اذا تأملنا ما يجري الآن علي الحدود الاسرائيلية العربية فسيكون بوسعنا الاقرار بأنه علي الرغم من ميل ميزان القوي لصالح اسرائيل في اطارها المادي، الا ان ذلك لم يسمح لاسرائيل او لمواطنيها بالاحساس بنعمة الامن، بل ان الحادث بالفعل يشير بجلاء الا ان المحاولات المستميتة التي اقدمت اسرائيل عليها منذ عام 1948 بهدف احداث تغير اقليمي علي حساب جيرانها العرب، بالتوسع علي حسابهم باستخدام القوة الغاشمة وبطشها وذلك عن طريق شن الحروب المتعددة عليهم، وربما نجاحها في اقتطاع اجزاء معينة من اقليم الدول العربية المجاورة لها، وممارسة سلطاتها عليها، الا ان كل ذلك لم يؤد الي اكتساب اسرائيل لحق ضم هذه الاجزاء لدولتها، حتي ولو ادعت لنفسها ذلك، فهذا ما لا يقره القانون الدولي، ولا يمكن الدول الاخري من الاعتراف لها بذلك الحق يؤكد علي هذا اعلان الاممالمتحدة في مناسبات عديدة علي عدم اعترافها بأي تصرفات اسرائيلية يكون من شأنها ادعاء اية مكاسب اقليمية في الاراضي العربية المحتلة. واذا حاولنا القيام بإجراء تشخيص "طبي سياسي" مجازي للموقف الراهن القائم حاليا علي الحدود الاسرائيلية العربية، وذلك بالاستعانة بالمفهوم العلمي للحدود السياسية كما ورد في ادبيات علم الجغرافيات السياسية والذي يعرفها بالخطوط التي ترسم علي الخرائط لتبين الاراضي التي تمارس فيها الدولة سيادتها، والتي تخضع لسلطاتها، والتي لها وحدها الحق في الانتفاع به واستغلالها.. فإننا سنجد الآتي: "صداع" مزمن في الرأس علي الحدود الشمالية تتلامس الحدود الشمالية لاسرائيل مع الحدود اللبنانية، ويبدو ان العقلية الاسرائيلية كانت قد استقرت، علي اعتبار ان حدودها مع لبنان هي الاكثر هدوءا، ورخوة والاميل لغرض أو قبول الامر الواقع ولكن جاءت الحرب اللبنانية الاسرائيلية الاخيرة لتنسف تلك الاوهام من جذورها، حيث اربك صمود المقاومة اللبنانية "سياسيا وعسكريا واجتماعيا" اسرائيل علي مستوي اهدافها المنشودة، ولاول مرة في تاريخ اسرائيل، يتراشق القادة العسكريون والسياسيون التهم حول فشل حربهم علي لبنان، فالجنود يتهمون قادتهم بأنهم دفعوا بهم الي حرب خاسرة كما اثبتت الوقائع علي الارض "كارثية" قرار اسرائيل لكسر توازن الرعب السابق مع حزب الله فصواريخ الحزب لم تكن سلاحا عسكريا فحسب بل سلاحا استراتيجيا نفسيا واقتصاديا، فإسرائيل في حروبها السابقة علي العرب دائما، كانت بعيدة عن اي تهديد حقيقي، يمكن ان يعرضها لهجمات الاسلحة الجوية والبرية العربية، وكذلك لم يتعود الاسرائيليون علي حياة الملاجئ، او علي توقف اعمالهم من جراء الحرب باستثناء استدعاء الاحتياط، لكن في تلك الحرب وعندما اعتقد الجيش الاسرائيلي انه بإمكانه القضاء علي صواريخ حزب الله بحرب خاطفة، كان حزب الله يمطر ما وراء الحدود الشمالية لاسرائيلة بدفعات متتالية من الصواريخ وبشكل يومي، حتي ان بعضها وصل الي مناطق الخضيرة والعفولة وبيسان، اي علي بعد حوالي 70 كيلو مترا من حدود لبنان مع اسرائيل "د. عبد الرؤوف سنو مجلة حوار العرب العدد 22 سبتمبر 2006". ولهذا لم يكن غريبا، ان يعترف "موشيه ارينز" وزير الدفاع الاسرائيلي السابق بأن الحرب الاسرائيلية علي لبنان، لم يكن لها مثيل في تاريخ الحروب التي خاضتها اسرائيل، وانتهت بهزيمة لم يكن لها مثيل ايضا، حيث انهزم الجيش الاسرائيلي امام عدة آلاف من مقاتلي حزب الله! "مغص" حاد في الخاصرة علي الحدود الشرقية تشرف حدود اسرائيل الشرقية علي كل من الضفة الغربية والاردن كما تتماس حدودها الشمالية الشرقية مع الجولان السورية، ويستطيع اي مراقب للاحداث علي تلك الحدود ان