لقد أشرت في المقال السابق إلي تنوع المناهج التي تتبعها هذه المدارس بين مناهج أمريكية إنجليزية وفرنسية والمانية، وسوف أتناول اليوم المدارس الأمريكية بقليل من التفصيل،وأرجو عزيزي القاريء أن لا تعتبر هذا نوعا من الاضطهاد للأمريكان بالتحديد. لأن هذه المدارس فتحت بأموال مصرية خالصة ويتعلم فيها أبناء المصريين دون اي تدخل أو ضغط من اي قوي خارجية،بل إلي سبب علمي بحت،وهو أن المدارس التي تقوم بتعليم المنهج الامريكي هي الأكثر انتشارا فعدد المدارس الكندية لا يتجاوز14 مدرسة، والإنجليزية 15 مدرسة بينما وصل عدد المدارس التي تدرس المنهج الامريكي إلي أكثر من 70 مدرسة. وقبل أن نشير إلي الأسباب وراء ذلك، نشير إلي كيفية دخول الشهادة الأمريكية إلي مصر حديثا؟ حتي بداية التسعينيات من القرن العشرين لم يكن يوجد في مصر شهادات أجنبية باستثناء شهادة ال G.C.E الإنجليزية والتي كانت تقتصر علي المرحلة الثانوية فقط، وقد ظهرت المدرسة الأمريكية في مصر بعد قيام حرب الخليج في ظروف استثنائية، فلقد كان صاحبها يملك ذات المدرسة في الكويت ولقد تمت موافقة وزارة التربية والتعليم علي افتتاح هذه المدرسة لكي يتاح لها تقديم الخدمة التعليمية للطلاب الكويتيين.. حيث صدر قرار وزير التربية والتعليم رقم 68 بتاريخ 1992/3/29بالموافقة علي المعادلة العلمية لشهادة دبلوم المدرسة الأمريكية الدولية بالكويت،وعلي الرغم من انتهاء الحرب وعودة أهل الكويت إلي وطنهم، إلا أن هذه المدرسة ظلت تفتح أبوابها لأبناء المصريين تحت مسمي المدارس الدولية، ورغم ارتفاع مصروفاتها إلا أنها وجدت إقبالاً إلي حد ما من بعض طبقات المجتمع، وكان خريجو هذه المدرسة عادة يلتحقون بالجامعة الأمريكية، وفي عام 1996 انتشرت ظاهرة الدبلوم الأمريكي في عدد كبير من مدارس اللغات حيث تم تخصيص فصل في بعض المدارس لمنح الدبلوم الأمريكي علي غرار الشهادة الإنجليزية،ويرجع ذلك إلي الضوابط التي وضعها المجلس الأعلي للجامعات 1995/8/19 بشأن شهادات الدبلوم الأمريكي التي كان يتم الحصول عليها من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي كانت تمثل أبواباً خلفية للالتحاق بالجامعة، مما أدي إلي قيام المستثمرين بفتح فصول بالمدارس الخاصة لمنح شهادة الدبلوم الأمريكية التي أقبل عليها أولياء الأمور، وذلك لسهولة المناهج والحصول علي درجات مرتفعة بالثانوية العامة،وحتي عام 2000 م لم يكن هناك قانون منظم لهذه المدارس، فكانت كل مدرسة تفتح بتصريح خاص من الوزير استناداً علي قرار 68 لسنة 1992 ( الذي صدر أساسا في ظروف استثنائية)، في عام 1999 صدر القرار الوزاري رقم392 1999/7/22 والذي تضمن - للسير في إجراءات معادلة شهادة الأمريكية الثانوية High school American بالمدارس المصرية التي تقوم بتدريس مناهج الثانوية الأمريكية لا تعتمد معادلة الشهادات الصادرة منها إلا بعد الاعتماد من الهيئة المختصة الأمريكية أو من المدرسة الأم المانح الأصلي للشهادات بما يقابلها في مصر. ومنذ هذا التاريخ بدأت المدارس المصرية تسعي إلي الحصول علي موافقة من هيئات الاعتماد الأمريكية وهي عبارة عن هيئة إقليمية تقوم بتقييم المؤسسات التعليمية (كلية أو جامعة _ أو مدرسة ) لتحديد ما إذا كانت تستحق هذا اللقب داخل الولاياتالمتحدة ، وعلي الرغم من تعدد هيئات الاعتماد بالولاياتالمتحدة،لوحظ أن معظم المدارس الأمريكية تحصل علي موافقة هيئة ( CITA) the commission on international and trans (regional accreditation) حيث أنها أقرب الهيئات لمركز ( جمعية أمريكا / الشرق الأوسط للخدمات التعليمة والتدريبية (الإميدست ) التي تعتبر الوسيط بين أصحاب المدارس الأمريكية في