستور وهذا غير جائز لان الدستور هو اعلي تشريع يحكم المجتمع وشعبه وسلطاته بل ان ذلك ايضا يخلق عوارا دستوريا بسبب خلخلة في التطبيق وهذا ما لا يجب.
3 انه اذا جاز الاخذ بالتمثيل النيابي الديني فإن ذلك يعني ان اليهود لهم نفس الامتياز وغيرهم من الديانات غير السماوية والدخول في خلافات حول الاديان والخلافات التي يمكن ان تحدث داخل الديانة الواحدة وربما يحدث فرقة والخلاف لا يجب حدوثه ايضا بين اهل الديانة الواحدة علي التمثيل السياسي.
4 ان عدم النص علي التمثيل النيابي للاقليات يعني ان مصر لا تعترف بأن المسيحيين اقلية انما تقر بأن الشعب المصري نسيج واحد ليس هناك اي تفرقة علي المستوي السياسي وهذا تحقيقا للمساواة في الحقوق والواجبات الوطنية وبذلك لا محل لاي طرف اجنبي التدخل تحت ذريعة الاقليات طالما ان هناك مساواة بين الاكثرية والاقلية وهذه المساواة التي تحقق عدم وقوع غبن علي الاقلية وبالتالي ليس هناك من هذا الجانب محل للتدخل الاجنبي حيث انه ليست هناك اقلية انما هناك نسيج واحد للشعب.
5 ان النص علي تمثيل الاقليات يمثل استثناء علي القواعد العامة في العالم وهذا الاستثناء عندما ينص عليها يتحول الي قاعدة دستورية وهذا في منتهي الخطورة والدساتير تنص علي احكام عامة للجميع وتغض الطرف عن الديانات والاصل واللغة والجنس... بل اننا نعتبر مصر في تلك الآونة سباقة في التحضر المدني حيث انها لم تخص اي طائفة بأي استثناء وما يراه توفيق دوس بك من اخذ فرنسا بالقوانين المدنية وليس في دستورها هذا يعني ان الدستور المصري دستور حضاري وان اي استثناء يجوز في القوانين الادني مرتبة من الدستور والقوانين تتغير وتعدل طبقا لظروف وملابسات وتطور المجتمعات.
وقد قصدنا عرض ما دار في اجتماع لجنة الثلاثين الذي انيط بها وضع دستور 1923 تأصيلا للوطنية منذ اول دستور وضع لمصر في بدايات القرن العشرين وان تؤكد توثيقا الي اي مدي كان هؤلاء الساسة تجري في عروقهم الوطنية المصرية الحقة والتي اسست ورسخت مبدأ اصيلا واساسيا وتاريخيا عبر قرون طويلة بأن مصر نسيج واحد للمصريين اقباطا ومسلمين وما اروع بصيرة هؤلاء الساسة الذين كانوا يضعون دستورا للحاضر والمستقبل، وكان لبصيرتهم نماء الوطنية المصرية حتي الآن وفي احلك الظروف، وفي عصرنا الحديث واثناء معركة اكتوبر لم يبق الصهاينة بين قبطي ومسلم بل كانت تحارب المصري وهذا الاخير كان يدافع عن مصر وينتصر لها، وان حاولت بعض الجهات الاجنبية وبعض ضعاف النفوس من المهاجرين اللعب علي وتر ان المسيحيين اقلية فإن العالم كله يدرك تماما ان مصر مستثناة في هذا الصدد لان التاريخ اعظم شاهد علي نسيج مصر الواحد ولجنة الثلاثين اقرت شهادة التاريخ العريق في هذا الامر، وهانحن اليوم نعرض لهذه الوثيقة التاريخية الوطنية لندرك ان اجدادنا علي مستوي التحضر والتقدم واحاديثهم واقوالهم تستند علي ذلك حيث ان هذه اللجنة لم تكن تقتصر علي نخبة ترزية للحاكم ايا كان.. انما كانت تقطر وطنية سطرت بها دستورا لكل العصور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.