التوقف عن قراءة الصحف قرار حكيم اعلنه مؤخرا بهاء طاهر .وحين يصدر مثل ذلك القرار عن اديب متميز مثله فهو حدث جليل لانه يعني ان كاتبنا المصري رفع عينيه عن اوراقه ليجد ان (يقرأ) لم تعد في قاموس اللغة العربية (فعلا) له ماض وحاضر بعد تحولها الي (كلمة اسمية) ليس لها فاعل ولا مفعول به واما (كتب) فهي بالتبعية (حروف زائدة) يمكن حذفها بدون الاخلال بالمعني والحقيقة التي توصل اليها بهاء مؤخرا سبق وان توصل اليها السواد الاعظم من الشعب المصري منذ زمن بعيد جدا. ولكن بالنسبة لانسان حياته القلم، وسبب وجوده علي هذه الارض ان يكتب لقارئ، فان الكتابة والقراءة كانت دوما فعلا صانعا ومؤثرا ولذلك فهو لم يتخيل يوما ان تفقد الكلمات الروح وان يتحول المعني الحرفي لكلمات ان الكل مات، ولكن لماذا فقدت الكلمات الحياة والقدرة علي بث الروح في الصدور؟ لقد جاء قرار بهاء نتيجة لاكتشاف ومض فجأة امام عينيه وافزعه ان الناس لم تعد تقرأ الصحف ولم تتأثر بالكلمات كما كان الامر في الماضي لكن ما الذي اكتشفته الغالبية العظمي من الشعب المصري وادي بهم الي التوقف عن القراءة منذ زمن ولي؟ اعتقد جزئيا ان الناس لم يجدوا فجأة الكاتب الذي يستحق ان تقرأ كلماته. فهم كانوا يقرأون لمن يقرأهم، كلماته في افواههم تتحدث، تتنفس، تصرخ او تهمس، يتبادلون الصحيفة بينهم وقد تحولت من أوراق الي صديق يبادلهم الرأي، في ذلك الزمن البعيد كانت الاوراق مكان موعد لقاء لحوار وجدال بين الناس ومع الكاتب، واما في زماننا نجد كثيرا من الكتاب ولكن قليلا جدا منهم من يقرأون الناس، كثير من الشكوي والنذر القليل من الحوار، اخبار تتوالي وتفاصيل تروي عن فساد وأمر ومطلوب منك ايها القارئ ان تغضب، ولكن القارئ اعتاد مثل هذه الاخبار مثلما اعتياد جبال القمامة في الطرقات كما اعتاد موت الرجال والنساء والاطفال في قنوات الفضائيات، المشكلة في اصلها ليست انشغال الناس بالهم ولقمة العيش بقدر ما هي انفصال الكاتب عن قارئه، من يكتب الان للنخبة التي تستطيع ان تقرأ، وهي في الغالب الاعم هي نفسها النخبة التي تكتب، واما الناس فان حياتهم تنعكس في صفحتين لاغير من اي جريدة، صفحة الحوادث وصفحة الوفيات، في ذلك الزمن البعيد كانت المظاهرة تخرج الي الطرقات بالالاف واليوم لايزيدون عن المئتين نصفهم من الكتاب، وعلي الجانب الاخر من الطريق من وراء سد اسود من اجساد متراصة لجنود الامن المركزي تتلاقي عيون المارة وسائقي سيارات الاجرة بدهشة ولسان حالهم يقول من هؤلاء وهل يمكن ان تتغير حياتنا الي الافضل بمثل هذا الهراء؟ والسؤال الحقيقي هو كيف لنا ان نغير نظاما للحكم ان لم نكن قادرين علي ان نتغير نحن من داخلنا، انعدام القدرة علي التواصل مع الناس تمتد الازمات ان يكون الحزب او الحركة السياسية اداة للتغيير تماما مثل الصحيفة، الكارثة تحل في كل مرة ينشغل فيها افراد الكيان السياسي عن الهدف الحقيقي الاسمي باهداف وقتية من اول الاخوان المسلمين الذين حولوا الدعوة الي الحق والوقوف في وجه الظلم الي مسعي للوصول للحكم، وحتي الاختلاف اصبحنا لانجيده، يمكن ان يتحول الخلاف اذا اردنا الي حوار مفتوح علي صفحات الجرائد يطرح القضايا ويعرض وجهات النظر فيتحول من خلاف الي حوار يثري المجتمع، ولكن فإن الغضب لموقف شخصي يغلب فنتفرق ونهزم انفسنا بأنفسنا، حين نفقد القدرة علي التواصل فيما بيننا، ما تحقق في زمن رفاعة من نهضة كان بالاساس نتيجة لايمان ويقين لرجل دين ورع ان الكلمة الطيبة شجرة تثمر فاجتهد في زرعه وكان يري في الثمار عطاء من الله وليس عمل يده، استاذ بهاء نعلم جيدا انك من القليلين القادرين علي الحرث والزرع، ونعلم انك ممن يقرأون البشر، ونعلم ان قرارك الحكيم رسالة اردت لنا ان نقرأها فهل فعلنا؟