مصر وهيئات الاعتماد بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وإن كان هناك عدد من المدارس لا يتعامل مع الإميدست أو هيئة CITA) ،وتتعامل مع هيئات أخري تابعة لجامعات أو مدارس أمريكية، وعادة تفتح هذه المدارس بناء علي تصريح الهيئات الأمريكية أولا وتفتح أبوابها للطلاب ثم تسعي للحصول علي الموافقة من وزارة التربية والتعليم المصرية التي تمنح الموافقة بناء علي موافقة الهيئة الأمريكية، ومن الملاحظ الزيادة السريعة في أعداد هذه المدارس،كما أن هذه المدارس لم تعد تقتصر علي فتح فصول للمرحلة الثانوية لمنح الدبلوم الأمريكي بل توسعت هذه المدارس لتشمل جميع المراحل التعليمية ابتداء من الحضانة،وتلتزم المدارس في جميع المراحل بنظام التعليم الأمريكي، من حيث المناهج والأنشطة وطرق التدريس، وتجد المدارس الأمريكية إقبالا كبيرا من أبناء الطبقة العليا،كما تجد دعمًا كبيراً من قبل المسئولين تحت دعوة أنها تقدم تعليما مميزا وتكنولوجية متقدمة،وقد نتفق أو نختلف معهم ولكن هناك حقائق تربوية متفق عليها وتتمثل فيما يلي: اولاً : إن زيادة أعداد هذه المدارس وتدعيمها تحت دعوة اكتساب المهارات العلمية والتكنولوجية المناسبة لعصر العولمة مما يؤدي إلي سرعة التنمية الاقتصادية وتقدم البلاد، "غير مؤكدين " لأنه يوجد تعارض أساسي بين التوجه القائم لنسق التعليم في بلدان العالم الثالث والتي منها مصر، ولذلك لا ينتج هذا التعليم كفاءات متناسبة مع الاحتياجات المحلية وإنما كفاءات تتناظر وما تخرجه أنظمة التعليم في البلدان الغربية المصنعة، ويعني ذلك اغتراب نظام التعليم عن احتياجات المجتمع المحلي في بلدان الأصل والالتزام في الوقت نفسه بالحداثة الغربية، يؤدي إلي إنتاج مهارات للسوق الدولية ومحورها البلدان الغربية المصنعة ومؤسساتها الاقتصادية مما يؤدي إلي انقطاع المؤهلات والاحتياجات المحلية . ثانيا: إن دخول الأطفال في سن مبكرة إلي المدارس الأمريكية(مرحلة الحضانة) أو أي تعليم أجنبي"، يصلون إليها صغاراً جداً لم يستطيعوا بعد أن يخضعوا للهوية الثقافية لآبائهم ومجتمعهم، يدخلون إلي منظومة المدرسة يتعلمون من خلالها معايير وقيم المجتمع الأمريكي الذي يختلف بشكل أو بآخر عن المنظومة الثقافية للأسرة والمجتمع الذي ينتمون إليه، مما يؤدي إلي صراع داخل الفرد لتشكيل الهوية، وعادة ما يرفض الأطفال في هذه الفترة الانتقالية ثقافة آبائهم والمجتمع الذي يعيشون فيه ويعتنقون ثقافة المجتمع المضيف. ومن المعروف أن القيم المكتسبة في مرحلة الطفولة قيم راسخة وهي الأساس الذي يقوم عليه نسق القيم فيما بعد، وبذلك تصبح هذه المدارس مظهراً من مظاهر الاختراق للمنظومة القيمية في المجتمع المصري. وبالإضافة إلي ذلك يجب الإشارة إلي أن ارتفاع مصروفات هذه المدارس يسمح لأبناء طبقة محددة من فئات المجتمع المصري للالتحاق بهذه المدارس وهي طبقة رجال المال والأعمال والسياسة وكبار المسئولين في السلطة، وتمثل هذه الفئات الطبقة العليا في المجتمع ونظراً لطبيعة المجتمع المصري في توارث وتبادل المراكز القيادية في كافة المجالات بين أفراد العائلة الواحدة والصحبة والشلة .. الخ، فإن أبناء هذه الطبقة من المفترض أن يكونوا قادة المستقبل فهم الصفوة المسيطرة علي الأمور السياسية والاقتصادية والإعلامية مما يؤدي إلي تكريس التبعية في ظل المتغيرات العالمية ومحاولة الهيمنة الأمريكية علي دول المنطقة. يجب الإشارة إلي أن هذا النوع من التعليم ينتشر في مرحلة من أحرج المراحل ليس فقط علي المستوي المحلي بل علي المستوي العالمي .هل أنت معي عزيزي القارئ في أن هناك خطرا يهدد لغتنا العربية ،بل أن النسق الاجتماعي ككل مهدد ؟ !!