بينما كان الآلاف محتشدين في ساحات وسط بيروت مطالبين باستقالة الحكومة اللبنانية، كانت فيروز في مركز المعارض القريب في "بيال" ترفع صوتها مطالبة برحيل الوالي الظالم في مسرحية "صح النوم" للاخوين رحباني. يأتي ذلك بعد اكثر من ثلاثة عقود علي عرض هذه المسرحية للمرة الاولي علي مسرح البيكاديللي في بيروت. يومها، تعطل تقديم المسرحية بسبب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر. وفي الصيف الماضي وبعدما تقرر عرض المسرحية في افتتاح مهرجانات بعلبك في عيدها الخمسين، غابت مجددا بسبب العدوان الاسرائيلي الذي عطل الحياة في لبنان. وتمكنت فيروز قبل ذلك من تقديم حفلة يتيمة خصصت وفق تقليد قديم لدي الرحابنة لاهالي مدينة الشمس. وقررت لجنة مهرجانات بعلبك اعادة تقديم المسرحية في ثلاثة عروض مطلع ديسمبر كان اولها الجمعة، وتزامن ذلك مع بدء اعتصام مفتوح للمعارضة اللبنانية التي تطالب باستقالة الحكومة. وقال زياد الرحباني الذي اشرف علي النسخة الجديدة للعمل ان "شيئا لن يمنعنا هذه المرة الا انزال اسرائيلي". ومساء الجمعة، وبعد تأخير ساعة علي الموعد المقرر، عادت فيروز لتؤدي دور قرنفل ابنة القرية المشاكسة صاحبة الصوت المرتفع. وضاقت القاعة التي تتسع لستة آلاف شخص بالحضور، وعاد جمهور قديم وجديد ليشاهد قرنفل تخاصم الوالي النائم دوما في "قصر النوم" فيما الشعب ينتظر الاختام ليقوم بالبناء والزرع واعمار القرية. وعاد الجمهور ايضا ليشاهد انطوان كرباج مؤديا دور الوالي، وبدا ان هذا الممثل لم يغادر الدور ابدا فقوطع بالتصفيق مرارا كما صفق لفيروز والموسيقي. اما ايلي شويري فحضر بدل الراحل نصري شمس الدين ليؤدي دور زيدون مستشار الوالي. وتتضمن مسرحية "صح النوم" نقدا سياسيا وحوارات طريفة وشاعرية وموسيقية كسائر اعمال الرحابنة، لكن العمل لا يتغني بالفولكلور ويغلب عليه الطابع المديني. وليحافظ زياد الرحباني علي قوة النص وشموليته قام بحذف بعض "القفشات" السياسية التي لم تعد تخدم الموضوع او بهتت بمرور الزمن. وموسيقيا، اعاد زياد تسجيل العمل كاملا عزفا وغناء مع اضافة لمساته فبدت المسرحية علي كلاسيكيتها شديدة الحداثة. جمهور قاعة "بيال" صفق طويلا للسيدة فيروز واعادت هتافاته بعض النبض الي ليل العاصمة اللبنانية التي ملت ضوضاء السياسة وتبحث من دون جدوي عن زاوية سكينة.