يدرك محاولات اسرائيل المحمومة لفرض الامر الواقع بترسيم حدودها مع الضفة الغربية "الاراضي الفلسطينية" بطريقة استفزازية وعنصرية، حيث قامت اسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري ليلتهم مناطق واسعة من اراضي الضفة الغربية، فضلا عما تقوم به من توسيع مستعمراتها القائمة علي الاراضي الفلسطينية، او المشروع في اقامة مستعمرات استيطانية جديدة، ضاربة في ذلك كل قرارات الشرعية الدولية بهذا الخصوص. آلام المغص الامني الحاد الذي تشعر به اسرائيل عند حدودها الشرقية اعراضه واضحة وتشخص نفسها بشكل تلقائي مما لا شك فيه انه رغم المحاولات التي قامت بها اسرائيل لتأمين حدودها الشرقية الا ان ذلك لم يمنع الفلسطينيين من الدفاع عن مطالبهم ومحاولة التمسك بحدودهم، والرد علي اسرائيل وممارستها العدوانية البغيضة معهم ولو ادي الامر للتضحية بالاموال والانفس، فسياسات الهدم والتدمير والقتل الدائمة، لم تمنع الفلسطينيين من الوصول الي العمق الاسرائيلي واحداث الاذي المادي والمعنوي بالاسرائيليين في عقر دارهم، وهكذا ظلت الحدود الشرقية لاسرائيل مصدر قلق وخوف دائمين، من اناس فلسطينيين لا يبخلون بتقديم ارواحهم بالشهادة دفاعا عن أراضيهم المغتصبة. آلام مبرحة في الاقدام علي الحدود الجنوبية تتمثل حدود اسرائيل الجنوبية في تلامسها مع قطاع غزة بحدوده الشمالية والشرقية، وقد مثل انسحاب اسرائيل الاحادي ومن طرف واحد من كل قطاع، ما يمكن اعتباره اعترافا كاملا بالعبء الذي لا يطاق للمحتل الاسرائيلي، والذي اثر تحت ضغط رفض مواطني غزة لوجوده علي اراضيهم بصورة متعددة، ان يأخذ بمبدأ الانطواء لتجنب التكلفة البشرية والمادية التي سببها الاستمرار في احتلال القطاع بعد الاحداث التي تلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. الشيء المثير والجديد ايضا علي الحدود الجنوبية لإسرائيل، يمكن تلمسه في استحداث الفلسطينيين لادوات جديدة تستخدم الآن في ادارة ذلك الصراع، فعندما تجبرت آلة الحرب الاسرائيلية في قمعها الدائم للفلسطينيين وعندما ادركوا مماطلة الجانب الاسرائيلي وتسويفه او عدم جديته في الوصول الي حل عادل للصراع الذي سببه الاحتلال الاسرائيلي لاراضيهم والذي طال أمده لعقود طويلة، فقد كان من الطبيعي ان يتسبب عن كل ذلك لجوء الفلسطينيين للبحث عن الوسائل التي تمكنهم من الردع ووقف مسلسل القتل اليومي لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية او للحد من عمليات المداهمة او التوغل المستمرة وهدم المنازل الفلسطينية وتجريف الاراضي الزراعية واتلاف الزراعات بها. وقدر رأينا في الآونة الاخيرة وفي ظل مقولة "ان الحاجة ان الاختراع كيف طورت الفصائل الفلسطينية المقاومة الصواريخ "محلية الصنع" التي تقصف بها المدن والمستعمرات الاسرائيلية في اسديروت وعسقلان، وعلي الرغم من محدودية التأثير المدمر لهذه الصواريخ، الا انها كانت كافية لنفعل فعلها المطلوب بإحداث آلام مبرحة بأقدام اسرائيل علي حدودها الجنوبية نتج عنها استمرار اقامة المستوطنين وغيرهم في الملاجئ، ودفعت بوزير الدفاع الاسرائيلي نفسه للجري هربا والاختفاء بأحد المخابئ، عندما اطلقت صفارات الانذار للتحذير من قصف صاروخي بهذه الاسلحة المحلية وبدائية الصنع! ملمح آخر لاحظناه في احداث "بيت حانون" الاخيرة، حيث امتد الاداء لمقاوم ليشمل النساء ايضا، كما بينت تلك الاحداث ان لدي المقاومة الفلسطينية اسلحة وذخائر مضادة للدروع او الدبابات والجرافات وناقلات الجد الاسرائيلية، الامر الذي يشكل من وجهة نظرنا تغيرا كميا ونوعيا فيما لدي المقاومة من اسلحة ومعدات.